في ظل التطورات والقرارات شبه اليومية التي تصدر في سوريا، أعلن وزير المالية السوري في الإدارة الجديدة، محمد أبازيد أن الحكومة ستقوم بزيادة رواتب العديد من موظفي القطاع العام بنسبة 400% بدءًا من الشهر المقبل، وذلك بعد الانتهاء من إعادة هيكلة الوزارات بهدف تعزيز الكفاءة والمساءلة. وتُقدر تكلفة الزيادة بحوالي 1.65 تريليون ليرة سورية (127 مليون دولار)، وسيتم تمويلها من خزينة الدولة الحالية بالإضافة إلى مساعدات إقليمية واستثمارات جديدة، فضلًا عن الجهود المبذولة لفك تجميد الأصول السورية الموجودة في الخارج. معالجة الوضع الاقتصادي هذه الزيادة تمثل "الخطوة الأولى نحو معالجة الوضع الاقتصادي في سوريا"، فيما ستُصرف رواتب موظفي القطاع العام عن الشهر الماضي هذا الأسبوع، وفقا للوزير. وتعتبر هذه الإجراءات جزءًا من خطة أوسع لحكومة تصريف الأعمال السورية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في البلاد، التي تأثرت بصراع طويل وعقوبات استمرت نحو 14 عامًا. سيتم إقرار زيادة الرواتب بعد إجراء تقييم شامل لما يصل إلى 1.3 مليون موظف مسجل في القطاع العام، بهدف استبعاد الأسماء الوهمية من كشوف الرواتب. وستعود هذه الخطوة بالفائدة على الموظفين الذين يمتلكون الخبرات اللازمة والمؤهلات الأكاديمية والمهارات الضرورية للمساهمة في عملية إعادة الإعمار. ومع ذلك، يعتقد العديد من الخبراء الاقتصاديين أن هذه الزيادة قد لا تكون كافية لمواكبة الارتفاع السريع في الأسعار. ورغم أن رفع الرواتب قد يسهم في تحسين الوضع المعيشي لبعض الفئات الاجتماعية، إلا أن تأثيره سيكون محدودًا ما لم تُتبع بإصلاحات اقتصادية حقيقية، تشمل ضبط الأسعار وتحقيق استقرار في السوق.وفي هذا السياق، يقول الدكتور عبدالرحمن محمد نائب عميد كلية الاقتصاد للشؤون الإدارية وشؤون الطلاب في جامعة حماه في حديث إلى منصة "المشهد" إن "وعود وزير المالية بزيادة الرواتب بنسبة 400% إسعافية نوعا ما وذات مدلول اقتصادي، حيث إن هذه الزيادة ستؤدي لتحسين حياة ذوي الدخل المحدود وعوائلهم، وزيادة بالطلب والاستهلاك بسبب الزيادة الحقيقية بالقوة الشرائية للدخل، حيث يجب التحكم بالسياسة النقدية من خلال العمل على استقرار أسعار صرف العملة السورية مترافقة مع زيادة الدخل التي لن يتبعها في هذه الحالة ارتفاع أكبر بسعر صرف الدولار كما كان يحدث سابقا؛ لأن انخفاض الأسعار هو انخفاض حقيقي بسبب انخفاض التكاليف وتوقف الأتاوات والرشاوي ومكافحة الاحتكار وكل حالات الفساد المالي". وبرأي محمد فإن "هناك انخفاضا مرتقبا بالأسعار، وستكون زيادة أكبر بالقوة الشرائية للدخل وتحسن قيمة الليرة السورية، ومعه زيادة الطلب والاستهلاك في ظل التوسع بالاستثمارات، وبالمحصلة تحريك العجلة الاقتصادية وتحقيق نمو اقتصادي حقيقي".تحسن ملموس في الواقع المعيشي منذ الأيام الأولى لسقوط النظام، ظهرت بوادر تحسن في الواقع المعيشي، لعل أبرزها توفر المحروقات والغاز والعديد من المواد الاستهلاكية التي لم تكن موجودة في السابق. وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" هناك بعض المؤشرات الإيجابية في الاقتصاد السوري. على سبيل المثال، ساهمت إزالة الرسوم والرشاوى التي فرضها النظام السابق في خفض الأسعار، كما أصبحت الأدوية المستوردة أكثر توافرًا وأقل تكلفة. يروي الطالب الجامعي عامر.أ لـ"المشهد" تفاصيل الواقع المعيشي اليوم في البلاد، قائلا: "أنا لا أتعاطى وليس لدي خبرة في السياسة، لكن يمكن أن أقيم الوضع المعيشي اليوم بأنه في تحسن ملموس". ويضيف عامر أن "أسعار الفواكه والخضار انخفضت بشكل ملحوظ، كما أن مازوت التدفئة بات متوفرا في الشوارع مع تراجع سعره، فقد وصل سعر اللتر قبل سقوط النظام إلى 25 ألف ليرة سورية، أما اليوم فبإمكانك الحصول عليه بسعر الـ13 ألف ليرة سورية". ويتابع عامر بقوله إن "هناك الكثير من أنواع البسكويت والشوكولا وغيرها من المواد كانت غير موجودة في الأسواق، اليوم باتت متوافرة في المحال التجارية وعلى البسطات في الشوارع".تحديات ومخاوف وحول ما إذا كانت القرارات الاقتصادية ستنعكس على السوريين إيجابياً، مع التحذيرات من ارتفاع في مستوى التضخم بعد ضخ كميات كبيرة من الليرة السورية في الأسواق يقول الاقتصادي محمد إنه "لا بد أن تكون هناك زيادة شهرية بكمية الإنتاج من البضائع الوطنية المعروضة للبيع، وكذلك زيادة شهرية بكمية الدولار المعروض للبيع بالأسواق، حيث يكون مجموع تلك الزيادات بالإنتاج والدولار تساوي 128 مليون دولار شهرياً، كي لا يزيد سعر صرف الدولار ولا ترتفع الأسعار بالأسواق بشكل كبير جداً لم يشهده الاقتصاد السوري". ويضيف محمد المطمئن بالوضع الحالي، والذي يجنب بلدنا من وقوع حالات تضخم ناتجة عن هذه الزيادة، يعود للعديد من العوامل والتي من أهمها: الوضع الجيوساسي الإيجابي لسوريا مع غالبية الدول الداعمة واسترجاع الأموال الخارجية المجمدة بالدولار. هناك مساعدات خارجية بالدولار. جميعها عوامل داعمة لتحسين سعر الصرف واستقراره.من جهته، يشرح د. عدي سلطان الأستاذ الجامعي والباحث في الاقتصاد والعلاقات الدولية لـ"المشهد" أنه "من المعروف أن ضخ كميات كبيرة من الليرة السورية في الأسواق لتمويل زيادة الرواتب يمكن أن يؤدي إلى تضخم مرتفع، ما لم يتم تحقيق توازن اقتصادي، لكن الوزير أكد أن الأولوية الحالية هي تثبيت سعر الصرف لتحقيق استقرار الأسواق والحد من التقلبات المالية، مع التركيز على زيادة الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية. كما أشار إلى خطط لتحسين الإنتاج المحلي، الأمر الذي قد يساعد في الحفاظ على توازن السوق والحد من الضغوط التضخمية الناتجة عن زيادة السيولة النقدية".العقوبات العائق الأكبر الاقتصاد السوري يعاني انهيارا كبيرا نتيجة للحرب المستمرة منذ أكثر من عقد. لقد تسببت الصراعات العسكرية في تدمير واسع للبنية التحتية، بما في ذلك المنشآت الصناعية والتجارية والزراعية، ما أدى إلى تراجع الإنتاج المحلي بشكل كبير وزيادة الاعتماد على الواردات. إضافة إلى ذلك، أدت العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد إلى تضييق الخناق على الاقتصاد، مما قلل من القدرة على الوصول إلى الأسواق العالمية ورفع تكاليف الإنتاج. وفي هذا السياق، كرر وزير الخارجية في الإدارة السورية الجديدة، أسعد حسن الشيباني دعوة حكومته للولايات المتحدة لرفع العقوبات عن سوريا. فيما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلاً عن مسؤولين أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تخطط للإعلان اليوم عن تخفيف القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية لسوريا، وتسريع تسليم الإمدادات الأساسية، من دون رفع العقوبات التي تقيّد تقديم مساعدات أخرى للحكومة السورية الجديدة. ويلفت سلطان أن هناك العديد من الخطوات التي يمكن اتخاذها لإنعاش الاقتصاد السوري، لكن تبقى التحديات متمثلة بـ: العقوبات الغربية التي تعيق دخول استثمارات وشركات أجنبية.الجدول الزمني لتنفيذ هذه الخطوات.الحاجة لخطوات موازية في القطاع الزراعي والخدمات لضمان الاستقرار العام. (المشهد)