كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير لها عن تحديات متلاحقة تواجه الاقتصاد الإسرائيلي في ظل استمرار حرب غزة، إذ بات يشكو رؤساء الشركات وعلى رأسهم العاملة في قطاع التطوير العقاري من نقص العمالة بسبب استدعاء الجيش لقوات الاحتياط ومنع العمال الفلسطينيين من دخول البلاد. ويقول نير يانوشيفسكي الذي يرأس شركة عقارية شمال تل أبيب، والتي كان يعمل بها قبل الحرب حوالي 1000 موظف، إن قرار الحكومة بتعليق تصاريح العمل الفلسطينية بعد هجمات 7 أكتوبر قلب العمل رأسا على عقب، مضيفا: "تستيقظ في صباح أحد الأيام وتجد أن ثلث العاملين لديك قد رحلوا".تحول كبير بسبب تقليص حجم العمالةووفق "وول ستريت جورنال"، فإن الحرب التي تخوضها إسرائيل في قطاع غزة أحدثت تحولا كبيرا في اقتصادها واقتصاد الضفة الغربية أيضا، حيث أدى قرار منع أكثر من 100 ألف عامل فلسطيني من دخول إسرائيل إلى تقليص حجم العمالة منخفضة التكلفة في بلد يبلغ عدد سكانه حوالي 9 ملايين نسمة والمعروف بأجوره المرتفعة نسبيا وقوانين الهجرة الصارمة التي تجعل من الصعب على غير اليهود العيش فيه. وفي الوقت نفسه، استدعى الجيش الإسرائيلي ما يقرب من 400 ألف جندي احتياطي، ويقدر المسؤولون أنه تم نقل 250 ألف إسرائيلي، مؤقتا على الأقل، من منازلهم، خصوصا من المناطق التي يُنظر إليها على أنها عرضة للهجمات، مما يمنع الكثيرين من الذهاب إلى عملهم. وتشير وزارة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية إلى أن حوالي 20% من الموظفين الإسرائيليين لا يعملون بسبب الخدمة العسكرية أو الانتقال إلى مكان آخر، كما قدرت التكلفة التي يتكبدها الاقتصاد بسبب غياب العمال الإسرائيليين إلى حوالي 13 مليار شيكل (3.6 مليارات دولار) بحلول منتصف نوفمبر الماضي. وفي قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي، وهو القوة الدافعة للاقتصاد، تم استدعاء ما بين 10% و15% من القوى العاملة للخدمة الاحتياطية في الجيش، وفقا لتقدير هيئة الابتكار الإسرائيلية. ويقول محلل شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة "تشاتام هاوس" للأبحاث يوسي ميكيلبيرغ: "الشركات في إسرائيل لا تعمل بسلاسة، والناس لا ينفقون الكثير من المال. هناك تأثير متراكم لما يحدث". وتوقع الاتحاد الإسرائيلي لمنظمات الأعمال الصغيرة والمركز الكلي للاقتصاد السياسي ومقره تل أبيب أن تساهم الحرب بشكل مباشر في إغلاق حوالي 30 ألف شركة صغيرة ومتوسطة الحجم في مختلف القطاعات.آفاق قاتمة للاقتصاد الإسرائيليونتيجة لذلك، أصبحت آفاق الاقتصاد الإسرائيلي قاتمة، إذ خفض بنك إسرائيل الشهر الماضي توقعاته للنمو، مقدرا أن ينمو الاقتصاد بنسبة 2% سنويا، بانخفاض عن التوقعات السابقة البالغة 3% سنويا، في عامي 2023 و2024. كما توقع أن يبلغ إجمالي النفقات الحكومية بسبب الحرب حوالي 43.2 مليار دولار حتى نهاية عام 2025.وبحسب "وول ستريت جورنال"، فإن تعليق تصاريح العمل، والقيود المفروضة على حرية التنقل للفلسطينيين وقيود الاستيراد، كلها أمور أضرت باقتصاد الضفة الغربية أيضا. وتشير تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن الحرب أدت إلى انخفاض الإنتاج بنسبة 37%، أي ما يعادل حوالي 500 مليون دولار شهريا في المنطقة، وذلك بعدما تم إغلاق أكثر من ربع الشركات في الضفة الغربية جزئيا أو كليا في نوفمبر بسبب الحرب، وفقا لوزارة الاقتصاد الوطني الفلسطينية. وقال عبد الله الدردري، مدير الدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إن تعليق تصاريح العمل الفلسطينية ساهم في الأزمة الاقتصادية في الضفة الغربية.وتشير التقديرات الأولية إلى أن حوالي ربع العمالة الفلسطينية في الضفة الغربية قد فقدت وظائفها، أي ما يعادل حوالي 208,000 وظيفة، بما في ذلك 56,000 بسبب انخفاض النشاط الاقتصادي الإقليمي، وفقا لتقرير صدر قبل شهر عن منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة. وقبل الحرب، كان حوالي 130,000 فلسطيني من الضفة الغربية قد حصلوا على تصاريح للعمل في إسرائيل، بما في ذلك مستوطنات الضفة الغربية، إلى جانب دخول حوالي 40,000 آخرين إلى إسرائيل دون تصريح للعمل في الربع الثالث من هذا العام، وفقا لمكتب الإحصاء. وقالت الحكومة الإسرائيلية الأسبوع الماضي إنها ستواصل منع العمال الفلسطينيين من دخول إسرائيل، بسبب مخاوف أمنية. وذكر وزير المالية الإسرائيلي، وهو رئيس حزب قومي متطرف، بتسلئيل سموتريتش: "هناك حرب، والحرب لها عواقب. وسوف نبذل جهودا متضافرة مع جميع المكاتب الحكومية لإيجاد حل".قطاع البناء الأكثر تأثراوأثر تعليق تصاريح العمل للفلسطينيين بشكل خاص على صناعة البناء في إسرائيل، التي توظف أكثر من 60% من الفلسطينيين العاملين في البلاد، وكذلك على قطاع الزراعة، حسبما جاء في التقرير. وقالت وزارة البناء والإسكان الإسرائيلية الشهر الماضي إن إسرائيل وقعت اتفاقية ثنائية مع الهند من أجل جلب عمال، وقالت إنها تسعى إلى تعزيز اتفاقيات مماثلة مع دول أخرى في إطار سعيها لاستبدال العمال الفلسطينيين. ووافقت الحكومة الإسرائيلية على اقتراح لجلب 10 آلاف عامل أجنبي للعمل في قطاع البناء قبل نهاية العام، وتتخذ خطوات لزيادة حصة عمال البناء الأجانب بمقدار 23 ألف عامل. وقالت إنها تسعى أيضًا إلى تمديد تأشيرات العمال الأجانب الموجودين بالفعل في إسرائيل وتقصير الإجراءات البيروقراطية. وكانت حصة عمال البناء الأجانب غير الفلسطينيين قبل الحرب 30 ألفا سنويا. وتسمح إسرائيل لليهود من جميع أنحاء العالم بالهجرة والحصول على الجنسية، فيما تقيد الهجرة لغير اليهود، حيث إن العديد من العمال المهاجرين، حتى لو كانوا يعيشون بشكل قانوني في إسرائيل لسنوات، لا يتمتعون بالحق في الحصول على وضع قانوني دائم ويخاطرون بفقدان تصاريح عملهم إذا كان لديهم أطفال، وفقا لجماعات حقوق الإنسان. وأيضا، لا يحصل الفلسطينيون من قطاع غزة والضفة الغربية وبعض سكان القدس بشكل عام على الجنسية الإسرائيلية أو الحقوق الكاملة. ووفق منظمة "يونيتاف"، وهي منظمة إسرائيلية تركز على حقوق الأطفال المهاجرين، "يمثل العمال المهاجرون مجموعة سكانية ضعيفة للغاية داخل المجتمع الإسرائيلي". وفي نهاية عام 2022، دخل 136 ألف مواطن أجنبي، معظمهم من جنوب وجنوب شرق آسيا، إلى إسرائيل بتأشيرات عمل، وفقا لمكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي. وقالت جمعية بناة إسرائيل إن قرار الحكومة بمنع العمال الفلسطينيين من دخول إسرائيل سيعيق عودة قطاع البناء إلى نشاطه الكامل لأشهر عدة. وأضافت الجمعية: "المعنى على أرض الواقع سيكون انهيار العديد من المقاولين وأصحاب الأعمال". ويقول رئيس شركة بناء نير يانوشيفسكي إنه حتى لو توقفت الحرب على الفور وعاد العمال الفلسطينيون، فسوف يستغرق الأمر 6 أشهر على الأقل للوصول إلى مستويات التنمية قبل الحرب، مشيرا إلى أن عدد العمال الأجانب الذين تحاول الحكومة استبدالهم بالفلسطينيين غير كاف. وأضاف: "الأمر أشبه بمحاولة إنقاذ سفينة تغرق عن طريق التخلص من الماء بملعقة".(ترجمات)