يبدو أن تداعيات أزمة المزارعين في الدول الأوروبية لن تكون مقتصرة على الداخل فقط، ولكن قد تمتد إلى باقي دول العالم خصوصا تلك التي تربطها بدول الاتحاد الأوروبي اتفاقات تبادل تجاري للمحاصيل الزراعية.وتصاعدت حدة الاحتجاجات التي يقوم بها المزارعون في عدد من دول الاتحاد الأوروبي، وذلك رفضًا لما وصفوه بالقيود الكبيرة التي تفرضها حكوماتهم، فيما يتعلق بالتحول البيئي، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج. وأمام هذه الاحتجاجات ظهرت مخاوف، لدى بعض الدول التي تربطها علاقات تجارية في مجال المحاصيل الزراعية وعلى رأسها المغرب، خصوصا بعد أن تعرضت شاحنات عدة لهجوم مزارعين غاضبين في فرنسا وإسبانيا وحاولوا تعطيل دخولها إلى دول الاتحاد الأوروبي. ويرى خبراء اقتصاد ومحللون في حديث لمنصة "المشهد" أنّ تداعيات هذه الاحتياجات من الممكن أن تؤثر - إلى حد ما - على حجم المحاصيل التي تصدرها الدول العربية إلى دول الاتحاد الأوروبي خصوصا في حال نجاح هذه الاحتجاجات في الضغط على الحكومات لفرض شروط صارمة بخصوص الواردات العربية للاتحاد الأوروبي. ولكن في الوقت ذاته، يقول الخبراء إنّ هذه الواردات لن تؤثر على الاحتياجات العربية فيما يتعلق بالمحاصيل الزراعية، لأن غالبية الدول العربية تستورد الحبوب بشكل أكبر من روسيا ودول أميركا الجنوبية، في حين تقتصر المحاصيل الواردة من أوروبا على بعض الفواكه والسلع الفاخرة فقط. احتجاجات المزارعين في أوروباوقال المحلل السياسي المصريّ، الدكتور أسامة السعيد، إنّ الاحتجاجات التي يقوم بها المزارعون في أوروبا ستنعكس بشكل كبير على الدول الأوروبية في الداخل، لأنها تأتي بسبب بعض السياسات الخاصة بفرض قيود التحول البيئي هناك. واستبعد في حديث لـ"المشهد"، تأثر اتفاقات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية خصوصا في مصر والمغرب فيما يتعلق بتصدير المحاصيل الزراعية، مشيرًا إلى أن أوروبا في الأساس لا تستورد إلا السلع التي تحتاجها نظرًا للإجراءات الصارمة التي تفرضها، وبالتالي هي في حاجة لها ولن يتخلوا عنها. لكنه في الوقت ذاته، يرى أنّ ضغط المزارعين قد يُجبر الحكومات الأوروبية على اتخاذ عدة إجراءات صارمة فيما يتعلق بالواردات القادمة من الدول العربية ولكن في النهاية سيكون التأثير ضعيفا. في المقابل، أشار السعيد إلى أنّ واردات الدول العربية من المواد الغذائية تتركز أغلبها في الحبوب وتعتمد بشكل أساسي على روسيا وأوكرانيا والبرازيل، وبالتالي لن يكون هناك تأثير يُذكر. قلق مغربي من الهجوم على الشاحنات وخلال الأسبوع الماضي، تعرضت شاحنات محاصيل زراعية لهجوم من قبل مزارعين محتجين في إسبانيا، الأمر الذي خلق حالة من القلق لدى تجمع المزارعين المغاربة، خوفًا على مصير محاصيلهم الزراعية. ويرتبط المغرب باتفاقات تجارة حرة مع الدول الأوروبية، يمكنه من تصدير نحو 50% من حاصلاته الزراعية إلى دول الاتحاد، في حين يرى المزارعون الأوروبيون أن هذا يخلق منافسة غير عادلة، خصوصا بعد ارتفاع تكاليف الزراعة في بلدانهم. وأمام هذه التطورات قررت الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية، رفع دعوى قضائية أمام المحاكم الإسبانية، بعد تصاعد وتيرة الاعتداءات على محاصيلهم الزراعية. وقالت في بيان، نشرته وسائل إعلام محلية، إنّ الهجمات على الشاحنات المغربية اتخذت أبعادًا مقلقة. وأشارت إلى أن المحاصيل التي يجري تصديرها تأتي في إطار اتفاقية الشراكة بين المغرب ودول الاتحاد الأوروبي وتتميز بجودة عالية وتستجيب بشكل دقيق وصارم للمعايير القانونية المطلوبة بالأسواق الأوروبية من دون استثناء. تأثير محدود يتفق مع الطرح السابق، الخبير الاقتصادي، الدكتور كريم العمدة، بقوله إن "تأثير هذه الاحتجاجات على الصادرات العربية قد يحدث ولكن بشكل محدود وفي دول محددة مثل المغرب ومصر". وتابع العمدة في حديث لـ"المشهد": "في المقابل لن يكون هناك تأثير يُذكر فيما يخص الواردات العربية من المحاصيل الزراعية الأوروبية لأنها واردات تتعلق ببعض الفواكه الفاخرة وهي بشكل أو بآخر انخفضت الفترة الماضية بسبب ارتفاع معدلات التضخم في البلدان العربية". وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أنّ الدول العربية تعتمد على الدول التي تتيح المحاصيل الزراعية بأسعار أرخص من دول الاتحاد الأوروبي وتتركز غالبية هذه الواردات على الحبوب من روسيا والبرازيل، لافتًا إلى أن مصر، على سبيل المثال، تستورد أيضًا حبوبا من فرنسا ولكن ليس بالشكل الذي من الممكن أن يسبب أزمة كبيرة. (المشهد)