شكلت حصيلة سنة 2023 في الجزائر عنوانا كبيرا للعديد من التحولات السياسية والاقتصادية التي شهدتها البلاد، فبعد أن ركّزت السلطات في البلاد خلال السنوات الماضية على استكمال البناء المؤسساتي وتجديد النظام السياسي وتعميق الإصلاحات الاقتصادية، واصلت هذه السنة العمل عل مجموعة واسعة من الملفات التي حملت الكثير من الإنجازات والتحديات."المشهد " رصدت في هذا التقرير أبرز الأحداث التي شهدتها الجزائر خلال هذه السنة، على المستوى السياسي والاقتصادي وكذلك الأمني.رهانات سياسية في هذا السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة باتنة ميلود قاسم أن هذه السنة ساهمت بشكل كبير في التركيز على مواصلة الإصلاحات السياسية على مختلف المستويات والأطر ومن جانب آخر الحفاظ على الطابع الاجتماعي، وهو ما شكل محور اهتمام التحركات الداخلية للسلطة من تكريس للسلم الاجتماعي، وتعزيز لم شمل الجزائريين، في إطار عمل الدولة على مواصلة السياسة الاجتماعية التي تتميز بها الجزائر منذ الاستقلال. وربط الدكتور قاسم في تصريح لـ"المشهد" هذه الحركية بمجموعة من النتائج المحققة من بينها:خلال هذه السنة تواصل العمل على استعادة الثقة في مؤسسات الدولة والذي يشكل الانشغال الرئيسي لعملية الإصلاح السياسي التي عملت عليه السلطة بشكل متدرج من المراجعة العميقة للدستور باعتباره الإطار المرجعي لترسيخ ركائز دولة القانون وتعزيز المؤسسات والممارسات الديمقراطية وخصوصا عبر تحديد العهدات الرئاسية والانتخابية.ولعل من بين أهم الرهانات السياسية هو سعي السلطات الجزائرية من أجل "تحسين القدرة الشرائية للمواطنين"، إذ أعلنت الحكومة عن زيادات مهمّة في الأجور، سيستفيد منها قرابة 2.8 ملايين عامل في الوظيفة العامة بدءاً من يناير 2024 وهي خطوة غير مسبوقة في تاريخ البلاد.لعلّ أيضا ما لفت الانتباه خلال العام، هو عودة الدبلوماسية الجزائرية من خلال الخيارات الإقليمية الجديدة التي انفتحت عليها البلاد، والتي تجسدت من خلال الزيارة الأولى من الرئيس تبون لروسيا وقبلها لتركيا وإيطاليا والبرتغال ثم الصين، بينما ينتظر هذه السنة زيارته التي كانت مبرمجة لباريس منتصف شهر يوليو.العمل على تسريع وتيرة التحول الرقمي، وهذا ما تم التأكيد عليه من طرف الرئيس تبون خلال خطاب للأمة الذي ألقاه أمام غرفتي البرلمان، ومع نهاية السداسي الأول من سنة 2024 ستشهد الجزائر الانتهاء من مشروع الرقمنة، وذلك للحصول على أرقام دقيقة وحقيقية لتحقيق التنمية على أسس علمية.العمل لأول مرة على صياغة مسودة قانون جديد للأحزاب السياسية، تتضمن حزمة تعديلات جديدة تخص أخلقة الحياة السياسية في البلاد.مواصلة الجهود لمكافحة الفساد بمختلف أشكاله ووضع حد لتبديد المال العام فضلا عن النتائج المحققة في سبيل استرجاع الأموال المنهوبة.إصلاحات اقتصاديةفي المجال الاقتصادي، سجلت الجزائر خلال هذه السنة مجموعة من المؤشرات الاقتصادية والمالية المهمة، التي تجسدت حسب مراقبين بفعل تدابير وإصلاحات هيكلية أخذتها السلطات العمومية مست قطاعات الاقتصاد والاستثمار بدرجة أولى، وأيضا قطاع البنوك الذي يشكل عصب المنظومة المالية. وعن الحصاد الاقتصادي، يقول الخبير الدكتور أحمد الحيدوسي في تصريح لـ"المشهد" إن هناك العديد من العوامل والتحديات التي شهدتها هذه السنة خصوصا في ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها البلاد من بينها:تأثر وتعزز الأداء الاقتصادي والمالي في الجزائر بالنصوص والقوانين التي كرست مجموعة من الإصلاحات، على رأسها القانون النقدي والمصرفي وقانون العقار الاقتصادي الذي جاء متابعة لملف قانون الاستثمار الجديد، مما سيسمح وبشكل ملموس، بتسريع الحركية الاستثمارية وبعث آلاف المشاريع محليا ووطنيا، بعد سنوات طويلة من الجمود بسبب عراقيل بيروقراطية مفتعلة.مؤشرات النمو المتسارعة، حيث تسير الجزائر لتسجل بداية من السنة المقبلة 4.2%، حسب التوقعات التي جاءت في تقرير عرض قانون المالية لـ2024. وتم إعطاء أهمية مركزية لقطاع البنوك لما له من دور أساسي في ضمان مرافقة أفضل للمتعاملين الاقتصاديين من منتجين ومصدرين. ميزانية هي الأضخم في تاريخ الجزائر وتابع الحيدوسي أنه لعل ما طبع هذا العام، تخصيص ميزانية هي الأضخم في تاريخ الجزائر بإجمالي نفقات قاربت 13.800 مليار د.ج ضمن إطار قانون المالية الذي كرس مواصلة الجهود الرامية للحفاظ على مستوى جيد من التحويلات الاجتماعية ودعم القدرة الشرائية للمواطنين من خلال مراجعة الشبكة الاستدلالية للأجور ورفع منحة البطالة، علاوة على تعزيز برنامج الاستثمار وتعزيزه لضمان النمو الشامل. الرهانات الاقتصادية لهذه السنة تجسدت أيضا من خلال جهود الانفتاح الموجهة للقطاع المصرفي خلال العام الجاري بافتتاح، ولأول مرة في تاريخ الجزائر، أولى الوكالات البنكية الوطنية خارج البلاد من خلال بنك الاتحاد الجزائري (AUB) بالعاصمة الموريتانية نواكشوط والبنك الجزائري السنغالي بداكار (ABS)، ضمن مسعى للمساهمة في دفع ومرافقة الاستثمارات الوطنية في القارة والتبادلات التجارية مع باقي دول القارة الإفريقية.أيضا التوجه الجزائري التدريجي الذي شهدناه خلال 2023 نحو طموح صناعة السيارات بعدما كانت تعتمد سابقا في عمومها، على عمليات التركيب الجزئي أو الكلي ما عدا بعض الصناعات التحويلية الخاصة، فيما كانت تعاني كذلك سابقا من ضعف نسبة الإدماج الوطني في العمليات الصناعية أو التركيبية، والسنة القادمة هي فرصة إلى تحقيق نجاعة تقنيات التسيير وإدارة الأعمال. من المتوقع أن ترتفع قدرات الاقتصاد الجزائري والوصول إلى 30 مليار دولار من الصادرات خارج المحروقات، فضلاً عن رفع إسهام القطاع الصناعي من 5 إلى 15% في الناتج الإجمالي.وأضاف الحيدوسي في حديثه لـ"المشهد": "اليوم ما زلنا نحتاج الكثير من التنظيم والرقمنة وتبسيط الإجراءات والاستغلال الأمثل لكل القدرات والامكانيات المتاحة على المستوى الوطني".وفي سؤال عن أثر الإصلاحات الاقتصادية، أكد الخبير الاقتصادي أنها من دون شك تشكل نفسا جديدا للقطاع المالي المقبل على تحولات عميقة، لا سيما مع الانطلاقة الجديدة التي ستعرفها بورصة الجزائر قريبا بإنشاء آليات جديدة تسمح بتسهيل عمليات تمويل المؤسسات والمشاريع وتبسيط شروط دخول البورصة، ومع اقتراب إطلاق الصكوك الإسلامية كأدوات تمويل إضافية وبديلة، وكذا إعادة بعث نمط التمويل من خلال القروض السندية.تحديات أمنية في ظل البيئة الأمنية المعقدة التي تحيط بالجزائر، خصوصا في الساحل الإفريقي وما يشهده من تقلبات، وبحكم أن البلاد حسب مراقبين ينظر إليها بمثابة المفتاح للاستقرار في المنطقة، فإن هذه الرؤية تتفق مع المقاربة الأمنية الجزائرية.ويقول الدكتور مبارك كاهي في حديث لـ"المشهد" إن ذلك يتم بالاعتماد على منظور سلمي في علاقاتها الخارجية، وعلى الحوار والتشاور وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى في مسعاها لمواجهة التحديات الأمنية ويعدد محدثنا في هذه النقاط مجموعة من الرهانات الأمنية والإستراتيجية التي عملت على تحقيقها الجزائر أبرزها:فوز الجزائر بمقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي للفترة الممتدة بين 2024- 2025، وذلك خلال تصويت في نيويورك، حصلت بموجبه الجزائر على 184 صوتاً من مجموع أصوات 192 دولة في الجمعية العام للأمم المتحدة.هذه السنة شكلت عنواناً كبيراً لعودة الجزائر الدولية لحلحلة أزمات وملفات عديدة من بينها ليبيا والنيجر ومالي ومنطقة الساحل وغيرها من بؤر التوتر، والتأكيد على مواقفها الثابتة اتجاه المقاربات السلمية في حلّ هذه الأزمات، فضلا عن نصرتها اللامحدودة للشعب الفلسطيني.عملت الجزائر بواسطة الرئيس تبون من أجل التوسط لمنع نشوب نزاع عسكري على مقربة من حدودها مع النيجر من خلال العمل على التوسط بين السلطات الجديدة في النيجر التي أطاحت بالرئيس المنتخب "بازوم" والمجموعة الاقتصادية لجنوب غرب إفريقيا والمعروفة بـ"الإيكواس".الدبلوماسية الجزائرية سعت للتأكيد على ضرورة الوحدة الترابية للدولة المالية قبل كل شيء، وبأهمية الحوار الوطني للخروج من الأزمة، وتم التوصل لتوقيع اتفاقية أرضية الجزائر عام 2015 من أجل المصالحة والسلم والوصول إلى إجماع مجتمعي يجمع كل الفرقاء الماليين وينهي الأزمة القائمة.انتخاب الجزائر أيضا لرئاسة لجنة تعزيز التعاون والمساعدة في اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد لسنة 2024، خلفا لتايلاندا، هو اعتراف أيضا بدورها وتجربتها في مكافحة الألغام المضادة للأفراد والتي تعود إلى الثورة التحريرية وكذا مساهمتها الفعالة في تحقيق الأهداف الإنسانية للاتفاقية.(المشهد)