عندما ينبثق الخير من قلوب الشباب، يمكنه أن يصنع تغييرًا كبيرًا في حياة الآخرين ويفتح آفاقًا جديدة من الأمل والفرص. وهذا هو الحال مع الشاب المتطوع كريم عرفة، صاحب ورشة حدادة وناشط في المجتمع المدني، يقوم بتشييد الجسور لتمهيد الطريق أمام طالبي العلم بالمناطق النائية في تونس. عمل إنساني انطلق كريم عرفة في تقديم خدماته التطوعية منذ 2018، وكانت البداية عندما بادر بتخفيف الأضرار الناجمة عن حريق التهم مقرا لمبيت الفتيات الطالبات بمعهد ثانوي بمحافظة سليانة شمال تونس. تكفل الشاب بالصيانة وإعادة التأهيل وتوفير بعض من أساسيات المبنى وتطويره، في سبيل توفير مكان إقامة مناسب لطالبي العلم. ارتكز كريم في أشغاله على استغلال المواد الحديدية المتلفة وإعادة رسكَلتها واستخدامها في تأثيث المبنى. ومن هنا كانت الانطلاقة في العمل على توسيع فكرة رسكلة الحديد واستغلاله في المستلزمات العمومية وسدّ الثغرات. يقول كريم في تصريح لمنصة "المشهد": "المواد الحديدية موجودة بكثرة وبكميات كبيرة جدا وكان من الأفضل إعادة استغلاله". لم تقتصر مجهودات الشاب على إصلاح المبيت، بل وظف مهاراته في مبادرات أخرى تخدم الفرد والمجتمع. ويوضح "صنعت من الحديد المتلف الكثير من المقاعد ووضعتها في المستشفيات ومحطات الحافلات ومن ثم تطور الأمر لصناعة الجسور والبالوعات والعديد من المبادرات الأخرى".راعي رحلة العلم العلم والتعلم كلمات تعني الكثير لكريم، وكان من الواضح جدا، من خلال أعماله الإنسانية التي تمسّ فئة التلاميذ بالخصوص، أنه من الحريصين على دعم طالبي العلم وقد بادر بالمساهمة في توفير الظروف الملائمة لمساعدتهم على استكمال رحلة العلم. وعرف كريم من خلال مسيرته بلقب مشيّد الجسور في تونس، نتيجة ما يقوم به من أعمال تشييد الجسور في المناطق النائية بهدف تسهيل وصول الطلاب إلى مدارسهم، وحرصه على تمهيد الطرقات أمامهم في سبيل الاستمرار في تلقي تعليمهم وعدم الانقطاع عن الدراسة. يقول كريم متحدثا عن تجنده لخدمة الطلاب "حملة الجسور انطلقت بعد وفاة الطفلة مها القضقاضي، الفتاة الصغيرة التي ذهبت للدراسة وفي مسار العودة فقدت في الوادي وقد أثر في هذا الحادث كثيرا ومن هنا كانت الانطلاقة". طريق آمن وسط غياب الجسور المناسبة لعبور الأنهار أو الأودية، وعدم توفر البنية التحتية الكافية للمواصلات في تلك المناطق النائية، تمكّن كريم من افتتاح الجسر السادس مؤخرا بمنطقة تسمى التَرايعيّة بمحافظة باجة شمال تونس. يروي كريم تفاصيل بناء الجسر الجديد بحسرة كبيرة ويقول "وصلني الكثير من الصور للأطفال الذين يقومون بقطع الوادي ويضطر آباؤهم على حملهم في الكثير من الأحيان، من ذلك قمت بالتنسيق مع مهندسين ومكتب دراسات وقمت بالعديد من الزيارات ومن ثم انطلقنا في الأشغال والحمدلله توصلنا إلى نتيجة أسعدت الجميع". لم يكن بناء الجسور مهمة سهلة بالنسبة لكريم، فقد استغرق الأمر وقتًا وجهدًا كبيرًا. ومع ذلك، بفضل التفاني والإصرار، تمكن الشاب وفريقه من الانتهاء من تشييد الجسور بنجاح. أصبحت هذه الجسور رمزًا للأمل والتغيير في تلك المناطق النائية، وأصبح من الممكن الآن للطلاب أن يعبروا بأمان وسهولة ويصلوا إلى مدارسهم دون مخاطرة حياتهم. في يوم افتتاح الجسر أرفق كريم يافطة إلى الجسر كتب عليها "بدلا من أن تلعن الظلام أوقد شمعة".داعيا المجتمع المحلي على المشاركة والتعاون والتفاعل الإيجابي. ويرى كريم أنه من السهل على الجميع أن ينتقدوا الأوضاع من وراء شاشة الهاتف، ولكن المبادرة بأقل ما يكون يمكنه أن يغير الكثير".(المشهد - تونس)