ثمة مؤشرات اقتصادية عديدة إذا ما توافرت تشير إلى وجود تحسن في الأوضاع الاقتصادية لأي بلد، ولعل من أهم وأبرز تلك المؤشرات أرقام الدين الخارجي للدولة والاحتياطي الأجنبي لها وموارد العملة الصعبة، وعلى الرغم من التحديات الجسام التي ما تزال تواجه الاقتصاد المصري في هذه الآونة إلا أن بيانات حديثة أظهرت تراجعاً قوياً للدين العام الخارجي لمصر بأكبر وتيرة له لم يشهدها منذ فترة كبيرة.المؤشرات أوضحت أن الدين الخارجي لمصر تراجع لأكثر من 15 مليار دولار، حيث سجل نحو 15,149 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الجاري بنسبة 9,9% مقارنة بنهاية ديسمبر الماضي، وفقاً لما جاء على لسان رئيس الحكومة المصرية الدكتور مصطفى مدبولي في تصريحات له مؤخراً، ليتراجع بذلك إجمالي الدين الخارجي إلى نحو 152,885 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي، مقارنة بنحو 168,034 مليار دولار نهاية ديسمبر الماضي.وعقب الإعلان عن تراجع الدين العام الخارجي لمصر والذي وصف من قبل البعض بالانخفاض الأكبر حجما في تاريخ المديونية الخارجية على الإطلاق، خيمت تساؤلات عديدة في أذهان الكثيرين عن مدى أهمية هذا التراجع وانعكاساته على الأوضاع الاقتصادية داخل البلاد.وفي هذا الصدد، يقول عضو اتحاد الصناعات المصرية عادل عبد الفتاح في حديثه مع منصة "المشهد"، إن هذا التراجع يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك على أن عملية الإصلاح الاقتصادي التي شرعت مصر فيها خلال السنوات القليلة الماضية تسير نحو الاتجاه الصحيح وبدأت تؤتي أكلها، كما أنه يحمل في طياته العديد من الأهداف والتي من بينها طمأنة المستثمرين سواء العرب أو الأجانب بوجود استقرار اقتصادي داخل الدولة، متوقعاً حدوث تراجع جديد للدين الخارجي لمصر خلال الفترة القليلة المقبلة بسبب التوقيع على صفقات اقتصادية كبرى مقبلة.انعكاسات انخفاض الدينوفي تقرير له خلال هذا الشهر توقع صندوق النقد الدولي أن يحقق الاقتصاد المصري نسبة نمو 4.1% في العام المالي الحالي 2024 - 2025، ارتفاعاً من نسبة 2.7% خلال العام المالي الماضي 2023 - 2024، كما توقع تراجع التضخم في مصر إلى 21.2% في العام المالي الحالي 2024 - 2025، أي بنهاية يونيو المقبل انخفاضا من نسبة 33.3% خلال العام المالي الماضي 2023 - 2024.لذلك يرى الخبير الاقتصادي الدكتور بلال شعيب في حديثه مع "المشهد" أن من أهم مكتسبات انخفاض الدين الخارجي لمصر الآتي:تحسين التصنيف الائتماني لمصر لدى المؤسسات الدولية وزيادة الثقة لدى الجهات المقترضة في الاقتصاد المصري.جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية وعقد الكثير من صفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة.تحسن الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية.تقليل معدلات التضخم.المساعدة في إدراج سندات دولارية في الأسواق العالمية بفائدة قليلة وبالتالي يأتي بحصيلة دولارية أخرى.ووفقاً لشعيب فإنه وعلى الرغم من مرور الاقتصاد العالمي بأزمات متتالية خلال الفترة الماضية بسبب جائحة كورونا، وما أفرزته تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وتأثر مصر بتلك الأزمات بشكل قوي، فضلاً عن تعرضها لصدمات أخرى نتيجة الحرب الإسرائيلية المستعرة في قطاع غزة وتداعياتها على حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وفقدان القاهرة نحو 7 مليارات دولار بسبب انخفاض عدد السفن المارة بقناة السويس أكبر مورد للنقد الأجنبي في البلاد، رغم ذلك كله إلا أن مصر التزمت بسداد ديونها سواء كانت قروضا أو فوائد في مواعيدها، وهو الأمر الذي يؤكد قدرتها على الوفاء بالتزاماتها في المواعيد المحددة في ظل ظروف اقتصادية عالمية في غاية التعقيد، وتوترات جيوسياسية صعبة تعانيها منطقة الشرق الأوسط برمتها.من جهته، وصف عضو اتحاد الصناعات المصرية عادل عبد الفتاح انخفاض الدين الخارجي لمصر لهذه المستويات بالممتاز، مشيراً إلى أن الحفاظ على الاستمرار في هذا الانخفاض سيؤدي بالنهاية إلى المعدلات الآمنة فيما يتعلق بالدين الخارجي، موضحاً أن الدين الخارجي يعد بمثابة أمر جوهري وهام سواء مع صندوق النقد الدولي أو المؤسسات الدولية، حيث إنه من ضمن أهم النقاط التي يتم بها قياس قوة الاقتصاد المصري.أسباب تراجع الدين الخارجيأسباب عديدة ساقها عضو اتحاد الصناعات المصرية حول تراجع الدين العام الخارجي لمصر في هذه الفترة، ولعل من أبرزها كانت القرارات التي اتخذتها الحكومة المصرية خلال الفترة الماضية، التي كان من بينها تطبيق آلية سعر صرف مرن وهو ما ساهم في القضاء على السوق السوداء للعملات الأجنبية، وأعاد التعامل للقنوات الرسمية المتمثلة في البنوك، وبالتالي أدى ذلك إلى تدفق مليارات الدولارات إلى المصارف الرسمية نتيجة لاتجاه تحويلات المصريين بالخارج إلى تلك المصارف التابعة الدولة، فضلاً عن جلب استثمارات أجنبية مباشرة عديدة، وعودة الكثير من الأموال الساخنة مرة أخرى، بالإضافة إلى إقدام الحكومة على إبرام صفقات اقتصادية كبرى كان من أهمها صفقة رأس الحكمة التي وقعتها مع دولة الإمارات العربية المتحدة.وأوضح أن احتياطي مصر من النقد الأجنبي سجل بنهاية سبتمبر الماضي نحو 46.737 مليار دولار، وهو أعلى مستوى له على الإطلاق، حيث يغطى نحو 8 أشهر من الواردات السلعية، وبالتالي هو في مستوى أعلى من المعدل العالمي البالغ 3 أشهر.وتجدر الإشارة إلى أن ديون مصر الخارجية زادت أربعة أضعاف منذ عام 2015، نتيجة للإنفاق الكبير على البينة التحتية التي كانت تواجه العديد من التحديات، فضلاً عن توجّه الحكومة نحو بناء مشاريع عملاقة مثل العاصمة الإدارية الجديدة وحفر قناة سويس موازية للقديمة، ودعم العملة المحلية ومشاريع الطاقة وغيرها.(المشهد - القاهرة)