في وقت كانت تكافح فيه تركيا وسوريا، هزّات التضخم الذي يجمح في اقتصاداتهما بالتبعية مع الأزمة الاقتصادية العالمية منذ بداية 2022، ضرب زلزال مدمر الاثنين الماضي البلدين، ليخلّف إلى جانب آلاف القتلى والمصابين، خسائر اقتصادية ضخمة. وقدرت مؤسسة التصنيف الائتماني "فيتش" الخسائر الاقتصادية لتركيا منفردة، بأنها قد تتجاوز ملياري دولار، ومن الممكن أن تصل إلى 4 مليارات دولار أو أكثر، إلا أنها عادت لتقول في تقريرها: "من الصعب تقدير الخسائر الاقتصادية التي وقعت بعد الزلزال المدمّر في تركيا بسبب تطورات الوضع". وأشارت المؤسسة إلى أن الخسائر المغطاة بالتأمين في تركيا ستكون أقل بكثير، وبنحو مليار دولار، بسبب قلة التغطية التأمينية في المناطق المتضررة من الزلزال، إذ إن مخاطر الزلازل المغطاة تقتصر في الغالب على منطقة إسطنبول، موضحة: "هناك عقارات سكنية عدة غير مؤمنة، لا سيما في العديد من المناطق المتضررة، حيث تُقيد دخول الأسر المنخفضة قدرتهم على تحمل التكاليف". خسائر فادحة اتفق خبراء اقتصاديون ومحللون تحدثوا مع منصة "المشهد" على ما قالته مؤسسة التصنيف الائتماني من حيث وصول حجم الخسائر إلى مليارات الدولارات، لكنهم استبعدوا أن تكون هناك إحصاءات دقيقة حتى اللحظة في كلا البلدين. ويقول الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد الجزائري، الدكتور مراد كوشي في حديثه مع منصة "المشهد": "حتى الآن لا توجد إحصاءات دقيقة بشأن الخسائر الاقتصادية(..) لكن يمكن القول بأن الخسائر فادحة للغاية وتصل إلى مليارات الدولارات"، مضيفا: "أعتقد في الحقيقة أن خسائر الأرواح تكلفتها مرتفعة أيضا مثل الخسائر الاقتصادية والمادية". بدوره أكد يعتبر المحلل الاقتصادي الإماراتي نايل الجوابرة، أن الخسائر الاقتصادية لسوريا وتركيا تصل إلى مليارات الدولارات، وأنه مهما كان حجم المنح والمساعدات التي سيتلقونها خلال الأسابيع المقبلة، فإنها ستكون متدنية جدا مقارنة بالخسائر. وفي حديثه مع منصة "المشهد"، تابع الجوابرة: "ما سيتم توفيره من المنح سواء لسوريا أو تركيا، لن يساهم إلا بشيء بسيط. هناك أضرار كبيرة، ويوجد مناطق ومدن تعرضت بنيتها التحتية لدمار كبير للغاية (..) مهما كانت المنح التي ستقدمها الدول خلال السنوات المقبل، لكنها ستكون أقل بكثير من الخسائر الاقتصادية المحققة". ومن المقرر أن يُعقد مؤتمر للمانحين لجمع الأموال لتركيا وسوريا في مطلع شهر مارس المقبل في العاصمة البلجيكية بروكسل، حسبما أعلن الاتحاد الأوروبي قبل أيام، كاشفا أيضا عن تقديم مساعدة طارئة بقيمة 3.2 ملايين دولار لتركيا، فيما ستتلقى سوريا حوالي 3.7 ملايين دولار. وأوضح الجوابرة أنه بالنظر إلى الوضع الراهن سنجد أن تركيا تتسلم المساعدات بسهولة مقارنة مع سوريا التي ستتأخر إليها بطبيعة الحال بسبب الأزمة السياسية، حيث تحتاج المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق إلى موافقات مسبقة لدخول المساعدات إليها. تبعات اقتصادية سلبيةبنبرة متشائمة، يرى المحلل الاقتصادي والمدير التنفيذي لشركة "VI Markets" في مصر، أحمد معطي، أن التبعات الاقتصادية للزلزال ستكون ضخمة على تركيا وسوريا، وقد تتجاوز الخسائر 50 مليار دولار، قائلا: "نحن نتحدث عن كارثة بكل ما تحمل الكلمة. وحتى التقديرات المبدئية تشير إلى تدمير كامل لبنى تحتية في الأماكن المتضررة(..) الموضوع صعب وتبعاته الاقتصادية كبيرة جدا(..) اعتقد أن الخسائر قد تتجاوز الـ50 مليار دولار". وتابع في حديثه مع منصة "المشهد": "بالنظر إلى المناطق والمدن المتضررة، سنجد مدينة غازي عنتاب التي تساهم بنسبة 5% في الناتج الصناعي التركي، قد توقفت تماما. هذا بالإضافة إلى المواني المتضررة والمتوقفة مثل ميناء جيهان، وخسائر البورصة التركية التي تم تعليق التداول بها بعد تجاوز الخسائر 35 مليار دولار"، ليشير معطي إلى أنه لا يستبعد أيضا أن تصل الخسائر المالية وتكاليف إعادة الإعمار في تركيا وسوريا إلى 100 مليار دولار. وحتى الأمس، أدت عمليات البيع في سوق الأسهم في بورصة "إسطنبول" إلى خسائر بنحو 35 مليار دولار في القيمة السوقية، ما دفع إلى تعليق التداولات في البورصة لمدة أسبوع ولأول مرة منذ 24 عاما. إعادة الإعمار بلغ عدد المباني المدمرة بشكل كامل في المناطق المنكوبة بتركيا نحو 6 آلاف و444 مبنى، حسبما أعلن الرئيس التركي في تصريحات له. فيما يبلغ عدد المباني المدمرة جزئيا أو كليا في سوريا نحو 1575 مبنى، وفق بيانات الدفع المدني. ويعتبر الخبير الاقتصادي الجزائري أن الاقتصاد التركي في وضع أفضل مقارنة بنظيره السوري، مشيرا إلى أنه لا يمكن وضع الاقتصادين في مقارنات لما هو قادم خلال إعادة الإعمار، "فالأول اقتصاد متقدم ومتطور ويمتلك قطاعات وصناعات عدة متطورة، بينما اقتصاد سوريا أكثر تعقيدا نتيجة الظروف السياسية التي تحيط به منذ أكثر من 10 سنوات". وتابع كوشي بالقول: "في الحقيقة سيواجه كلا الاقتصادين تحديات كبيرة في إعادة التمويل والإعمار خلال الفترة المقبلة من قبل المؤسسات الدولية في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية وتعرض الاقتصاد الدولي لحالة الركود". وأوضح الخبير الاقتصادي، أنه خلال الأيام المتقبلة سيتم تحديد التكلفة الاقتصادية لهذا الزلزال لتنطلق من بعدها مرحلة إعادة الإعمار. في المقابل شدد المحلل الاقتصادي المصري أحمد معطي، على أن مرحلة إعادة الإعمار تحتاج إلى سنوات عدة "ولن تكون خلال عام واحد كما وعد الرئيس التركي في تصريحات له"، مؤكدا أن ذلك يحتاج إلى موارد مالية ومادية ضخمة. ويضيف معطي: "قطاع التشييد في تركيا قد يشهد نموا خلال الفترة المقبلة بالتزامن مع إعادة الإعمار، وهذا قد يمتد إلى دول أخرى تستورد منها تركيا".من جهته أوضح المحلل الاقتصادي الإماراتي: "مهما كان حجم الدعم أو الأموال المخصصة لإعادة الإعمار، فإن هذه العملية ستحتاج إلى وقت طويل والمزيد من السنوات، وذلك بالنظر إلى المرحلة المختلفة لإعادة تأهيل البنى التحتية، والمباني العامة والخاصة(..) هذا أمر صعب للغاية".استعادة العافية "تركيا ستتخطى هذه الأزمة خلال السنوات المقبلة بخسائر اقتصادية كبيرة.. لكن وضع سوريا متأزم في ظل العقوبات والخلافات السياسية"، بحسب ما قال معطي الذي أضاف أيضا أن سوريا ليس لديها في الوقت الحالي سوى فرص سياسية وليست اقتصادية. فيما يتوقع كوشي أن يستعيد الاقتصاد التركي عافيته سريعا، حيث سيكون قادرا على إعادة إعمار المناطق المتضررة خلال 5 سنوات على أقصى تقدير، وذلك على خلاف الاقتصاد السوري "المتردي" بسبب التحديات الأمنية والأوضاع السياسية التي تواجهه. وأضاف: "على عكس سوريا أرى أن تركيا لديها فرص أكبر في إعادة الإعمار وحشد المستثمرين المحليين والأجانب، في المقابل سيعيش السوريون ظروفا صعبة، وقد يحتاج إعادة الإعمار لعشرات الأعوام". على النقيض، يعتبر المحلل الاقتصادي الإماراتي، نايل الجوابرة، أن الاقتصاد السوري سيكون فرصة بالنسبة للمستثمرين خلال السنوات المقبلة خلال مرحلة إعادة الإعمار، "خصوصا أن دمشق يجب أن تهتم حاليا بحل القضايا السياسية.. والتي ستمكنها من أن تصبح فرصة أمام المستثمرين الأجانب والمحليين لإعادة بناء الاقتصاد".(المشهد)