بعد سنوات من الانخفاض المستمر لمعدلات الجوع، ارتفع المعدل في العالم فجأة رغم إنتاج ما يكفي لإطعام ضعف سكان العالم. هذا ما خلُصت إليه تقارير أممية في صورة قاتمة رسمتها على وضعية الأمن الغذائي في العالم، أحد أهم أسبابها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.الأمم المتحدة دعت في تقرير لها إلى ضرورة اتخاذ إجراءات إنسانية عاجلة في 20 دولة اعتبرتها "بؤرة ساخنة للجوع" في العالم، بينها 5 دول عربية، هي سوريا، السودان، اليمن، الصومال ولبنان. من جهته حذر الاتحاد الإفريقي من الجفاف الذي يهدد دول القارة من بينهم الجزائر والمغرب، حيث أشارت وكالة الأنباء الأميركية "بلومبرغ" في تقرير لها إلى أن "موجة الجفاف ضربت منطقة شمال إفريقيا بأكملها"، كما أن "نسبة تساقطات الأمطار في الجارتين المغاربيتين هي الأدنى منذ 3 عقود".هذه التحذيرات تأتي في وقت تشتد فيه أزمة اقتصادات دول وتتوالى تصريحات زعماء سياسيين تشير إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية لن تنتهي قريبا. فكيف سيؤثر طول أمد الحرب على سلة الغذاء في دول عربية؟ وهل تشهد بعض مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مجاعات مشابهة لتلك التي حدثت في القرن الماضي؟الحرب تمتد والجوع يشتدفي ظل التطورات التي تشهدها أرض المعارك بين كييف وموسكو، يؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور رشاد عبده طول أمد الحرب وتأثيراتها على اقتصاد الدول العربية النامية، حيث قال: "بعض الخبراء اعتبروا أن الهدف من زج روسيا في حرب طويلة الأمد هو السعي لإنهاك اقتصادها والمستفيد الأول هو الولايات المتحدة".ويوضح الخبير المصري في تصريح لمنصة "المشهد" ما يلي:المخزون الروسي من الأسلحة سيضعف خصوصا في ظل تزايد الدعم الدولي لأوكرانيا.الحرب ستطول لأن حلف الناتو صرح أنه مستعد لدعم أوكرانيا حتى لو طالت الحرب لكن موسكو لن تستسلم.وفي ظل تزايد الضغوط الدولية على الاقتصاد الروسي قد لا تلتزم بمبادرة البحر الأسود (اتفاقية بين روسيا وأوكرانيا وتركيا برعاية الأمم المتحدة لتصدير الحبوب).كنتيجة لما سبق سيحدث شح في معروض القمح والحبوب بشكل كبير ولن تجد دول نامية قمحا وسيقع فيها مجاعات.الأسعار تُحدد وفقا لقانون العرض والطلب يعني في ظل غياب معروض الأسعار سترتفع ولن تجد الدول النامية مالا لشراء الحبوب.حتى لو أرادت الدول الاقتراض لشراء حبوب غالية الثمن ستكون هناك مشكلة لأن أميركا رفعت سعر الفائدة 5 مرات وهذا سيزيد من مديونية دول نامية.ويضيف المصدر ذاته أن الدول المستهلكة للنفط والغاز ستستورد بأسعار مرتفعة مما سيؤثر أيضا على ميزانيتها وتنميتها، الأمر الذي سيقود إلى ارتفاع التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، "مما سيشعل احتجاجات في دول عدة واضطرابات وهذا أمر مرعب قد نشهده في الفترة القادمة" بحسب الخبير المصري.ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن الدول رغم تقديمها "رشاوى" لشعوبها لكسب ودهم واحتواء غضبهم من خلال حصص أكبر في التموين أو تأجيل رفع دعم الطاقة، إلا أن "المواطنين لن يتحملوا لأن الضغط سيولد الانفجار".مجاعة من نوع آخروفي قراءة لتقارير الأمم المتحدة التي حذرت من مجاعات قادمة، اعتبر الخبير الاقتصادي الدكتور جهاد حكيّم أن "المشكلة الكبيرة أن الدول العربية التي تضمنتها التقارير لديها أزمات سياسية واقتصادية قبل اندلاع الحرب الأوكرانية الروسية وبعضها عاش حالة حرب، الصراع بين موسكو وكييف ليس سببا وحيدا في تهديد الأمن الغذائي وإنما زاد الطين بلة". وأوضح في تصريح لمنصة "المشهد" أن "الجوع الذي تعيشه دول عربية قد يتطور إلى مجاعات ليست مثل سابقاتها عقب الحرب العالمية الثانية أو تلك التي تسبب فيها الجفاف وانتشار الجراد في القرن الماضي، بل مجاعة من نوع آخر قد تكون أشد وطأة على دول عربية". غياب الأمن الغذائي وأضاف حكيّم أنه "ليس من المبالغة الحديث عن وجود مجاعة، لأن المجاعة ليست فقط انعدام كسرة رغيف، وإنما أيضا قد تحدث حين يلجأ الفقير إلى مواد غذائية مسرطنة أو ملوثة تسد جوعه، وفعليا سوء التغذية هو مرادف للجوع". وعن طرق التعامل مع تهديدات الأمن الغذائي التي تشهدها بعض دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، أشار الخبير الاقتصادي إلى: بلدان العالم لديها مسؤولية إنسانية أولا لمد المساعدات للبلد المتضرر قبل أن تتفاقم الأوضاع أكثر. يجب أن يحدث تغيير في المنظومة الاقتصادية أو السياسية في بعض الدول التي تسبب الفساد في غياب أمنها الطاقي ثم غياب أمنها الغذائي. وقدم حكيّم لبنان مثالا على ذلك، إذ قال إن "80% من اللبنانيين زاد فقرهم نتيجة ارتفاع أسعار النفط الذي انعكس على الموازنة والمواطنين". التبعية الاقتصادية والسياسيةمن جانبه، عزا الخبير الدولي في الأمن الغذائي الدكتور نادر نورالدين، أسباب تهديدات الأمن الغذائي في الدول العربية إلى تراكمات لعل أبرزها: الحروب التي عاشتها دول عربية مثل لبنان وسوريا والعراق. سنوات الجفاف في القرن 20.ارتفاع درجة حرارة الأرض وتأثيره على المياه في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تستفيد من 1% فقط من مياه العالم. ولفت نور الدين في حديث لمنصة "المشهد"، إلى أن 83% من زراعة السودان مثلا تعتمد على الأمطار وهذا يعد مخاطرة، الأمطار قد تجف وقد تؤثر على وفرة المحصول"، داعيا إلى "ضرورة تطوير الزراعة لتقديم محصول أكثر بمياه أقل، إضافة إلى تحلية مياه البحر ومعالجة مياه المخلفات".وأشار إلى أن "الدول العربية تستورد 65% من مجموع غذائها من الخارج ويكلفها 100 مليار دولار"، محذرا من "التبعية السياسية لبعض الدول بسبب تبعيتها الاقتصادية على خلفية الحرب الأوكرانية، خصوصا وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان واضحا عندما قال: لن نبيع القمح إلا للأصدقاء، والولايات المتحدة الأميركية أعلنت أنها تتخذ القرار نفسه". تحذيرات الخبراء والمنظمات من تداعيات الحرب بين كييف وموسكو على سلال توريد الغذاء، تستند إلى كون روسيا وأوكرانيا من بين أكبر 5 دول مصدرة للحبوب في العالم. وفي غضون عامين من النزاعات والجفاف والكوارث الطبيعية، تضاعف عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في عدة مناطق حول العالم، إذ إن ما لا يقل عن 47 مليون شخص في 81 دولة يمكن أن يصبحوا على حافة المجاعة، حسب منظمة الأغذية التابعة للأمم المتحدة.(المشهد)