شهد سعر صرف الجنيه خلال تعاملات الأربعاء، تحركات سريعة أمام الدولار الأميركي، حيث تجاوزت العملة الأميركية مستوى 30 جنيها لأول مرة، قبل أن تتراجع عائدة إلى ما دون هذا المستوى مرة أخرى.يأتي ذلك غداة مؤتمر صحفي عقدته رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي في مصر إيفانا فلاديكوفا هولار، قالت فيه إن اعتماد البنك المركزي سعر صرف مرن ضرورة لاقتصاد مصر في إطار البرنامج المتفق عليه.ووافق صندوق النقد الدولي في ديسمبر الماضي على برنامج إصلاح اقتصادي جديد مع مصر مدته 46 شهرا، تحصل بموجبه على 3 مليارات دولار، كما يؤمن للحكومة المصرية الحصول على تمويل إضافي بقيمة 14 مليار دولار من الشركاء الدوليين والإقليميين. ويرى محللون تحدثوا مع منصة "المشهد" أن ارتفاع أسعار الصرف الأجنبية في السوق المحلي أمام الجنيه يرجع بشكل أساسي إلى زيادة الطلب على الدولار، في ظل تبني البنك المركزي نظام صرف مرن وفق اتفاقه مع صندوق النقد الدولي. زيادة الطلب منذ مارس 2022، أخذ الجنيه في التراجع أمام الدولار الأميركي، متأثرا بخروج الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين الحكومية، والتي قدرها وزير المالية محمد معيط في تصريحات سابقة له بنحو 20 مليار دولار، وذلك نتيجة التأثيرات غير المواتية للحرب الروسية الأوكرانية. الخبير المصرفي محمد عبدالعال، أكد في حديثه مع منصة "المشهد" أن "التغير السريع في صرف الدولار أمام الجنيه ينم عن سياسة سعر الصرف المرنة المتفق عليها في برنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد". وأضاف: "التغيير الحادث في سعر الصرف هو دليل على المرونة الحقيقة لسعر الصرف وفقا لآليات العرض والطلب في السوق". واتفق المحلل الاقتصادي أحمد معطي، مع عبدالعال، قائلا لـ"المشهد": "تحركات سعر الصرف الآن تأتي وفق نظام مرن، وبالتالي ستكون نتاج الطلب على الدولار في السوق". "ارتفاع الدولار الكبير والسريع يرجع بشكل أساسي إلى تراكم الطلب على الدولار في السوق خلال الأشهر الماضية من قبل المستوردين"، حسبما يضيف معطي. وفي ديسمبر الماضي، ألغى البنك المركزي شرط تقديم اعتماد مستندية للمستوردين، في إطار خططه لتخفيف شروط الاستيراد المطبقة، حيث كان يطلب في السابق من المستوردين تقديم تلك المستندات والانتظار حتى يتم تدبير العملة الأجنبية اللازمة لإتمام عملية الاستيراد، مع إعطاء الأولوية للسلع الرئيسية والأساسية. ويضيف عبدالعال: "بالتأكيد التراجع الذي يحدث في قيمة الجنيه يرجع إلى ارتفاع الطلب على الدولار في السوق المحلي مقارنة بالمعروض منه". وتابع: "في حال الضرورة القصوى وارتفاع سعر العملة الأجنبية بشكل مفرط، سيتدخل البنك المركزي لإحداث نوع من التوازن في قيمة الجنيه". وخلال تعاملات اليوم ارتفع الدولار الأميركي إلى مستوى قياسي جديد أمام الجنيه المصري، حيث سجل في بنكي الأهلي ومصر في منتصف التعاملات نحو 31.9 جنيها للدولار الواحد، قبل أن يتراجع سريعا لينهي التعاملات عند 29.75 جنيها، حسبما تشير المواقع الإلكترونية للبنكين الحكوميين. المزيد من التحركات وفيما يتعلق بالاتجاهات المستقبلية للجنيه، يقول عبدالعال: "سوف نرى المزيد من التحركات في سعر الصرف خلال الأسابيع المقبلة، سواء كان صعودا أو هبوطا، حتى الوصول إلى سعر التوازن والاستقرار في السعر". ويضيف: "هذه التحركات ستنهي على السوق الموازي وستدعم حصيلة النقد الأجنبي من خارج الجهاز المصرفي، بما يمكن البنك المركزي من السيطرة على سوق النقد والحد من ظاهرة الدولرة". "ظاهرة الدولرة" هي قيام العملاء بشراء الدولار أو العملات الأجنبية من السوق مقابل التخلي عن العملة المحلية. بدوره ذكر أحمد معطي أن تحركات سعر صرف الدولار أمام الجنيه قد تستمر حتى منتصف العام الجاري، قائلا: "سوف نرى ارتفاعات ثم استقرارا ووصولا إلى التراجع". ويقول صندوق النقد الدولي على موقعه الإلكتروني: "إن تحديد قيمة الجنيه على أساس حر أمام العملات الأخرى، من شأنه تجنب تراكم اختلالات مزمنة في عرض العملات الأجنبية والطلب عليها في مصر ويحافظ على احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي".الانعكاس على الأسعار ويرى المحللون أن ارتفاعات الدولار أمام الجنيه لن يكون لها تأثيرا ملحوظا على الأسعار، إذ يقول معطي: "من الطبيعي أن يكون هناك ارتفاع في أسعار السلع.. لكن لا يمكن أن ترتفع الأسعار بشكل كبير خصوصا أن المستوردين كانوا يتعاملون من قبل بالأسعار الرسمية حاليا للدولار في السوق الموازي". ويضيف: "أي ارتفاعات كبيرة ستكون نتاج تلاعب التجار بأسعار السلع". وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر مؤخرا، ارتفاع تضخم أسعار المستهلكين في المدن إلى 21.3% على أساس سنوي في ديسمبر 2022، مسجلا أعلى مستوى منذ ديسمبر 2017. إلى ذلك، يقول عبدالعال إن "البنك المركزي يسعى لتحقيق استقرار في أسعار السلع والسيطرة على التضخم خلال الفترة المقبلة، لذا قد يقبل على رفع أسعار الفائدة على الجنيه مجددا في اجتماع لجنة السياسة النقدية فبراير المقبلة بنسبة تتراوح بين 1 و2%". ومنذ مارس من العام الماضي، رفع البنك المركزي أسعار الفائدة بنحو 700 نقطة أساس، كان آخرها في ديسمبر الماضي بنحو 300 نقطة لتصل إلى مستوى 16.25% للإيداع و17.25% للإقراض. فيما طرحت مؤخرا بنوك حكومية شهادات إيداع وادخار ذات عوائد مرتفعة بنسبة 25% لأجل عام. بدوره أكد معطي أهمية استمرار البنك المركزي في تشديد السياسة النقدية، مدللا على ذلك بما قالته رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي أمس، إن "استعادة الحكومة المصرية لاستقرار الأسعار سيتم عبر تشديد السياسة النقدية". ومن المقرر أن تعقد لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي أولى اجتماعاتها لبحث أسعار الفائدة على الجنيه خلال عام 2023، في 2 فبراير المقبل.(المشهد)