أدّت الحرب المستمرة بين إسرائيل و"حماس"، التي اندلعت في أوائل أكتوبر، إلى شلل في القطاع السياحيّ الإسرائيلي، وتراجع الحركة السياحية في الدول المجاورة. على الرغم من أنّ تراجع عدد السياح يُعتبر أحد التداعيات الاقتصادية للحرب في المنطقة، إلا أنه يشكّل تهديدًا كبيرًا لاقتصادات مصر والأردن ولبنان وغيرها من دول المنطقة التي تعتمد بشكل كبير على واردات السياحة.ويساهم القطاع السياحي بما يتراوح بين 12% و26% من إجمالي الأرباح من الخارج لدول: مصر والأردن ولبنان، وفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة "ستاندرد آند بورز" الدولية للتصنيف الائتماني.وبعد عملية "طوفان الأقصى" التي قامت بها "حماس" في 7 أكتوبر الماضي، قلّصت شركات السفر الدولية رحلاتها أو أجّلتها، فيما تزايد القلق لدى العديد من المسافرين، الذين استجابوا لتحذيرات حكوماتهم ومخاوفها في الغرب، بشأن زيارة المنطقة، ما أدّى إلى موجات من إلغاء الرحلات السياحية.القطّاع السياحيّ المصريّ في أزمة في تقرير نشرته وكالة "ستاندرد آند بورز" العالمية للتصنيف في نوفمبر الماضي، توقّعت أن تخسر كل من مصر والأردن ولبنان ما بين 10 إلى 70% من عائدات السياحة في حال استمرت الحرب في غزة.استبشر القطاع السياحيّ في مصر خيرًا من التقارب بين إيران والسعودية في تنشيط الحركة السياحية في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، ومصر خصوصًا، لكنّ رياح غزّة مزقت أشرعة المستثمرين المصريّين في قطّاع السياحة.وكشفت شركة "ForwardKeys" لتحليل بيانات السفر الجوي عالميًا عن انخفاض في حجوزات الطيران إلى الشرق الأوسط في الأسابيع الثلاثة التي تلت 7 أكتوبر، بنسبة 26% مقارنة بالحجوزات التي تمت خلال الفترة نفسها من عام 2019 (قبل جائحة كورونا).وأكّد العديد من المستثمرين المصريّين والأجانب في القطاع السياحيّ المصريّ على أنّ نسبة الحجوزات لم تصل إلى أكثر من 50% في أفضل الأحوال مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي.تشير البيانات المصرية إلى تفاوت في تأثير الحرب على القطاع السياحيّ بين الوجهات المصرية اعتمادًا على بُعد أو قرب المقصد من غزة. ففي حين تأثّرت الوجهات السياحية في جنوب سيناء كشرم الشيخ ونويبع وطابا، إلى حدّ كبير من الحرب، بقيت أخرى مثل الغردقة والأقصر أقل تأثّرًا.وجاءت الحرب في وقت كانت فيه السياحة في الشرق الأوسط تشهد صعودًا قياسيًا. وفي الفترة من يناير إلى يوليو من هذا العام، كان عدد الزوار الوافدين إلى الشرق الأوسط أعلى بنسبة 20% من الفترة نفسها من عام 2019، ما جعلها المنطقة الوحيدة في العالم التي تجاوزت مستويات ما قبل الوباء، وفقًا لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة.وقبل أسبوع واحد فقط من الحرب، قال أحمد عيسى، كبير مسؤولي السياحة في مصر، لوكالة أسوشيتد برس، إنّ هناك "طلبًا غير مسبوق على السفر إلى مصر"، التي زارها نحو 10 ملايين شخص في النصف الأول من هذا العام، وسط توقّعات حكومية بتسجيل رقم قياسيّ يبلغ 15 مليون زائر في عام 2023."دهب" والأجسام الغريبة عادةً ما يكون أواخر الخريف والشتاء هو موسم الذروة للرحلات البحرية في الشرق الأوسط، لكنّ العديد من خطوط الرحلات البحرية الكبرى ألغت جميع مكالمات الموانئ في إسرائيل خلال العام المقبل وسحبت سفنها من المنطقة.تعتمد العديد من المنتجعات الساحلية المصرية على الزوار الوافدين من إسرائيل، الذين غابوا منذ أشهر بسبب الحرب في بلادهم. فيما باتت الفنادق الأخرى، التي تخدم في الغالب المصطافين الأوروبيّين، تعاني تراجعًا حادًّا في الحجوزات، بسبب قلق هؤلاء على سلامتهم في دولة شرق أوسط على الحدود مع ساحة المعركة.ومع انزلاق مصر إلى أزمة اقتصادية واستمرار انخفاض قيمة الجنيه المصري، فإنّ الركود في القطاع السياحيّ قد يتسبب في عواقب للاقتصاد المصري، الذي يعتمد على السياحة في 10% إلى 15% من الناتج المحلّي الإجماليّ للبلاد.وتعرف مدينة "دهب" المصرية التابعة لمحافظة جنوب سيناء كأحد أكثر وجهات السياحة البحرية تفضيلًا على خليج العقبة، وهي التي اكتسبت تسميتها تيمّنًا بلون رمالها الذهبي.لكن، اسم "دهب" ارتبط مؤخرًا بتكرر حادثة إسقاط "أجسام غريبة" بحسب توصيف الشهود، الذين أكدوا في مناسبتين مختلفتين قيام وسائط الدفاع الجوي للجيش المصريّ بالتصدّي لهذه الأجسام، التي يزعم البعض أنها قد تكون مسيّرات تمّ إطلاقها من قبل حركة "الحوثي" في اليمن.في السياق، يشرح المستثمر السوريّ في مصر طلال العطار في حديثه إلى منصّة "المشهد"، أنّ "التأثير الأكبر لحرب غزة على الحركة السياحية في مصر كان في الأيام الـ20 الأولى من الحرب، لكنّ القطاع بدأ التأقلم تدريجيًا مع الواقع الجديد، عدا مناطق جنوب سيناء". مبيّنًا أنّ "نسبة إلغاء الحجوزات في تلك المناطق وصلت إلى 80%، بالمقابل فإنّ الحركة في المناطق قليلة الاعتماد على السياح الإسرائيليّين لا تزال مقبولة في القاهرة وغيرها".ووفق العطار فإنّ "القطاع السياحيّ المصريّ نشط ولديه الخبرة الكافية ليتمكّن من تجاوز آثار هذه الحرب التي امتدت إلى صناعة السياحة العالمية". وعلى الرغم من تأكيد المسؤولين المحلّيين على عدم تأثّر الحركة السياحية من الحوادث المذكورة بشكل مباشر، إلا أنّ الشكوك تتزايد في أن يؤدي ارتباط اسم المدينة السياحية في الأخبار بحوادث أمنية، إلى إلغاء المزيد من السياح لخطط قضاء عطلاتهم على سواحل المدينة الوادعة.تحذيرات من السفر إلى لبنان على الرغم من اقتصار الحوادث الأمنية على جنوب لبنان، وتحديدًا في المناطق الحدودية مع إسرائيل، إلا أنّ الحركة السياحية في لبنان يبدو أكثر المتضررين من حرب غزّة حتى الآن.فمنذ أوائل أكتوبر، انخفضت مشتريات التذاكر لمصر بنسبة 26%، والأردن بنسبة 49%، فيما بلغت هذه النسبة بالنسبة للبنان 74% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.باستثناء إسرائيل وغزة والضفة الغربية، فقد صدرت القليل من تحذيرات السفر الرسمية عن الحكومات إلى مناطق أخرى، لكنّ الحكومة الأميركية نصحت مواطنيها بعدم التوجه إلى لبنان، مشيرة إلى جماعة "حزب الله"، التي تتبادل إطلاق النار مع إسرائيل على الحدود الجنوبية للبنان منذ 7 أكتوبر، وقد تبعت واشنطن بعض الدول الغربية أيضًا.وبعد صيف ناجح سياحيًا، انخفضت أعداد الزوار اللبنانيّين، فيما أفادت وسائل الإعلام المحلية أنّ معدلات إشغال الفنادق باتت تتراوح بين 0 و7%، كما تحدّث مواطنون عن خلوّ المواقع السياحية مثل مغارة جعيتا ومعابد بعلبك المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، من الزوّار بشكل كبير.وتوفّر السياحة ما يصل إلى 40% من الدخل القوميّ للبنان، في ظل انخفاض حادّ خلال الأزمة المالية الحالية.لكنّ بيانًا صدر عن مركز الأمم المتحدة للإعلام لمناسبة إطلاق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، قبل أسبوعين، بعنوان "حرب غزة: نتائج أولية حول الأثر الاجتماعيّ والاقتصاديّ والبيئيّ على لبنان"، ذكر أنّ السياحة والخدمات والزراعة في لبنان تضرّرت أكثر من غيرها، وهي التي توفر فرص العمل والدخل لنسبة كبيرة من سكّان البلاد، وسط احتمال مرتفع لانكماش الاقتصاد اللبناني.الأردن يعوّل على خريف العام القادم بعد التعافي من الآثار اللاحقة لوباء كورونا، كان أصحاب الفنادق في الأردن يتوقعون معدل إشغال يصل إلى 95% تقريباً خلال الربع الأخير من هذا العام، في بلد تدر السياحة بانتظام ما بين 11% و15% من دخله القومي.وكشف وزير السياحة والآثار الأردنيّ مكرم القيسي الثلاثاء عن خسائر بملايين الدولارات للقطاع السياحيّ الأردنيّ إثر حرب غزّة، محذّرًا من ازدياد الخسائر في حال استمرت الحرب.وقال القيسي خلال مؤتمر صحفي، إنّ استمرار الحرب في قطاع غزة سيكبّد القطاع السياحيّ في المملكة، خسائر تتراوح ما بين 250 إلى 281 مليون دولار شهريًا، مع إلغاء حجوزات بنحو 60 إلى 70%. موضّحًا أنّ الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأوروبا تتصدر الدول التي قام مواطنوها بإلغاء زياراتها إلى الأردن، ضمن البرامج المشتركة مع الأراضي المحتلة حيث بلغت نسبة الإلغاءات في هذه الدول 100%.ويرى المستثمر الأردنيّ في قطاع السياحة المهندس عوني قعوار في حديثه إلى منصّة "المشهد"، أنّ "الإعلام الأوروبيّ هو العامل الأكثر تأثيرًا في تراجع عدد السياح الوافدين إلى الأردن، مضيفًا "خسرنا الموسم الخريفيّ للسياحة، واذا استمرت الحرب في غزة فإننا سنخسر موسم الربيع".وتُعرف السياحة في الأردن بموسمين رئيسيّين بالنسبة للوافدين، الربيعي في أشهر مارس وأبريل ومايو، والخريفيّ في سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر.ووفق قعوار فإنّ "البرامج السياحية المشتركة مع فلسطين وإسرائيل نسبة الإشغال فيها باتت صفر، أي أنها التغت كلّيًا، بينما البرامج الخاصة بالأردن فقط تشهد إقبالًا خفيفًا جدًا في موسم رأس السنة".وكخطّة طوارئ لإنقاذ ما يمكن من القطّاع السياحي، يكشف قعوار أنّ "التركيز حاليًا هو على الدول المتعاطفة مع قضايانا في إيرلندا وإسبانيا وإيطاليا وأميركا الجنوبية، ولكن اذا استمرت الحرب سيتغيّر مفهوم السياحة في الأردن وسط حالة من قبول الأمر الواقع".وبحسب المستثمر في العديد من المشاريع السياحية، فإنه "في حال توقّف الحرب، هناك جنسيات مثل الألمان يعودون بسرعة خلال أقل من 3 أشهر، فيما هناك جنسيات قد يستغرق إعادتها أكثر من 6 أشهر، والتعويل الآن بات على موسم 2024 الخريفي".ويأمل الأردن بأن تقترب السياحة من المستوى الطبيعيّ في سبتمبر 2024، في حال توقّفت حرب غزّة، للعودة إلى الأرقام السابقة، حيث وصل عدد زوار العام الحاليّ في المملكة قبل حرب غزة، إلى 5,937 مليون زائر، فيما بلغت الإيرادات 4,89 مليار دينار أي نحو 6,89 مليار دولار.(المشهد)