خلال أقل من شهر سقطت 3 بنوك أميركية في فخ الإفلاس، كان أكثرها حدة منذ الأزمة المالية العالمية قبل 15 عاما هو إغلاق بنك "سيليكون فالي" الجمعة الماضي، حيث تكافح الولايات المتحدة من خلال خطة إنقاذ تجنب تأثير انهيار المصرف المتخصص في تمويل الشركات التكنولوجية والناشئة على بقية النظام المصرفي. وبعد أقل من يومين على إغلاق "سيليكون فالي" نتيجة عدم قدرته على التعامل مع عمليات السحب الهائلة التي قام بها عملاؤه لأموالهم، وفشل محاولات لزيادة رأس المال سريعا، تحركت السلطات الأميركية مساء الأحد لإغلاق بنك "سيغنتشر" الذي يتخذ من نيويورك مقرا له، في خطوة لتفاد مع حدث "سيليكون فالي"، حيث تعرض "سيغنتشر" للضغوط خلال الأيام الماضية على خلفية إفلاس بنك "سيلفرغيت" للعملات المشفرة في مطلع مارس وإعلانه التصفية الطوعية. وفي بيان مشترك صادر عن وزارة الخزانة الأميركية والمؤسسة الفدرالية للتأمين على الودائع والبنك المركزي الأميركي، فإن المودعين في "سيليكون فالي" سيتمكنون من الوصول إلى كل أموالهم اعتبارا من يوم الاثنين 13 مارس، في إطار خطة الإنقاذ، إذ قالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين في مقابلة مع شبكة "سي بي إس" الأميركية: "نريد أن نتأكد من أن مشكلات أحد البنوك لا تسبب عدوى لبنوك أخرى قوية". كذلك تدخل البيت الأبيض على خط الأزمة، بعد أن تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن محاسبة الأشخاص المسؤولين عن إفلاس سيليكون فالي و"سيغنِتشر بنك"، مطمئنا في الوقت نفسه الأميركيين بأن ودائعهم بأمان. وقال بايدن في كلمة له الاثنين، إن دافعي الضرائب لن يتحملوا الخسائر الناجمة عن فشل البنك، وإنه سيطلب من الكونغرس "تعزيز" القوانين الناظمة للبنوك. المزيد من الانهيارات وعلى الرغم من ذلك، لا يستعبد بعض الخبراء والمحللين أن تشهد السوق الأميركية انهيار المزيد من البنوك الصغيرة والمتوسطة خلال الأسابيع المقبلة على خلفية أزمة السيولة، إذ يقول المحلل الاقتصادي الإماراتي نايل الجوابرة في حديثه مع منصة "المشهد": "الفترة المقبلة ستشهد المزيد من حالات إفلاس البنوك الصغيرة والمتوسطة بالولايات المتحدة، خصوصا تلك التي لم تتحوط بشكل جيد فيما يتعلق بمخاطر السيولة، وكذلك البنوك المنكشفة على سيليكون فالي أو العملاء الذين لديهم تعاملات معه". ويتفق الخبير المصرفي المصري محمد عبدالعال مع ما قاله الجوابرة، قائلا في حديثه مع منصة "المشهد"، إن "إفلاس بنك في أميركا ليس بالأمر اليسير، لأن الأزمة يمكن أن تتطور بسرعة وتتعاظم تداعياتها الى كل القطاع المصرفي الأميركي تدريجيا، أو على الاقل تهتز أسهم البنوك الكبرى". وخلال الساعات القليلة الماضية، تراجعت أسهم البنوك في البورصات الأوروبية على خلفية الأزمة، حيث خسر مصرف "كريدي سويس" 9.9% مسجلا أدنى مستوياته التاريخية فيما خسر "كومرتس بنك" 12% و"بي إن بي باريبا" 5.29% و"سوسييتي جنرال" 5%. كما تراجعت أسهم بنك "HSBC" بنسية 3.58%، بعدما أعلن عن شراءه الفرع البريطاني لبنك "سيليكون فالي" مقابل جنيه إسترليني واحد، في إطار خطوات اتخذتها المملكة المتحدة لاحتواء تأثير الأزمة على الفرع، حيث ذكر وزير الخزانة البريطاني جيريمي هنت أن الحكومة وبنك إنجلترا سهلا بيع وحدة سيليكون فالي في بريطانيا في خطوة من شأنها حماية الودائع دون دعم من دافعي الضرائب. بدوره توقع المستثمر الأميركي ويليام بيل أكمان في تغريدة على "تويتر"، أن تنهار المزيد من البنوك الأميركية على الرغم من تدخل السلطات لتعزيز الثقة في النظام المصرفي بعد انهيار سيليكون فالي، قائلا: "مخاطر السيولة ناتجة عن عدم الاستقرار والتطورات السلبية في الأسواق المالية الوطنية أو العالمية والظروف الاقتصادية العامة، بما في ذلك نتيجة للأمور الجيوسياسية، والتي قد تؤثر على أعمالنا ووضعنا المالي ونتائج عملياتنا". وفي إطار خطة الإنقاذ وتفادي الأزمة على مستوى النظام المصرفي، تعهدت السلطات الأميركية الأحد منح أي بنوك تتعرض لضغوط نقدية، شروط أسهل على القروض قصيرة الأجل التي تحصل عليها من البنك الفدرالي الأميركي. تأثر البنوك العربيةاتفق المحللون والخبراء الذين تحدثوا مع منصة "المشهد"، على أنه ليس هناك تأثيرات لأزمة البنوك الأميركية الراهنة على البنوك العربية أو بنوك منطقة الشرق الأوسط، حيث أكد الجوابرة أن بنوك منطقة الشرق الأوسط وخصوصا بنوك المنطقة العربية، لن تتأثر نتيجة إفلاسات البنوك الأميركية، موضحا أن تعاملات بنوك المنطقة تتركز مع البنوك الكبرى، "وقد يكون هناك بعض البنوك لديها تعاملات محدودة مع بنك سيليكون فالي. الآن نراقب حجم هذه التعاملات، ومهما كانت فسيكون تأثيرها طفيفا". وتابع بالقول: "بنوك المنطقة تعتمد بشكل كبير على الودائع الحكومية وهي داعم كبير للبنوك المحلية (..) منذ في الأزمة المالية قبل نحو 15 عاما كان هناك دعم متواصل من قبل البنوك المركزية والحكومات للمصارف العربية". أيضا استبعد كبير المحللين الاقتصاديين ونائب رئيس قطاع البحوث في المجموعة المالية "هيرميس" بمصر محمد أبوباشا، أن يكون هناك تداعيات للأزمة الحالية على بنوك المنطقة، قائلا: "بنوك منطقة الشرق الأوسط لا تواجه حاليا أي مشاكل ولديها تحسن كبير في موقفها المالي خلال الفترة الماضية وفقا لميزانياتها". وخلال الأيام الماضية أصدرت بنوك مركزية بالمنطقة العربية بيانات صحفية تؤكد أنه ليس هناك تداعيات أو أن التأثيرات محدودة لأزمة سيليكون فالي، إذ قال البنك المركزي المصري في بيان له أمس الأحد: "لا تداعيات سلبية على القطاع المالي في مصر بعد إفلاس بنك سيليكون فالي"، موضحا أن ذلك يعود إلى أن المصارف المصرية لا تمتلك أي ودائع أو توظيفات أو معاملات مالية لدى المصرف الأميركي. فيما ذكر البنك المركزي الكويتي أن تأثير انهيار بنك سيليكون فالي الأمريكي على البنوك المحلية "ضئيل للغاية"، مؤكدا استقرار ومتانة أوضاع وحدات الجهاز المصرفي في الكويت نظرا لامتلاكها مصدات مالية كبيرة. أزمة مالية عالمية أصبح بنك سيليكون فالي، أكبر مصرف يتعرض للانهيار منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، متسببا في اضطراب الأسواق الأميركية والأوروبية وبعض الآسيوية. وأمس الأحد أشار صندوق النقد الدولي إلى أنه يراقب الآثار المحتملة على الاستقرار المالي من انهيار بنك سيليكون فالي، معبرا عن ثقته في أن واشنطن تتخذ الإجراءات التنظيمية الملاءمة. وقال متحدث باسم صندوق النقد الدولي في بيان: "نراقب عن كثب التطورات والآثار المحتملة على الاستقرار المالي، ولدينا ثقة كاملة في أن صناع السياسة في الولايات المتحدة يتخذون الخطوات المناسبة لمعالجة الوضع". وانقسم الخبراء والمحللون في حديثهم حول ما إذا كان هناك تداعيات أكثر حدة للأزمة الراهنة يتنقل من خلالها الاقتصاد العالمي الذي يعاني بالفعل إلى أزمة مالية عالمية جديدة. وقال عبدالعال "إن الأزمة يمكن أن تنتقل خارج الحدود لتسبب قلقا شديدا في الأوساط المالية والبورصات العالمية لتتحول إلى أزمة مالية عالمية (..) الأيام القليلة القادمة سوف نتابع تأثيرات ما يحدث وكيف سوف تتم معالجته والتخفيف من تداعياته". بينما استبعد المحلل الاقتصاد الإماراتي أن تكون هناك أزمة عالمية كما حدث في عام 2008، ليقول الجوابرة: "هذا بنك استثماري يُصنف على أنه بنك صغير. كان يمكن الحديث عن أزمة في حال كان هناك بنك كبير. هذا بالإضافة إلى القواعد التي يضعها البنك المركزي الأميركي لتأمين ودائع العملاء الأقل من 250 ألف دولار، فضلا عن خطة الإنقاذ التي أعلنها ليل أمس". "هناك ضغوط على الشركات بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي، الأوضاع في الوقت الراهن ضاغطة، لكن لا توجد خطورة واضحة"، بحسب ما قال كبير المحللين الاقتصاديين في "هيرميس" في حديثه مع منصة "المشهد"، والذي يضيف: "ما يحدث حاليا هو دورة اقتصادية طبيعية خصوصا مع ارتفاع أسعار الفائدة في الوقت الراهن. لا يوجد ما يشير إلى أزمة مالية عالمية". وكانت الأزمة المالية العالمية في عام 2008 هي أخطر صدمة تضرب الاقتصاد العالمي منذ أكثر من 70 عاما، إذ نجمت عن انهيار بنك "ليمان براذرز" في 15 سبتمبر 2008، على خلفية خسائر سوق الرهون العقارية بعدما منح تمويلات عالية المخاطر لم يستطع المقترضين سداد أقساطها، ما دفعه نحو الانهيار وانتقال الأزمة إلى مصارف عدة في مختلف أنحاء العالم.(المشهد)