في إطار سعيها نحو تجاوز أسوأ أزمة اقتصادية تمر بها البلاد منذ سنوات خصوصا بعد سلسلة متواصلة من الصدمات، بدءًا من آثار جائحة كورونا ومروراً بالحرب الروسية الأوكرانية في أوكرانيا ووصولاً إلى الحرب الإسرائيلية داخل قطاع غزة وتبعاتها المختلفة، وقعت الحكومة المصرية الجمعة رسميا على عقود أكبر صفقة استثمار مباشر من خلال شراكة استثمارية مع كيانات كبرى، وذلك في ضوء جهود الدولة حاليًا لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وزيادة موارد الدولة من النقد الأجنبي.رئيس الحكومة المصرية الدكتور مصطفى مدبولي كشف خلال مؤتمر صحفي عُقد بالعاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة، أن الصفقة عبارة عن مشروع استثماري يعد الأكبر في تاريخ الدولة المصرية، وتتم في إطار القوانين المصرية وهو شراكة بين بلاده ودولة الإمارات العربية المتحدة الشريك الاقتصادي العربي الأقوى لمصر، وأوضح مدبولي أن هذا المشروع سيتضمن تأسيس شركة رأس الحكمة وستكون هي الشركة القابضة للمشروع، وستتضمن فنادق ومشروعات ترفيهية، ومنطقة المال والأعمال، وإنشاء مطار دولي جنوب المدينة.وأضاف مدبولي عقب التوقيع على الصفقة أن المشروع سيتضمن استثمار أجنبي مباشر بقيمة 35 مليار دولار تدخل الدولة خلال شهرين، منها الدفعة الأولى 15 مليار دولار، والثانية 20 مليار دولار، وسيكون للدولة المصرية 35% من أرباح المشروع بجانب ضخ 150 مليار دولار من الجانب الإماراتي كاستثمارات، مشيراً إلى أن الصفقة هي شراكة وليست بيع أصول، مؤكدا أن مصر تحتاج كل عام مليون فرصة عمل جديدة وبالتالي نحتاج لمثل هذه المشروعات الكبرى.مكاسب مصرية عديدةوعقب إعلان الحكومة المصرية عن تفاصيل الصفقة الاستثمارية التي وصفت بالأكبر في تاريخ البلاد التقت منصة "المشهد" بعدد من الخبراء الاقتصاديين ورجال المال والأعمال للوقوف على أهمية تلك الصفقة، وماذا يمكن أن تحققه للاقتصاد المصري الذي يشهد مشكلات غير مسبوقة، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية الدكتور رشاد عبده أكد على أهمية صفقة رأس الحكمة في هذا التوقيت البالغ الصعوبة على مصر والتي هي في أمس الحاجة إلى مزيد من مثل هذه الصفقات، مطالباً بضرورة الاستخدام الأمثل لتلك الحصيلة الدولارية المنتظرة لصالح دعم الاقتصاد الوطني وترتيب الأولويات من أجل تحقيق أعلى عائد استفادة منها، حتى تعود على الصناعة والتصدير.وكشف عبده عن مزايا متعددة سيستفيد منها الاقتصاد المصري المتعثر جراء هذه الصفقة والتي من بينها الآتي:ضخ النقد الأجنبي الذي يحتاجه الاقتصاد المصري الأمر الذي سيعمل على حل مشكلة نقص السيولة الدولارية التي تعاني منها المصارف المصرية.تقليل كلفة الواردات المصرية التي تحتاجها مصر من الخارج ومن ثم ستنخفض أسعار المنتجات التي وصلت لأرقام قياسية خلال الفترة الأخيرة وبالتالي ستنخفض معدلات التضخم.تدفق العديد من الفرص الاستثمارية خلال المرحلة المقبلة.توفير فرص عمل كبيرة تصل إلى 8 ملايين فرصة.تشغيل عدد كبير من الصناعات.فتح أسواق عمل متعددة للشركات المصرية، ما سينعكس بالإيجاب على السوق المصرية.أهم القطاعات المستفيدةوبجانب تلك المميزات العديدة التي ستجنيها القاهرة من هذه الصفقة الكبيرة أوضح رشاد عبده أن هناك بعض القطاعات الهامة ستشهد تحقيق طفرات جراء تلك الصفقة، ومن أبرز هذه القطاعات الآتي:القطاع السياحييقول رشاد عبده إن منطقة رأس الحكمة مؤهلة لتكون مستقبل الاستثمار السياحي في مصر، حيث يقع المشروع على مساحة 11.5 مليون متر مربع، ويستهدف وضع المدينة على خريطة السياحة العالمية وجعلها أحد أرقى المقاصد السياحية على البحر المتوسط وفي العالم من خلال إقامة مشروعات سياحية متكاملة، لجذب السائحين الوافدين إلى مصر لمنطقة رأس الحكمة، خصوصا أن البنية التحتية من طرق وخدمات في مراحل الإنشاء.ويشير رشاد عبده أن المنطقة تزخر بمقومات السياحة الثقافية والتاريخية التي تظهر في مقابر الكومنولث والمقبرة الإيطالية والألمانية، وهذا النمط من السياحة يشجع على إقامة سياحة المهرجانات والاحتفالات في تلك المناطق، استرجاعًا للأحداث التاريخية التي اتخذت مواقعها في هذه المناطق، إضافة أن المنطقة تضم أنماطا متعددة ومقومات جاذبة للسياحة الشاطئية.القطاع العقاريوتستهدف مصر النهوض بنشاط تصدير العقار باعتباره إحدى آليات توفير النقد الأجنبي وتحقيق طفرة كبيرة في أداء البورصة المصرية، وحققت الدولة من تصدير العقار حصيلة بلغت أكثر من 300 مليون دولار خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام المالي الحالي 2023-2024، لذلك يشير رشاد عبده إلى أن منطقة رأس الحكمة ستعمل على زيادة التصدير العقاري لمصر لأنها ستحول المنطقة إلى وجهة استثمارية عالمية تجذب كبرى الشركات للاستثمار بها، وستزيد من نمو مبيعات الوحدات السكنية للمشترين الأجانب، مما ينعكس على زيادة تدفقات النقد الأجنبي كما يسهم في نمو القطاع العقاري المصري، والذي يعد أحد أهم الأنشطة الاقتصادية.وأضاف أن المنتج العقاري المصري يحظى بميزة تنافسية عند مقارنته بالمنتج العالمي في دول عدة، حيث إنه يتمتع بأسعار مناسبة ومتميزة، فضلا عن الميزات الإضافية الأخرى، والتي منها ما يتعلق بالحصول على الإقامة لمن تملك عقارا في مصر.وفي السياق ذاته، أكد الباحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية أبو بكر الديب أن نجاح الحكومة على إتمام مشروع رأس الحكمة سيشجع دخول المزيد من الاستثمارات الأجنبية لمصر من خلال عقد صفقات أخرى مماثلة، كما أنه يعطي انطباعا جيدا لعودة الثقة لكبار المستثمرين في الاقتصاد المصري، ويعكس مدى التزام الحكومة بتنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة لتمكين القطاع الخاص وزيادة فرص مشاركته في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.ويضيف لـ"المشهد" أن جذب الاستثمار الأجنبي وتشجيع الاستثمار المباشر هو السبيل لضمان نمو اقتصادي واجتماعي مستدام، والحل في تعزيز قدرة الاقتصاد المصري في مواجهة أية أزمات أو تحديات مستقبلية حيث يحقق التنمية بمفهومها الشامل.دلالات الصفقة الكبرىأما عضو مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال المصريين نيفين عبدالخالق فترى أن جذب الكيانات الاستثمارية الكبرى داخل مصر، تعد خطوة على الطريق الصحيح لنجاح الحكومة في مواجهة ومعالجة التحديات الاقتصادية الراهنة، كما أن تلك الصفقة لها دلالة قوية على أن الحكومة تمضي قدمًا نحو توسيع مشاركة القطاع الخاص المحلي والأجنبي.وأضافت لـ"المشهد" أن الاستثمار المباشر بات يمثل الحل الأمثل على المدى المتوسط والبعيد لتعزيز قدرة الاقتصاد المصري في مواجهة الصدمات والأزمات الاقتصادية العالمية، وذلك لأنه يسهم في زيادة الإنتاج وتوفير السلع والمنتجات بأسعار تنافسية للأسواق المحلية التصديرية.الإعلان عن الصفقة الاستثمارية الكبيرة تسبب في توقف التداول على الدولار في السوق السوداء، نتيجة للارتباك الكبير داخل السوق الموازية للعملات الأجنبية ولا سيما الدولار الأكثر طلباً داخل مصر وعدم معرفة سعر حقيقي للعملة الأميركية، وهبط سعره في السوق السوداء لما دون 60 جنيها ليسجل 55 جنيها، وسط توقف تام لحركة البيع والشراء لحين معرفة السعر النهائي.وفي المقابل تراجعت أسعار الذهب بالسوق المصرية اليوم لأقل مستوى خلال شهرين وسجل غرام الذهب عيار 21 وهو الأكثر مبيعا في مصر (3300 جنيه )للجرام بعد أن تجاوز ال (4000 جنيه)، وسط انخفاض في الطلب الفعلي على الذهب خلال الفترة الحالية وكذلك بسبب هبوط الدولار في السوق السوداء.تطور مناخ الاستثمار في مصرووفقاً للخبير الاقتصادي أبو بكر الديب فإن قوانين الاستثمار والحوافز التي أقدمت عليها الحكومة في مصر مؤخراً ساهمت بشكل كبير في إبرام تلك الصفقة الاستثمارية الكبيرة وعملت على جذب المستثمرين للسوق المصرية، ولا يبقى إلا أن تتحرك الدولة بكامل أجهزتها وبمشاركة القطاع الخاص الوطني لتسويق فرص الاستثمار داخل الدولة.وأشار الديب إلى أن السوق المصرية تنفرد عن باقي الأسواق المنافسة بالعديد من المميزات لنجاح أي مشروع استثماري والنفاذ إلى مختلف أسواق دول العالم. ومنها الموقع الجغرافي المتميز والمشروعات القومية في مجالات الطرق والموانئ والبنية التحتية والاتفاقات التجارية إضافة إلى البيئة التشريعية وتسهيل الإجراءات.ووقعت الحكومة المصرية أكبر صفقة استثمار مباشر في تاريخ الدولة من خلال شراكة استثمارية بين وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية وشركة أبوظبي التنموية القابضة بدولة الإمارات العربية المتحدة، وهو الأمر الذي قوبل بترحاب شديد داخل مختلف الأوساط المصرية.(القاهرة - المشهد)