حذّر صندوق النقد الدولي في دراسة جديدة من أن تراجع التعاون الدولي والتجاري يمكن أن يؤدي إلى انكماش الاقتصاد العالمي، ويُضر بالبلدان منخفضة الدخل، حسبما أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير لها. وأشار التقرير نقلا عن المؤسسة الدولية إلى طرق عدة تؤدي بها السياسات الحكومية إلى عكس مسار التكامل الاقتصادي العالمي، من بينها القيود المفروضة على التجارة والهجرة وتدفقات رؤوس الأموال العابرة للحدود، واصفا هذه العملية بـ"التشرذم الجغرافي الاقتصادي". وأوضح صندوق النقد من أن هذه العملية قد تخفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة تصل إلى 7% خلال فترة "طويلة الأجل" غير محددة. وفي حال تم تقييد مشاركة التكنولوجيا أيضا، فستكون الخسائر أكبر من 8% إلى 12%، في بعض الاقتصادات ذات الدخل المنخفض والاقتصادات الناشئة، وفقا للدراسة التي قالت إن ذلك يمكن أن يقوض العولمة الاقتصادية التي شهدتها العقود الأخيرة، خصوصا أن كان لها دور في تقليل الفقر في البلدان النامية وقدمت أسعارا أقل للمستهلكين ذوي الدخل المنخفض في الاقتصادات المتقدمة. ويضيف صندوق النقد الدولي:ربما يكون الاقتصاد العالمي على وشك الانعكاس من الزيادة المطردة في التكامل التي ميزت النصف الثاني من القرن العشرين. من المرجح جدا أن تنطوي على تكاليف اقتصادية كبيرة.وقال صندوق النقد الدولي إن التكاليف "ستشمل ارتفاع أسعار الواردات، وتجزأ الأسواق، وتقلص الوصول إلى التكنولوجيا والعمالة الماهرة وغير الماهرة، وفي نهاية المطاف انخفاض الإنتاجية مما قد يؤدي إلى مستويات معيشية أقل". توتر العلاقات التجارية وخلص صندوق النقد الدولي إلى أن جائحة "كوفيد-19" والصراع الروسي الأوكراني، زاد من توتر العلاقات التجارية التي تم اختبارها من خلال التعافي المحدود وغير المتكافئ من الأزمة المالية لعام 2008، وكذلك خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي والتوترات التجارية المستمرة بين واشنطن وبكين. وأشار صندوق النقد الدولي إلى أنه في ذروة الوباء، حددت البلدان من صادراتها من السلع الطبية والمواد الغذائية مع حظر التصدير الذي شكل حوالي 90% من القيود التجارية. إلى جانب ذلك، أدت الحرب في أوكرانيا والعقوبات المرتبطة بها التي فرضها الغرب على روسيا وبيلاروسيا إلى "اضطرابات كبيرة في أسواق الطاقة والسلع الزراعية". وقالت الدراسة إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين قد اتخذوا جميعا تدابير حديثة لتعزيز الإنتاج المحلي عالي التقنية، إذ أشارت إلى أن الشركات أيضا كانت تنقل سلاسل التوريد الخاصة بها لتقليل المخاطر. ومن المرجح أن يؤدي هذا الاتجاه نحو تجزئة التجارة إلى تقليل الفرص أمام الاقتصادات الناشئة وإبطاء الحد من الفقر، وفقا لصندوق النقد الدولي.وقال صندوق النقد الدولي: تزايد الحواجز أمام تدفق العمالة عبر الحدود يمكن أن يبطئ أيضا الابتكار وانتشار التكنولوجيا. يؤدي التفتت الاقتصادي إلى تقييد خيارات الاستثمار الدولي، مما قد يعيق التنمية. من المرجح أن يجعل بعض أشكال الخدمات المصرفية الدولية غير مقبول ويرفع تكلفة التمويل. من المحتمل أن تضطر البلدان التي أرادت الحفاظ على الاستقرار إلى الاعتماد على "التأمين الذاتي المكلف" مثل تخفيض الديون الخارجية لحماية نفسها ضد الصدمات.وأضاف أن الاتجاهات من المرجح أن تؤدي إلى حالة من عدم اليقين وأن تجعل التعاون بشأن تحديات مثل تغير المناخ أكثر صعوبة. الحفاظ على التعاون إلى ذلك، أوصى صندوق النقد الدولي بضمان التعاون التجاري بشأن السلع العامة العالمية والمنافسة العادلة، مع حماية السكان الأكثر ضعفا، علاوة على الحفاظ على الحد الأدنى من التعاون من خلال ما يسميه حواجز الحماية، على سبيل المثال "الممرات الآمنة" لتمكين حركة السلع والخدمات الهامة. كما يوصي بأن تحاول البلدان تحقيق عدد صغير من الأهداف المشتركة في المجالات التي يكون لديها توافق واسع، مؤكدا على أهمية "فتح الطريق لإعادة بناء الثقة"، حيث يمكن أن يكون أحد هذه المجالات نظام دفع دولي رقمي جديد. ويأتي التقرير وسط مؤشرات متعددة على تباطؤ الاقتصاد العالمي قرب نهاية عام 2022 تحت وطأة التضخم المرتفع وارتفاع أسعار الفائدة، إلى جانب التحديات التي سببتها الحرب في أوكرانيا وتأثيرات "كوفيد-19" في الصين. وخفّض البنك الدولي في وقت سابق من هذا الشهر بشكل حاد توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي في عام 2023، مشيرا إلى ارتفاع مخاطر حدوث ركود عالمي، إذ يتوقع تباطؤ النمو إلى 1.7% في عام 2023، انخفاضا من توقعات سابقة عند 3% في يونيو الماضي. وسيشهد هذا العام ثالث أضعف وتيرة للنمو العالمي فيما يقرب من 3 عقود، ولم تطغَ عليها سوى فترات الركود في عامي 2009 و2020، وفقا للبنك الدولي.(ترجمات)