منذ الإعلان عن مشروع طريق التنمية (ميناء الفاو)، يسعى العراق إلى ترسيخ مكانته الاقتصادية، من خلال استخدام مركزه الجغرافي الذي يربط بين الشرق والغرب، لكن في ظل الأوضاع السياسية والأمنية المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط، يواجه المشروع جملة من التحديات التي قد تُعيق تنفيذه.ميناء الفاو الكبير وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أعلن خلال مؤتمر مسؤولي النقل مع دول الجوار في العام 2023، عن مشروع ضخم لإنشاء ممر تجاري رئيسي يربط الإمارات العربية المتحدة وقطر والعراق وتركيا بالاتحاد الأوروبي، وذلك عن طريق ربط ميناء الفاو الكبير بتركيا وصولاً إلى أوروبا.ويتألف مشروع طريق التنمية من سكك حديدية وطرق سريعة وموانئ تربط الخليج العربي بأوروبا عبر العراق، حيث يركز المشروع على ميناء الفاو الكبير، الذي يقع على ساحل الخيلج العراقي بالقرب من مدينة البصرة، ومن المتوقع أن تبلغ سعته 90 رصيفاً، ما سيجعله من أبرز المشاريع العملاقة في العالم بحسب تصنيف مجلة البريطانية المتخصصة في قطاع البناء "The B1M".كما من المتوقع أن يصبح ميناء الفاو العراقي أكبر ميناء حاويات في الشرق الأوسط. وتم تحديد مراحل العمل بـ4، سيتم الانتهاء من المرحلتين الأولى والثانية بين الأعوام 2028 -2033، والمرحلتين الثالثة والرابعة بحلول العام 2050، بتكلفة تقديرية 17 مليار دولار.أهمية طريق التنمية وللحديث بشكل معمّق عن أهمية "طريق التنمية" بالنسبة للعراق وإقليم كردستان، يقول الخبير النفطي كوفند شيرواني، لمنصة "المشهد"، إن طريق التنمية له أهمية خاصة، لأنه سيضم عدة طرق وسكك حديدية تجارية، لنقل البضائع والمسافرين، ستمثّل هذه الطرق حلقة وصل فعّالة بين ميناء الفاو الكبير على الخليج العربي إلى الموانئ التركية ومنها إلى الأسواق الأوروبية.وبالنسبة لإقليم كردستان، يؤكد شيرواني أن المسار المحدد للمشروع لا يمر بمدن الإقليم، بل يمشي على محاذاة مناطق حدودية ثم إلى منطقة فيشخابور (بلدة عراقية تضم معبر فيشخابور الحدودي حيث ملتقى الحدود الثلاثية العراق وسوريا وتركيا)، وبحسب تصريحات مسؤولي الإقليم فهذا المشروع كان لابد أن يمر بالمزيد من المدن، ويكون عاملاً في تقوية الروابط بين أجزاء الوطن الواحد، حيث قدمت وزارة النقل في إقليم كردستان مقترحاً لإجراء بعض التعديلات على المسار ليكون قريباً من بعض مدن الإقليم بالتالي يحقق الاستفادة المتوقعة.وما يعطي طريق التنمية أهمية بالغة، هو مشاركة العديد من الدول العربية، منها قطر والإمارات العربية المتحدة، يشرح شيرواني: العراق ما زال يطمح للحصول على استثمارات لتمويل هذا المشروع، دولة الإمارات العربية المتحدة سيكون لها دور في إدارة الموانئ، قطر ربما تموّل جزءاً، كما يمكن أن تشارك تركيا في تمويل بعض المشاريع، لكن على الحكومة العراقية أن تموّل الجزء الأكبر منه، لأنها لم تحصل حتى الآن على تمويل كامل للمشروع.ويرى شيرواني، أنه من خلال طريق التنمية، ستسلك بعض القنوات التجارية مساراً مختلفاً، يبدأ من الأسواق الآسيوية إلى الخليج العربي ومنه إلى ميناء الفاو عبر طريق القناة الجافة، منها إلى تركيا ثم الأسواق الأوروبية، حيث سيستفيد الجزء الشرقي من أوروبا من هذا المسار بشكل رئيسي، ما سيؤثر على عمل قناة السويس في مصر، التي تراجع دورها التجاري خلال السنوات الماضية، نتيجة الهجمات التي تشنها جماعة الحوثويين اليمنية على السفن التجارية في البحر الأحمر.تحديات طريق التنمية ويواجه طريق التنمية العراقي العديد من التحديات، على رأسها الفساد في المؤسسات العراقية، عن ذلك يقول شيرواني: "لا بد من إدارة المشروع عن طريق الاستعانة بالخبرات الأجنبية والاستفادة من التقنيات الحديثة، وضرورة وجود جهاز رقابي لهذه المشاريع، كي لا تدخل مؤشرات الفساد إليها".أما الدور الإيراني في العراق، فهو من أبرز التحديات التي تواجه المشروع، حيث تطمح إيران إلى أن تستفيد من هذا الخط، وتعمل على إنشاء ربط سككي بين مدينة شلامجة (مدينة تقع في محافظة خوزستان في إيران بالقرب من الحدود العراقية) إلى البصرة، وبحسب شيرواني تطمح إيران إلى أن يكون هذا الخط السككي أكثر من خط تجاري، عن طريق إيصال المسافرين الإيرانيين الذين يرغبون بزيارة المناطق المقدسة في النجف وكربلاء.ويواجه ميناء الفاو تحدياً واضحاً متمثلاً بميناء مبارك الكبير، يشرح شيرواني: ميناء مبارك الكبير أنشأته دولة الكويت بهدف أن يكون منافساً للموانئ العراقية، وربما بديلاً عنها، وربما كانت تطمح إلى تحويل الحركة التجارية كلها إلى هذا الميناء، ثم يتم ربطها سككياً إلى داخل الأراضي العراقية، بالتالي تحصل الكويت على كل فوائد أجور النقل والتحميل والتفريغ، لكن يبدو أن المنافسة الدولية كبيرة على المشروع ميناء الفاو الكبير.ويكشف شيرواني عبر منصة "المشهد"، أنه تم إنجاز مراحل متقدمة من ميناو الفاو الكبير، ويعتقد أنه بحدود 3 إلى 4 سنوات سيكون المشروع مكتملاً، في حال عدم وجود أي عراقيل اقتصادية أو تمويلية، أو عوامل جيوسياسية قد تؤثر سلباً على هذا المشروع التجاري الضخم.الدور الإيراني ويبدو أن إيران أدركت مؤخراً خطورة مشروع طريق التنمية، خصوصا أنه يربط تجارياً دول الخليج العربي مع العراق وتركيا عبر البحر الأبيض المتوسط، وعن ذلك يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الموصل فراس الياس، لمنصة "المشهد": تسعى إيران لمحاولة ربط ميناء الإمام الخميني على الخليج العربي بمدينة شلابجة والبصرة ثم مدن وسط العراق وبغداد ثم الحدود السورية، يأتي هذا المشروع كمحاولة إستراتيجية من إيران لتقليل مخاطر طريق التنمية الذي يُقدم على أنه بديل عملي لمشروع الربط السككي الإيراني.وما يزيد موقف إيران تعقيداً، التحديات الإستراتيجية التي واجهتها بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يقول إلياس: سقوط حلفاء إيران في سوريا، جعل المشروع الذي طرحته، وهو مشروع الربط السككي بين إيران والعراق وسوريا، مشروعا معقّدا جداً، خصوصاً أن الهدف منه هو ربط إيران بالبحر الأبيض المتوسط عبر الحدود العراقية إلى سوريا.ميناء الإمام الخمينيوتحاول إيران حالياً، إنتاج بدائل جديدة لتضمن أمنها الاقتصادي، يتحدث الدكتور فراس إلياس عن ذلك: تسعى إيران إلى تنفيذ مشروع ربط الشمال بالجنوب، أي ربط ميناء الإمام الخميني في الجنوب مع موانئها في الشمال في بحر قزوين، أي تفريغ مشروع التنمية من أي تداعيات جغرافية واقتصادية قد تطال إيران خلال الفترة المقبلة.ويختم إلياس حديثه بالقول: رغم كل ما سبق، لا يوجد أي دلائل عملية على أن مشروع طريق التنمية العراقي من الممكن أن ينعكس سلبا على طهران، في ظل التحديات الأمنية التي تشهدها الساحة السورية، وعدم الوصول إلى اتفاق بين حزب العمال الكردستاني وتركيا إلى نتائج واضحة، أعتقد أن ذلك يوفر لإيران فرصة بسيطة لإمكانية فشل مشروع طريق التنمية أو على أقل تقدير مطابقة هذه التحديات الإستراتيجية مع الظروف التي يعاني منها العراق، أي جعل المشروع فقط حبرا على ورق.العلاقات العراقية التركيةوعلى الصعيد السياسي، يرى المختص في الشأن الإيراني وجدان عبد الرحمن، أن تفعيل طريق التنمية (ميناء الفاو) سيُعزز العلاقات العراقية التركية، من خلال ربط ميناء الفاو بشبكة من السكك الحديدية تمتد عبر تركيا إلى أوروبا، هذا الرابط التجاري الجديد سيُقلص من نفوذ إيران في العراق، ويُضعف قدرتها على التحكم أو الوساطة في خطوط التجارة.وفي الجانب الإيراني، يُنظر إلى المشروع على أنه تحدٍ إستراتيجي، حيث إن إيران تعتبر موانئها ومعابرها البرية طريقًا أساسيًا لنقل البضائع من آسيا الوسطى إلى الخليج وبالعكس، لكن مع بروز ميناء الفاو، ينتقل هذا الدور إلى العراق، مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية لإيران من حيث العائدات الجمركية وخدمات النقل.وليس هذا فحسب، بل إن المشروع يُمثل نقطة تحول سياسية أيضًا، حيث يمنح العراق استقلالية اقتصادية أكبر، بالتالي يُقلل من تأثير القوى السياسية المرتبطة بإيران، بما في ذلك الفصائل الموالية لها داخل العراق. بحسب عبد الرحمن.طريقة التنمية وقناة السويسويرى خبراء، أنه من الصعوبة أن تنظر مصر برضا إلى طريق التنمية، الذي ربما يمثل بديلاً عن قناة السويس، التي لطالما شكّلت مصدراً رئيسياً لإيرادات مصر من العملات الصعبة، ما يزيد الأمور تعقيداً انعدام الأمن في البحر الأحمر، نتيجة هجمات "الحوثيين" البحرية على السفن التجارية، التي بدأت منذ العام 2023.وعن ذلك، يقول أمين سر لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب المصري، عبد المنعم إمام، لمنصة "المشهد": إن مشروع طريق التنمية العراقي هو مشروع مهم لدولة العراق، وقد سبق أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، دعا مصر للمشاركة في هذا المشروع.بشكل عام نرى أن تأثير طريق التنمية على قناة السويس هو تأثير محدود للغاية، في ظل تكلفة النقل والسعة التجارية، أي مقارنة تكلفة النقل البري بالنقل البحري.إضافة إلى أن قدرة النقل البري على نقل الأحجام نفسها التي يوفرها النقل البحري أقل بكثير، بالتالي فيما يتعلق بتكلفة النقل والسعة التخزينية التجارية تظل فكرة النقل البحري هي الأوفر حظاً.ويرى إمام، أنه ربما تكون الرحلة التجارية البرية أقصر من البحرية، لكن تواجه المشروع جملة من التحديات الأمنية فيما يتعلق بالأوضاع في العراق وسوريا وتركيا، أيضاً التكلفة الباهظة للشحنات التي ستمر ما بين تركيا وبعض دول الخليج، لذلك نرى أن التأثيرات ستكون محدودة على قناة السويس.ويؤكد إمام أن هناك الكثير من المشاريع التي حاولت بعض الدول إطلاقها، لكنْ تبقى قناة السويس في النهاية مربطا طبيعيا، يربط بين البحرين الأبيض والأحمر، ومتجذرا منذ أكثر من 200 عام، خصوصا مع التوسعات التي تتم بين فترة وأخرى لتطوير القناة، لذلك نقول إن المسألة ليست مؤثرة بهذا القدر من وجة نظر مصر. (المشهد)