"شهر التحديات المالية"، بهذه الكلمات وصف محمود الشحات الذي يعمل موظفًا حكوميًا ويعيل 3 أطفال شهر رمضان الذي يحل على المصريين بعد أيام قليلة، وذلك على وقع تحديات عديدة تتعلق بارتفاع أسعار العديد من السلع الغذائية، وخصوصًا المتعلقة بشهر الصوم الذي يحتل مكانة بارزة في عادات وتقاليد المصريين.لا يلتفت محمود الشحات إلى المكسرات وغيرها من السلع المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بشهر رمضان، بعد أصبحت بحسب تعبيره "من استطاع إليها سبيلا"، نظرًا لأسعارها المرتفعة للغاية ولا تناسب من ينتمي إلى الطبقات المتوسطة والكادحة، لكنه صبّ غضبه على أسعار المواد الغذائية الرئيسية التي عادة ما تكون على مائدة الإفطار والسحور لدى أغلبية المصريين وهي الدواجن والبيض، بعد الارتفاعات الكبيرة التي طالتهم في هذه الأيام، قائلا ًبنبرة يكسوها الحزن "يبدو أنّ رمضان هذا العام سيكون ثقيلًا على أسرتي ولن أستطيع توفير الكثير من الاحتياجات الأساسية".وتعتمد الغالية العظمى من الأسر المصرية على الدواجن والبيض في وجبتي الإفطار والسحور، باعتبارهما بديلًا عن البروتينات الأخرى التي دائمًا ما تكون أسعارها مرتفعة، لكنّ تلك الأسر تلقت صدمة في هذه الآونة، بعد أن طرأت زيادة كبيرة في أسعار هذين النوعين، الأمر الذي أثار مخاوف الكثير من المواطنين في تلبية احتياجاتهم الأساسية وممارسة طقوسهم وعاداتهم الرمضانية التقليدية.ارتفاع أسعار الدواجنرئيس شعبة الدواجن باتحاد الغرف التجارية الدكتور عبد العزيز السيد، انتقد بشدة موجة الارتفاعات التي تشهدها أسواق الدواجن في مصر في هذه الفترة، واصفًا إياها بغير المقبولة، نظرًا لأنّ مدخلات الإنتاج المتعلقة بصناعة الدواجن في مصر من أعلاف وأدوية بيطرية وخلافه ثابتة ولم يطرأ عليها أيّ زيادة، موضحًا أنّ الحكومة عمدت خلال الفترة الماضية على توفير مدخلات الانتاج كافة للمنتجين، من خلال توافر السيولة الدولارية المطلوبة وهو ما انعكس على الضغوط التي كانت مرتبطة بتكاليف الاستيراد.وأوضح السيد أنّ أسعار الدواجن زادت خلال هذه الفترة في ربوع المحافظات المصرية بين 25% و30%، ولفت إلى أنّ سعر الدواجن داخل البلاد تتحدد وفقًا لآليات العرض والطلب صعودًا وهبوطًا، مشيرًا إلى أنّ من أبرز أسباب الارتفاعات في أسعار الدواجن في تلك الفترة، هو الطلب الكبير على شرائها، وشهر رمضان هو موسم استهلاكي تزيد فيه نسب استهلاك المواطنين من الدواجن بشكل كبير، على اعتبار أنها البروتين الأنسب لهم من حيث أسعارها المنخفضة مقارنة بأنواع البروتين الأخرى.مطالب بتشديد الرقابةولفت السيد إلى أنّ غياب آلية محددة أو تسعيرة ملزمة لضبط السوق أدت إلى وجود هذه الارتفاعات المبالغ فيها، وطالب بضرورة أن تكون هناك بورصة حقيقية تستطيع أن تحدد تكلفة الإنتاج مع هامش ربح للمنتج لكي يظل مستمرًا في الانتاجية، من أجل حماية المستهلك الذي يتعرض بشكل يومي إلى جشع التجار.وفي السياق ذاته، يؤكد المتخصص في الشأن الاقتصادي بجريدة الأهرام هاني نصر، أنّ الدواجن تعدّ بديلًا مناسبًا للمواطنين عن اللحوم والأسماك التي أصبحت غالية الثمن، لكنّ ارتفاع أسعارها من شأنه أن يضيف أعباءً ثقيلة على ميزانية الكثير من الأسر المصرية، التي هي بالأساس غارقة تحت وطأة تحديات وضغوط اقتصادية ليست بالقليلة، نتيجة للتضخم الذي وصلت معدلاته لارتفاعات كبيرة في مختلف السلع الاستهلاكية.وبحسب نصر فإنّ ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية وخصوصًا المواد الغذائية منها، سينعكس بشكل سلبي على القوة الشرائية للمصريين، وبالتالي سيلجأ الكثير منهم إلى تقليل النفقات الموجهة نحو تلك السلع.جهود حكوميةوفي إطار تخفيف الأعباء التي تواجه الكثير من المواطنين المصريين خلال هذه الفترة، أكد رئيس الحكومة المصرية الدكتور مصطفى مدبولي مؤخرًا، على أنّ الرئيس عبد الفتاح السيسي كلف الحكومة بإعداد حزمة من إجراءات الحماية الاجتماعية قريباً، في مواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة، وأشار إلى تشكيل مجموعة عمل وزارية لصياغة أهم ملامح الحزمة الاجتماعية والإعلان عنها قريبًا. في السياق، يرى نصر أنّ الحكومة تعمل قدر المستطاع على مساعدة محدودي الدخل والطبقة المتوسطة في ظل أوضاع اقتصادية معقدة، وتحديات تلقي بظلالها على الاقتصاد المصري، وذلك من خلال افتتاح معارض أهلاً رمضان في مختلف المحافظات المصرية، وطرح الكثير من السلع الغذائية بداخلها من لحوم وأرز ودقيق وخضروات وغيرها من السلع الاستهلاكية، بجودة عالية وبأسعار مخفضة تناسب الأسر، وتكون أقل من المعروضة في المحلات الخاصة، بنسب تصل إلى 30%.اكتفاء ذاتيومن جهته، أشار نائب رئيس الاتحاد العام لمنتجي الدواجن الدكتور ثروت الزيني، أنّّ مصر لديها اكتفاء ذاتي من الدواجن ولا توجد أيّ أزمة نهائيًا، وكشف أنّ هناك ما يقرب من 4 ملايين دجاجة و40 مليون بيضة، يتم إنتاجها بشكل يومي في مصر وهذا يعدّ إنتاجًا ضخمًا للغاية، في ظل التوترات الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العالم.ووجهت الزيني رسالة طمأنة للمواطنين في ما يتعلق بانخفاض أسعار الدواجن، حيث توقع حدوث تراجع في تلك الأسعار وعودتها إلى معدلاتها الطبيعية عند 75 و80 مع منتصف شهر رمضان، خصوصًا مع دخول دورات داجنة جديدة خلال الفترة المقبلة، ومن ثم سيكون هناك إنتاج متزايد سيعمل على مواكبة السحب والاستهلاك.وتشهد مصر في هذه الآونة أوضاعًا اقتصادية صعبة نتيجة التوترات الجيوسياسية الحاصلة داخل المنطقة، الأمر الذي فاقم من الأوضاع الاجتماعية للمواطنين الذين أصبحوا يواجهون صعوبات في توفير متطلبات حياتهم المعيشية، وزاد الأمر سوءًا بسبب ارتفاع أسعار الدواجن والبيض اللذان يمثلان العمود الفقري على مائدة شهر رمضان المواد الذي قارب على الانطلاق.(القاهرة - المشهد)