يعتقد معظم الاقتصاديين أن السياسة النقدية لها تأثير قوي على اقتصاد الدولة، إذ يتم تفعيلها عندما يخفض البنك المركزي أسعار الفائدة ويجعل الائتمان متاحاً بشكل أكبر. نتيجة لذلك، يزداد الاستثمار التجاري وأنواع الإنفاق الأخرى، مما يؤدي إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي والعمالة.ولكن ماذا لو كانت أسعار الفائدة التي تدفعها البنوك قريبة من الصفر بالفعل؟ فكيف يمكن استخدام السياسة النقدية لتحفيز الاقتصاد؟ وكيف يتم اتخاذ القرارات في هذا الشأن؟ وما هي أدوات السياسة النقدية التي من الممكن استخدامها في حال تعثرت خطة أسعار الفائدة؟تعريف السياسة النقديةالسياسة النقدية هي مجموعة من الأدوات التي يوفرها البنك المركزي للدولة لتعزيز النمو الاقتصادي المستدام من خلال التحكم في العرض الإجمالي للأموال المتاحة للبنوك والمستهلكين والشركات، وتنطوي على إدارة عرض النقود وسعر الفائدة وتستخدمها الدولة لتحقيق أهداف الاقتصاد الكلي مثل التضخم، والاستهلاك، والنمو، والسيولة.كما عرف بنجامين فريدمان الخبير الاقتصادي الأميركي، السياسة النقدية بأنها وسيلة تؤثر بها السلطات الحكومية في اقتصاد السوق بانتظام على وتيرة واتجاه النشاط الاقتصادي العام.تنبع قدرة البنوك المركزية على تنفيذ السياسة النقدية من وضعها الاحتكاري كمورِّد لالتزاماتها الخاصة، والتي تحتاجها البنوك بدورها (إما كاحتياطيات مطلوبة قانوناً أو كأرصدة لتسوية المطالبات بين البنوك) من أجل إنشاء الأموال والائتمان المستخدم من قبل الجمهور في المعاملات الاقتصادية اليومية.من يدير السياسة النقدية؟البنك المركزي للدولةأنواع السياسة النقديةهناك نوعان رئيسيان من السياسة النقدية:1- السياسة النقدية الانكماشيةيستخدم هذا النوع من السياسة النقدية لتقليل كمية الأموال المتداولة في الاقتصاد، عادةً عن طريق بيع السندات الحكومية، ورفع أسعار الفائدة، وزيادة متطلبات الاحتياطي للبنوك. وتلجأ الحكومة إلى هذه الطريقة عندما تريد تجنب التضخم.وأبرز مثال على ذلك، كان في أوائل الثمانينيات من القرن العشرين، مع احتجاب التضخم في خانة مزدوجة الأرقام (أي زيادة معدلات التضخم بنسبة بين 10 إلى 99%)، حينها وصلت إلى 20% وكان الأعلى وقتها. ورغم ارتفاع المعدلات التي تسببت في الركود، إلا أن السياسة الانكماشية نجحت في إعادة التضخم لما يُعرف بـ "النطاق المرغوب" من 3 إلى 4% في السنوات التالية.2- السياسة النقدية التوسعيةيمكن لهذا النوع من السياسة النقدية أن يزيد المعروض النقدي للاقتصاد من خلال خفض أسعار الفائدة، وخفض متطلبات الاحتياطي للبنوك، وشراء البنوك المركزية للأوراق المالية الحكومية.تساعد هذه السياسة على خفض معدلات البطالة وتحفيز الأنشطة التجارية وإنفاق المستهلكين. الهدف العام لهذه السياسة هو دعم النمو الاقتصادي، ولكن يمكن أن يكون لها أيضاً تأثير سلبي، مما يؤدي أحياناً إلى تضخم مفرط.أهداف السياسة النقديةتتمثل أهداف السياسة النقدية في تعزيز الحد الأقصى من فرص العمل، للحد من البطالة واستقرار الأسعار، ومعدلات الفائدة طويلة الأجل المعتدلة. فمن خلال تنفيذ سياسة نقدية فعالة، يمكن للبنك المركزي لأي دولة الحفاظ على أسعار مستقرة، وبالتالي دعم الظروف للنمو الاقتصادي طويل الأجل وتوفير الحد الأقصى من فرص العمل. ومن أبرز العوامل التي تتأثر بالسياسة النقدية:إدارة التضخميمكن للسياسات النقدية أن تستهدف مستويات التضخم، إذ لا بك من معرفة أمرا مهما وهو أن تراجع مستوى التضخم ينفع الاقتصاد العام، في حال كان التضخم مرتفعا يمكن للانكماش إيجاد الحل السريع لهذه المشكلة.الحد من البطالةيرتبط مستوى البطاقة في بلد ما بالسياسات العامة النقدية إي يمكن التأثير على بعضها البعض. فمثلا تساهم السياسية النقدية التوسعية في مواجهة البطالة أو التخفيف منها بشكل عام وهذا يعود لقاعدة بسيطة وهي أنه عندما يرتفع المعروض النقدي تزداد الأنشطة التجارية ما يساهم في زيادة الفرص والحظوظ داخل سوق العمل.موازنة أسعار صرف العملاتعبر الصلاحية والسلطات المالية التي يتمتع بها، يستطيع المصرف المركزي تنظيم وضبط سعر الصرف المرتبطة بالعملات الأجنبية والوطنية.لمزيد من التوضيح، ممكن أن يقرر البنك المركزي أو السلطات المصرفية المركزية زياة المعروض النقدي من خلال إصدار عملات إضافية السوق، وهنا تصبح العملة الوطنية للدول أقل قيمة من الأجنبية.أدوات السياسة النقديةمعظم البنوك المركزية تستخدم أدوات مختلفة لتنفيذ السياسات النقدية، لكن أدوات السياسة المستخدمة على نطاق واسع حول العالم تشمل ما يلي:1- تعديل سعر الفائدةيمكن للبنك المركزي التأثير على أسعار الفائدة عن طريق تغيير معدل الخصم، أي (السعر الأساسي) وهو معدل الفائدة الذي يفرضه البنك المركزي على البنوك للقروض قصيرة الأجل.على سبيل المثال، إذا عمد المصرف المركزي إلى فرض زيادة على معدل الخصم، فدون أدنى شك سترتفع تكلفة الاقتراض من البنك.أما بعد، ستضطر المصارف إلى رفع أسعار الفوائد على العملاء، الأمر الذي يساهم حتما في ازدياد التكلفة العاملة للاقتراض في الاقتصاد، وبعدها يتراجع المعروض النقدي.2- تغيير متطلبات الاحتياطيعادة ما تضع البنوك المركزية الحد الأدنى من الاحتياطيات التي يجب أن يحتفظ بها البنك التجاري. من خلال تغيير المبلغ المطلوب، يمكن للبنك المركزي التأثير على المعروض النقدي في الاقتصاد. إذا قامت السلطات النقدية بزيادة مبلغ الاحتياطي المطلوب، فإن البنوك التجارية تجد أموالاً أقل متاحة لإقراض عملائها، وبالتالي، ينخفض عرض النقود.لا يمكن للمصارف التجارية استخدام الاحتياطيات لتقديم قروض أو تمويل استثمارات في أعمال تجارية جديدة. وبما أن ذلك يشكل فرصة ضائعة بالنسبة للبنوك التجارية، فإن البنوك المركزية تدفع لهم فوائد على الاحتياطيات. تُعرف الفائدة باسم IOR أو IORR (الفائدة على الاحتياطيات أو الفائدة على الاحتياطيات المطلوبة).3- عمليات السوق المفتوحةيمكن للبنك المركزي إما شراء أو بيع الأوراق المالية الصادرة عن الحكومة للتأثير على المعروض النقدي. على سبيل المثال، يمكن للبنوك المركزية شراء السندات الحكومية. نتيجة لذلك، ستحصل البنوك على المزيد من الأموال لزيادة الإقراض وعرض النقود في الاقتصاد.يمكن أن تستهدف عمليات السوق المفتوحة أيضاً زيادات محددة في المعروض النقدي لجعل البنوك تقرض الأموال بسهولة أكبر عن طريق شراء كمية محددة من الأصول. هذه هي العملية المعروفة باسم التيسير الكمي (Quantitative easing QE).متى تستخدم السياسة النقدية؟يلجأ البنك المركزي إلى السياسة النقدية عندما ترتفع مستويات التضخم نتيجة لعوامل اقتصادية وسياسية، ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة وعدم استقرار في أسعار الصرف، فيبدأ البنك المركزي بتنفيذ أهدافه المتمثلة كما ذكرنا بتعزيز الحد الأقصى من فرص العمل، واستقرار الأسعار وبالتالي دعم الظروف للنمو الاقتصادي طويل الأجل، وتوفير الحد الأقصى من فرص العمل.كيف تؤثر السياسة النقدية على نمو الاقتصاد؟تؤثر السياسة النقدية بطريقة غير مباشرة على الأعمال التجارية، وبشكل رئيسي من خلال أسعار الفائدة. فنظراً لأن البنك المركزي للدولة يغير في الاقتصاد العام، ستختار البنوك التجارية أسعار الفائدة على القروض وبطاقات الائتمان.على سبيل المثال، يُنظر إلى أسعار الفائدة المنخفضة على أنها تغييرات مؤاتية لأن الشركات لديها نفقات فائدة أقل وزيادة إنفاق المستهلكين. ويمكن أن تؤثر هذه التغييرات أيضاً على أسعار الأسهم، ما قد يؤثر على مستوى راحة المستهلك في الشراء.السياسة النقدية وأسعار الصرفوقد يؤدي تغيير أسعار الفائدة أيضاً إلى تغيير أسعار الصرف، ويمكن أن يؤثر على الشركات التي تستعين بموظفين في الخارج، أو تعمل مع شركات في بلدان أخرى.فعندما يكون السعر أعلى، يكون الدولار أقرب إلى مبلغ عملات البلدان الأخرى. وهذا يقلل من تكاليف الاستيراد والتصدير للشركات، ويمكن أن تؤدي أسعار الفائدة المنخفضة إلى خفض سعر الصرف وخلق تكاليف استيراد وتصدير أعلى.الاختلاف بين السياسة النقدية والسياسة الماليةالسياسة النقديةأداة مالية تقوم المصارف المركزية من خلالها بتنظيم تدفق الأموال ومعدلات الفائدة ومعدلات التضخم للحفاظ على اقتصاد الدولة الكلي.تدار من قبل البنك المركزي للدولة.تركز على استقرار الاقتصاد.تأثيرها على أسعار الصرف: تتحسن عندما تكون هناك أسعار فائدة أعلى.تستهدف التضخم.تؤثر على الاقتراض في الاقتصاد.السياسة الماليةأداة مالية تقوم الحكومات المركزية عادة باستخدامها في ما يتعلق بالإيرادات الضريبية وغيرها من السياسات الخاصة بالإنفاق لصالح اقتصاد الدولة.تدار من قبل وزارتي المالية أو الاقتصاد.تركز على نمو الاقتصاد.ليس لها انعكاس واضح على أسعار الصرف.ليس لها هدف محدد.تؤثر على ضعف الميزانية وعجزها. لجنة السياسة النقديةاللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية (IMFC) التابعة للصندوق الخاص بالنقد الدولي (IMF)تقوم اللجنة الدولية المختصة بالشؤون المالية والنقدية بتقديم النصائح والبيانات وكل الأبحاث والتقارير اللازمة إلى مجالس محافظي صندوق النقد الدولي الذي بدوره يشرف على النظام المالي الدولي ويديره، بما في ذلك تقارير الاستجابة للأحداث الجارية التي قد توقف وتعيق عمل النظام الاقتصادي والمالي العالمي مثل أزمة فيروس كورونا مثلاً.كما تنظر اللجنة في مقترحات المجلس التنفيذي لتعديل مواد الاتفاقية وتقدم المشورة بشأن أي مسائل أخرى. وعلى الرغم من أن هذه اللجنة الدولية لا تتمتع بسلطات رسمية في اتخاذ القرارات، فقد باتت عمليا أداة رئيسية لتوفير التوجيه الاستراتيجي لعمل الصندوق وسياساته.تجتمع اللجنة عادة مرتين كحد أدنى في السنة، في اجتماعات البنك والصندوق السنوية واجتماعات الربيع. لكل اجتماع، يعد المدير العام مشروع جدول الأعمال الذي يناقشه المجلس التنفيذي، ويوافق عليه رئيس اللجنة وتعتمده رسمياً اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية في الاجتماع.في نهاية الاجتماعات، تصدر اللجنة بياناً يوجز وجهات نظرها، وتوفر هذه البيانات الإرشادية التوجيه لبرنامج عمل النقد الدولي من خلال نصف العام الذي يسبق اجتماعات الربيع أو الاجتماعات السنوية المقبلة.الدول الأعضاءيعكس حجم وتشكيل اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية حجم وتشكيل المجلس التنفيذي. حيث تضم اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية 24 عضواً هم محافظو البنوك المركزية، أو الوزراء، أو غيرهم من أصحاب المراتب المماثلة، والذين يتم اختيارهم عادة من محافظي الدول الأعضاء في الصندوق البالغ عددها 190 دولة، مع انضمام أندورا إلى صندوق النقد الدولي في أكتوبر 2020.وتقوم كل مجموعة من الدول الأعضاء التي تنتخب مديراً تنفيذياً بتعيين عضو في اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية، ويترأس المجموعة حالياً نادية كالفينو، النائب الأول لرئيس إسبانيا ووزيرة الشؤون الاقتصادية والتحول الرقمي، والتي تم اختيارها لرئاسة اللجنة لمدة عامين اعتباراً من 3 يناير 2022.تعمل اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية بالإجماع، بما في ذلك اختيار رئيسها. على الرغم من عدم وجود قواعد رسمية بشأن حدود العضوية، إلا أنه تم تعيين رؤساء اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية منذ عام 2007 لمدة ثلاث سنوات. ويشارك عدد من المؤسسات الدولية، بما في ذلك البنك الدولي، كمراقبين في اجتماعات اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية.والدول الأعضاء الحاليين هم: الجزائر، والبرازيل، وكندا، وتشيلي، والصين، وساحل العاج، والدنمارك، وفرنسا، وألمانيا، وهنغاريا، والهند، وإندونيسيا، وإيطاليا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وهولندا، ونيجيريا، وروسيا، والمملكة العربية السعودية، وإسبانيا، وسويسرا، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة المتحدة، الولايات المتحدة.متى تتغير السياسة النقدية؟اللجنة الاتحادية للسوق المفتوحة التابعة للاحتياطي الاتحادي تجتمع 8 مرات في العام، وبعد أيام من المناقشات بنهاية الاجتماعات، تُعلن إذا ما كان هناك أي تغيير في سياسات نقدية لأي دولة، وإذا كان كذلك فيتم الإعلان عن التغييرات كافة.في حين أن الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة، يُستخدم في حالة الطوارئ إن كان ذلك ضروريا، وحدث ذلك في أكثر من أزمة، أبرزها الأزمة الاقتصادية الكبيرة في 2007-2008 وخلال الإغلاق الذي أعقب تفشي وباء كوفيد 19.كيف يتم تحديد الأسعار؟تحديد الأسعار أو ما يُعرف بـ "التثبيت الاسمي" أو Nominal Anchor، هو المتغير الذي يستخدمه صناع السياسات، في تقييد مستوى الأسعار، وأحد هذه الأنواع في الماضي، كان الذي تستخدمه معظم البنوك المركزية في ربط قيمة عملة محلية بقيمة عملة دولة أخرى منخفضة معدل التضخم.لماذا يلجأ صناع السياسات لربط سعر العملة بعملة أخرى؟الحافز الرئيسي في عملية ربط سعر العملة، هو تشجيع التبادل والتجارة بين الدول، من خلال تقليل ما يُعرف بـ "مخاطر العملة" أو Foreign Exchange Risk، ويشير هذا المصطلح إلى العمليات الدولية المالية، ومخاوف تقلبات أسعار العملات، ويصف إمكانية انخفاض قيمة الاستثمار بسبب التغييرات في القيمة النسبية للعملات المعنية، وغيرها من المخاطر القانونية أحيانا.كما أن هوامش الربح بالنسبة للعديد من الشركات منخفضة، وبالتالي أي تحول صغير في أسعار الصرف قد يزيل الأرباح ويجبر الشركات على العثور على موردين جدد.وعادة ما تقوم الدول بربط سعر عملتها المحلية بعملة أقوى أو اقتصاد دولة متطورة، لذا يمكن للشركات المحلية الوصول للأسواق الخارجية بمخاطر أقل. ومعظم العملات التي يتم الارتباط بها تكون الدولار الأميركي واليورو والذهب.ربط سعر العملة، يخلق حالة من الثبات بين شركاء الصرف والتجارة، ويمكن أن يستمر السعر ثابت لعقود من الزمان، على سبيل المثال، دولار هونغ كونغ مرتبط بالدولار الأميركي منذ عام 1983.مزايا ربط سعر العملة بعملة أقوىتوسيع التجارة وتعزيز عوائد الدخلجعل الاستثمارات طويلة الأمد واقعيةتقليل أعطال سلاسل التوريد المختلفةتقليل التغييرات في قيمة الاستثماراتعيوب ربط سعر العملة بعملة أقوىتؤثر على تداول الفوركس (سوق صرف العملات) من خلال منع التقلبات بشكل مصطنع.مشاكل عديدة إذا ما رُبطت عملة ما بسعر صرف منخفض للغاية، لأنها تحرم المستهلك المحلي من القدرة الشرائية اللازمة لشراء السلع الأجنبية.تخلق عجزاً تجارياً حينما تكون مرتبطة بعملة ذات سعر صرف مرتفع للغاية.زيادة معدل التضخم إذا ما ارتبطت بعملة ذات سعر صرف مرتفع للغاية.في حالة تنفيذ ربط العملة بشكل لائق، تزداد التجارة وعمليات وعوائد الدخل، وفي حالة تنفيذ الربط بشكل سيء دون دراسة الأبعاد، يحدث عجز تجاري في الدول وزيادة في معدل التضخم، وانخفاض في معدل الاستهلاك.(المشهد)