بصوت يملؤوه الحماس وكأنه سيكون إعلانا عن أكبر انتصار على ألد الأعداء، وقف الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، قبل يومين وسط حشود جماهيرية يشارك معها ما يسمى بـ"المسيرة الوطنية الكبرى ضد الإجراءات القسرية التي تفرضها أميركا على فنزويلا"، ليعُلن وفق ما نقلته وسائل إعلام محلية أنه سيدعم مبادرة البرازيل والأرجنتين لإصدار عملة مشتركة، معتبرا إياها خطوة نحو "استقلال ووحدة وتحرير أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي".ويأتي الدعم الفنزويلي السريع لهذه الخطوة بعد أيام من إعلان البرازيل والأرجنتين، أكبر اقتصادين في أميركا الجنوبية، عن بدء العمل التحضيري بشأن عملة مشتركة، إذ ستتم مناقشة هذه الخطة في قمة زعماء دول أميركا اللاتينية والكاريبي في "بوينس آيرس" التي ستعقد هذا الأسبوع.وتقترح البرازيل التي ستدعو إلى جانب الأرجنتين دول أميركا اللاتينية الأخرى للانضمام، إطلاق اسم "سور" أو "الجنوب" على العملة التي تهدف إلى تعزيز التجارة الإقليمية بين دول الجنوب الأميركي وتُقلل الاعتماد على الدولار الأميركي، حسبما قال وزير الاقتصاد الأرجنتيني سيرجيو ماسا لصحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، والذي أكد أنه: "سيتم إصدار العملة بالتوازي مع الريال البرازيلي والبيزو الأرجنتيني". وتابع المسؤول الأرجنتيني بالقول: "سيكون هناك قرار لبدء دراسة المعايير اللازمة للعملة المشتركة، والتي تشمل كل شيء من القضايا المالية إلى حجم الاقتصاد ودور البنوك المركزية، كما ستكون هناك دراسة لآليات التكامل التجاري"، واصفا إنها "خطوة أولى على طريق طويل يتعين على أميركا اللاتينية قطعه". وفي حال نجاح دول اللاتين في الاتفاق على إصدار عملة، سيشكلون بذلك ثاني أكبر تكتل لعملة موحدة في العالم، بعد منطقة اليورو. مجردة فكرة المحلل الاقتصادي اللبناني باسل الخطيب، قلل من تأثير هذه الخطوة على الدولار الأميركي في المستقبل، واصفا إياها بـ"مجرد فكرة وحبر على ورق" على حد تعبيره، ليقول في حديثه مع منصة "المشهد": "مازالت فكرة مطروحة (..) وحتى إن تم تنفيذها فقد تحتاج إلى سنوات عديدة، والمزيد أيضا من السنوات لتحقيق النجاح باعتبارها عملة مشتركة وهنالك الكثير من الدول التي تتناقش عن عملات مشتركة". واتفق المحلل الاقتصادي الإماراتي نايل الجوابرة، مع الخطيب حول أن العملة اللاتينية الموحدة لا تزال فكرة، ليضيف: "الدولار الأميركي يستمد قوته من حجم اقتصاد الولايات المتحدة ومساهمتها في التجارة العالمية، هذه الخطوة هي محاولة لتخفيف الضغط الناتج عن ارتفاع الدولار الأميركي وتأثيره على التضخم في دول مثل البرازيل والأرجنتين". ووفق تقديرات صندوق النقد الدولي لعام 2022، تُشكل دول أميركا اللاتينية مجتمعة ما نسبته 3.7% من حجم الناتج المحلي العالمي وبقيمة 3.77 تريليونات دولار، وهي تأتي في المرتبة الـ 10 في ترتيب المناطق الجغرافية من حيث حجم الناتج المحلي، فيما تتصدر البرازيل دول القارة بنحو 1.89 تريليون دولار ناتج محلي إجمالي، تليها الأرجنتين بنحو 630.7 مليار دولار. في المقابل، بلغ إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة نحو 25 تريليونا دولار في نهاية 2022، وهي الدولة الأكبر اقتصاديا في العالم، تليها الصين بإجمالي ناتج محلي يبلغ نحو 18.32 تريليونا دولار، فيما بلغ حجم اقتصاد دول منطقة اليورو المتألفة من 19 دولة، نحو 23.51 تريليون دولار. الدولار القوي وبلغ الدولار خلال 2022، أعلى مستوى له منذ عام 2000، حيث ذكر صندوق النقد في تقرير نشر أكتوبر الماضي، أن هذه الزيادة الحادة في قوة الدولار سيكون لها انعكاسات اقتصادية كلية كبيرة بالنسبة لكل البلدان، "نظرا لهيمنة الدولار في مجالي التجارة الدولية والتمويل". "التصريحات حول عملات مشتركة وموحدة تزايدت خلال السنوات الماضية، وهي أفكار مازالت تطمح إليها على سبيل المثال دول إفريقيا أو تحالف "بريكس" بقيادة الصين وروسيا. إلا أنه لا يوجد أي خطوات على أرض الواقع"، حسبما يذكر المحلل الاقتصادي اللبناني الذي أضاف:أكثر من نصف احتياطيات دول العالم مقومة بالدولار الأميركي. أعتقد أن هذه الخطوة لن تخرج عن مشاورات ثنائية بين البلدين. الدولار هو عملة العالم.ويعتبر الدولار أهم عملة في النظام النقدي العالمي، فبحسب صندوق النقد الدولي، تستحوذ العملة الأميركية على 59.8% من احتياطي العملات الأجنبية لبلدان العالم حتى نهاية سبتمبر 2022، ويأتي من بعده اليورو بنسبة 19.66%، ثم الين الياباني بنسبة 5.26%. كما يستخدم الدولار الأميركي في العديد من البلدان كعملة رسمية، منها الإكوادور وزمبابوي والسلفادور وتيمور الشرقية وولايات ميكرونيسيا المتحدة وجزر المارشال وبالاو. عملة "بريكس"ويتساءل الخطيب في حديثه عن مدى جدوى الخطوة البرازيل، خصوصا أنها أحد أعضاء تحالف "بريكس" بجانب الصين والهند وروسيا وجنوب إفريقيا، والذي زَعَمَ قبل فترة أنهم قد يتخذون خطوات لإصدار عملة مشتركة؟ ليقول: "بالاختصار، البرازيل هي عضو بريكس وهو تحالف يعمل على عملة موحدة، فكيف تتجه في ذات الوقت لإجراء مشاورات مع الأرجنتين لإصدار عملة موحدة لاتينية؟". هذا، وقال وزير الخارجية الروسي في تصريحات له الأسبوع الجاري، نقلتها وكالة "سبوتنيك" الروسية، إنه "لا يمكن الاعتماد على الآلية المالية للغرب. ودول بريكس لديها أفكار حول إصدار عملة موحدة". واستبعد المحلل الاقتصادي اللبناني أيضا أن تتجه دول بريكس لإصدار عملة على المدى المتوسط أو القريب، ليقول: "بريكس تعتبر قوة مهمة اقتصاديا ولها تأثير على التجارة الدولية، لكن لا يوجد اتفاق واضح فيما بينهم بخصوص عملة مشتركة". و"بريكس" هو مصطلح صاغه الخبراء الاقتصاديون في "غولدن مان ساكس" عام 2001، لدول البرازيل والصين والهند وروسيا، وانضمت إليهم جنوب إفريقيا في عام 2010، إذ يتوقع الخبراء هيمنة الاقتصادات الـ 5 على الاقتصاد العالمي بحلول 2050. حرب عملات بدوره، اعتبر المحلل الاقتصادي الإماراتي أن نجاح دول أميركا الجنوبية في توحيد العملة سيكون البداية نحو المزيد من العملات الموحدة في عدة تحالفات، ما قد يؤثر ذلك حال إتمامه على الدولار الأميركي، مشيرا إلى أن ذلك يفتح الباب لحرب عملات. ويؤكد الجوابرة أن ما يسمى بحرب العملات لها تواجدا منذ 2018، بين الولايات المتحدة والصين، ولا يستبعد أن ترتفع حدة هذه الحرب مع دخول عملات جديدة على الوجهة خلال الفترة المقبلة، لكنه عاد ليقول: "الدولار الأميركي هو الأقوى والأقل تذبذبا خلال السنوات الماضية.. ما يقلق البلدان حقا قوة العملة الأميركية التي أثرت بوضوح على معدلات التضخم العالمية". وقبل أكثر من 4 أعوام انتقدت الإدارة الأميركية تحت رئاسة دونالد ترامب تحركات صينية بخفض اليوان إلى أدنى قيمة له منذ عام 2008، بعد صراع تجاري واسع بين البلدين تضمن فرض رسوم متبادلة على السلع المستوردة من كلا البلدين، متهمة إياها بالتلاعب في العملة. ويدرج صندوق النقد الدولي، 5 عملات ضمن سلة العملات الرئيسية في العالم باعتبارها عملات قابلة للاستخدام الحر، وهي الدولار الأميركي والين الياباني واليوان الصيني واليورو، والجنيه الإسترليني، حيث يمكن لأي بلد استخدام هذه العملات في التبادل التجاري أو المدفوعات عابرة للحدود. ويستند إدراج العملات ضمن سلة صندوق النقد على معيارين، الأول هو حجم الصادرات إذ يجب أن تكون العملة لأحد أكبر البلدان المصدِّرة في العالم، والثاني هو أن يوافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد على اعتبارها عملة قابلة للاستخدام الحر أي واسعة الاستخدام في أداء مدفوعات المعاملات الدولية وواسعة التداول في البورصات الرئيسية.(المشهد)