يستكشف المستثمرون الدوليون بحذر طريق العودة إلى أسواق الدين المصرية بعد زيادة كانت مطلوبة بشدة لأسعار الفائدة والتعهد بتحرير سعر صرف الجنيه وفقا لآليات السوق وما تلقته البلاد من دعم جديد من مستثمرين خليجيين وصندوق النقد الدولي.وفي السنوات الماضية أحجم معظم المستثمرين الدوليين عن شراء الديون المصرية وسط مخاوف من انخفاض قيمة العملة المحلية وأسعار فائدة شديدة السلبية والقلق إزاء تحويل الأموال من بلد يعاني نقصا حادا في الدولار. لكن الإصلاحات التي طال انتظارها وضخ مبالغ كبيرة من النقد دفعت المستثمرين الدوليين إلى شراء أذون للخزانة المصرية بأكثر من 800 مليون دولار هذا الأسبوع، وهي خطوة قد تمهد الطريق لعودتهم إلى السندات الحكومية. وقالت بولينا كورديافكو، رئيسة وحدة الأسواق الناشئة في شركة بلوباي التي اشترت أذون خزانة مصرية لأول مرة منذ نحو 5 سنوات في مزاد أمس الخميس "ننظر بإيجابية للوضع في الأمد القصير، لأنهم قدموا كل شيء تقريبا باستثناء التعديل الوزاري". وفي غضون أسبوعين فقط، أدت صفقة استثمارية مع الإمارات بقيمة 35 مليار دولار وقرض موسع بـ8 مليارات دولار من صندوق النقد ورفع أسعار الفائدة 600 نقطة أساس وتحرير سعر الصرف إلى إعادة سوق الدخل الثابت المحلية إلى دائرة الاهتمام. موديز تعدل نظرتها المستقبلية وفي وقت متأخر من أمس الخميس، عدلت وكالة موديز للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية لمصر من سلبية إلى إيجابية، وأرجعت هذا إلى "الدعم الرسمي والثنائي الكبير" و"ما اتخذ من خطوات في السياسات الأسبوع الماضي"، لكنها أبقت التصنيف الائتماني للبلاد عند Caa1 الذي لا يزال يعني أن الديون السيادية تنطوي على مخاطر مرتفعة جدا. وقالت كورديافكو "الأخبار (عن الصفقة) الإماراتية باغتت نوعا ما الجميع... وحولت المعنويات نحو الإيجابية نظرا لحجم التمويل المقدم". وقد تمثل أذون الخزانة، وهي ديون حكومية فترة استحقاقها أقصر من السندات، أول اختبار للمستثمرين الراغبين في المشاركة، لكنهم يريدون التأكد من استمرار الإصلاحات. وقال جو ديلفو مدير المحافظ لدى أموندي، أكبر شركة لإدارة الأصول في أوروبا، إن الشركة "تدرس بالتأكيد" العودة إلى أسواق الدخل الثابت في مصر. وأضاف أن "تضافر كل هذه الأمور معا قدم بالتأكيد زخما إيجابيا للغاية لصناع السياسات المصريين، وللبلاد، وللاقتصاد". وأوصى بنك جيه.بي مورجان في وول ستريت بشراء أذون خزانة مصرية لأجل عام. وكتب جبولاهان تايوو من البنك في مذكرة للعملاء "عادت صفقات فروق أسعار الفائدة في مصر إلى بؤرة التركيز مرة أخرى، ويجب أن تكون هذه المرة مختلفة". وفي مزاد أمس الخميس، باع البنك المركزي أذون خزانة لأجل عام بقيمة 87.8 مليار جنيه (1.78 مليار دولار) بعد تلقي عروضا بثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريبا. وباع أذون خزانة أخرى لأجل ستة شهور بقيمة 14.2 مليار جنيه.ولا ينشر البنك المركزي بيانات عن المشاركة الأجنبية في المزادات لكن أرقاما قدمها أحد المصرفيين أظهرت أن المستثمرين الدوليين الذين شاركوا بعد غياب طويل اشتروا بقيمة 825.2 مليون دولار. وأبلغ فاروق سوسة من جولدمان ساكس العملاء في مذكرة أمس الخميس أن التطورات الأخيرة أحيت "فرضية الاستثمار على الأجل القريب في الأصول المصرية ذات المخاطر العالية". وكان تخفيض قيمة العملة يوم الأربعاء هو الرابع خلال عامين، بعدما كانت تعهدات سابقة بجعل سعر الصرف أكثر مرونة تتلاشى بمجرد تصاعد الضغوط على الجنيه.ركيزة أساسية هذه المرة، يعوّل المحللون على أن الحجم الهائل للتمويل المقدم من مقرضين من القطاعين الرسمي والخاص يمكن أن يعزز الإصلاحات. وتلقت خمسة مليارات دولار أخرى من الودائع الإماراتية في البنك المركزي في إطار الاتفاق. ومن المنتظر أن يوقع المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي قبل نهاية الشهر على أحدث اتفاق تم التوصل إليه على مستوى الخبراء بشأن المراجعتين المجمعتين الأولى والثانية، بما يعني تدفق مزيد من الأموال. ودعمت الأهمية الجيوسياسية لمصر مطلبها للحصول على الدعم، خاصة في ظل الحرب الدائرة في غزة. وقال جيمس ولسون، الخبير الاستراتيجي في الأسواق الناشئة في شركة آي.إن.جي "تأكدت من جديد الأهمية الاستراتيجية لمصر لكل من الشركاء الإقليميين مثل دول مجلس التعاون الخليجي (خصوصا الإمارات والسعودية) وكذلك للدول الغربية، وهو عامل واضح في التزامات الدعم في الآونة الأخيرة". وتظهر بيانات لمجموعة بورصات لندن أن الجنيه استقر عند ما يزيد قليلا عن 49 جنيها للدولار بعدما هوى إلى مستوى قياسي منخفض تجاوز 50 جنيها للدولار يوم الأربعاء عقب إعلان البنك المركزي عن إجراءاته. ووفقا لحسابات جولدمان ساكس فإن التخفيض الأخير لقيمة العملة جعل سعر الصرف الفعلي الحقيقي، وهو مقياس شائع الاستخدام لقيمة العملة، أقل بنحو 40% من متوسطه على الأمد البعيد الأمر الذي أدى إلى انخفاض أكبر في قيمة العملة من أي من تعويم سابق. وأضاف البنك أنه في الأجل القريب، قد ترتفع العملة إلى ما يزيد قليلا عن 40 جنيها للدولار، مما يزيل بعض المخاطر عن المستثمرين الذين يحتفظون بالأصول. وفي الوقت نفسه، حققت أذون الخزانة لأجل عام واحد في عطاء أمس الخميس متوسط عائد مرجح 32.303 بالمئة، في زيادة واضحة عن سندات مماثلة ذات عائد يبلغ 29.9 بالمئة معروضة في الأسواق الثانوية، وفقا لبيانات مجموعة بورصات لندن. لكن ليس الجميع متفائلين بدرجة كبيرة، ففي واقع الأمر استبعد بنك جيه.بي مورجان السندات الحكومية المصرية من مؤشر السندات الحكومية للأسواق الناشئة اعتبارا من 31 يناير كانون الثاني، بسبب إشكاليات تتعلق بتحويل العملات الأجنبية. وقال بول ماكنمارا مدير الاستثمار في شركة جي.إيه.إم للاستثمارات "كان واضحا أن مستوى الجنيه لم يكن مستداما إلى حد كبير، وتخفيض قيمة العملة موضع ترحيب". وتابع أن "التحسن في الميزان الخارجي يعني أن هذا المزيج من تخفيض قيمة العملة ورفع أسعار الفائدة يمكن أن يستمر، لذلك مثلنا مثل معظم المستثمرين -كما أتصور- سننتظر مؤشرات على الرغبة في مواصلة هذا الاتجاه قبل المشاركة". (رويترز)