تراجع معدّل استهلاك التونسيين للحوم الحمراء (ضأن وأبقار) خلال السنوات الأخيرة وفق ما أكّدته دراسات رسميّة من معدّل 11 كيلوغرامات في السنة قبل عام 2011 إلى 9 كيلوغرامات في السنة خلال الأعوام الأخيرة، فيما يرجّح مختصون أن يكون هذا الرقم قد عرف تراجعا خلال العامين الأخيرين. ويعدّ هذا المعدّل من أضعف المعدّلات العالميّة وفق تصريح صحفي سابق للمدير العام لشركة اللحوم الحكوميّة طارق بن جازية الذي أكّد أن 30% فقط من التونسيين يستهلكون اللحوم الحمراء. ارتفاع قياسي للأسعار يعود هذا التراجع الكبير في استهلاك التونسيين للحوم الحمراء إلى ارتفاع أسعارها ونقص كمياتها بالأسواق ما حوّلها إلى مادّة "تحسب على الكماليات بالنسبة لأغلب العائلات التونسيّة التي لم تعد قادرة على شرائها"، كما قال عضو اتحاد المزارعين المكلّف بالانتاج الحيواني يحي مسعود لمنصّة "المشهد". ويرى 84% من التونسيين أنّ أسعار لحم الخروف باهظة وفق معهد الإحصاء الحكومي.ويقول مختار وهو تاجر متجوّل بسوق وسط العاصمة إنّه لم يشتر اللحوم الحمراء منذ عيد الأضحى الماضي، مؤكّدا في حديثه لـ"المشهد" أنّه صار يكتفي بشراء كميّات قليلة من لحوم الدواجن.ويضيف: "لم يعد بامكاني شراء لحم الضأن أو البقر فسعر الكيلوغرام الواحد يتجاوز ما أجنيه خلال يوم عمل"، بدورها تؤكّد عواطف وتعمل موظّفة أنّها قلّصت من استهلاك اللحوم الحمراء بشكل كبير "صرنا نشرتيه في بعض المناسبات والأعياد فقط لإعداد بعض الأطباق التقليدية". أمّا كمال وهو صاحب محلّ جزارة، فيؤكد لـ"المشهد" أنّ عدد زبائنه تراجع خلال الأعوام الأخيرة، مضيفا أنّ "البعض من زبائني الأوفياء ممن حافظوا على عادة شراء اللحوم الحمراء صاروا يشترون كميّات أصغر "، ويواصل "هناك من الزبائن من يشتري الشحوم أو بقايا العظم، وبعضهم يكتفي بنكهة اللحم".ويعبّر كمال عن مخاوفه من أن تغلق محال بيع اللحوم الحمراء مستقبلا إذا ما استمرّ الوضع على ما هو عليه، وهو ما ينبّه إليه رئيس غرفة القصابين منذر العميري الذي يؤّكد لمنصّة "المشهد" أنّ عدد القصابين يناهز 8 آلاف في تونس أغلبهم مهّدد بفقدان مورد رزقه بسبب تراجع الإقبال على استهلاك اللحوم الحمراء. وتتراوح أسعار اللحوم الحمراء حاليا بين 34 و40 دينارا بحسب العميري، الذي يقول إنّ هذه الأسعار "ليست في متناول التونسي صاحب الدخل المتوسط والضعيف".وبحسب آخر البيانات الرسميّة لمعهد الإحصاء الحكومي بلغت نسبة التضخّم في شهر فيفري الماضي 10.4% وهي أعلى نسبة تسجلها تونس منذ 3 عقود فيما عرفت أسعار المواد الغذائية زيادة بنسبة 15.6% وشملت هذه الزيادة أسعار اللحوم. وتطوّر سعر الكيلوغرام من لحم الخروف من 14.3 دينارا (4.7 دولار) عام 2010 إلى 27 دينارا (9 دولارات) عام 2022 إلى 40 دينارا (13 دولارا) مع بداية عام 2023 فيما ارتفع سعر لحوم البقر من 14.1 دينار (4.7 دولار) للكيلوغرام عام 2010 إلى 26 دينارا (8.66 دولارا) عام 2022 إلى 40 دينارا (13 دولارا) عام 2023.ويلفت العميري إلى أنّ أسعار اللحوم الحمراء تعرف ارتفاعا قياسيا متواصلا خلال الأشهر الأخيرة ولم يعد من الممكن التحّكم فيها، مؤكّدا أنّ الأسعار تختلف بحسب اختلاف المقدرة الشرائية للمواطن "فأسعار اللحوم التي تعرض في الأحياء الراقية أغلى من أسعار اللحوم التي تعرض بالأحياء الشعبية"، لكنه يشدّد على أّنّه "في المجمل لم يعد بمقدور المواطن البسيط تحمّلها".تراجع الإنتاج يتراوح إنتاج تونس من اللحوم الحمراء بين 120 و125 ألف طنّ سنوياً، منها 58 ألف طنّ من لحوم البقر و50.2 ألف طنّ من لحوم الغنم، وتبلغ نسبة تغطية الحاجيات الوطنية 98% باعتبار أن معدل الاستهلاك السنوي يبلغ 127 ألف طنّ. لكن مسعود يشير إلى تسجيل نقص كبير على مستوى الانتاج خلال العام الحالي قدرّه بنحو 30% وهو ما زاد وفق رأيه في رفع أسعار اللحوم الحمراء، موضحا أنّ قطيع الأبقار تراجع خلال الأشهر الـ3 الأخيرة من 200 ألف رأس بقرة إلى 170 ألف، بينما يقدّر العدد الحالي لقطيع الخرفان بنحو 900 ألف خروف. ويتوّقع المتحدّث ألا تكون السوق التونسية قادرة على سدّ الحاجيات من الأضاحي خلال عيد الأضحى، مضيفا "نتوقع أن يتراجع عدد الخرفان إلى نحو 700 ألف بفعل ارتفاع الاستهلاك خلال شهر رمضان مما سيجعلنا في حاجة لتوريد نحو 400 ألف خروف لسدّ حاجياتنا المقدرة بنحو مليون و100 ألف خروف". ويقول المتحدث إن غياب استراتيجية استشرافية للمنظومة الحيوانية أدى إلى تراجع الإنتاج. ويضيف لـ"المشهد" أن منظومة الإنتاج تواجه معضلة الارتفاع المستمرّ لسعر الأعلاف في الأسواق العالمية إضافة إلى تراجع مساحات أراضي المرعى الخضراء وضعف الدعم الرسمي "وهو ما دفع المزارعين إلى التفريط بالبيع في مواشيهم وخرفانهم". ويقول إنّ السلطات تعالج المشكل في كلّ مرّة بحلول وقتيّة عبر توريد كميّات إضافيّة من اللحوم المجمّدة عوضا عن تشجيع المزارع وتوريد الأبقار القادرة على الإنتاج. ويشارك العميري مسعود رأيه بخصوص وجود اشكالات كثيرة على مستوى منظومة الإنتاج التي يقول إنّها في حاجة كبيرة للمراجعة، مشدّدا على أنّ كلفة الإنتاج أصبحت مرتفعة جدّا وهو ما انعكس آليا على الأسعار بالأسواق.أيّ تكلفة صحية؟ ويخشى الأطبّاء أن ينعكس تراجع استهلاك اللحوم على صحّة التونسيين وذلك نظرا لقيمتها الغذائيّة الكبيرة. ويقول الدكتور المختصّ في التغذية الطاهر الغربي لـ"المشهد" إنّ "للحوم الحمراء منافع كثيرة إذ إنّها تحتوي على بروتينيات ذات قيمة عالية وهامّة للجسم وهي أيضا مصدرا مهمّا للأحماض الأساسية". ويزيد أنّها مصدرا مهمّا كذلك للزنك والأملاح في الجسم إضافة إلى الحديد المسؤول عن نقل الأكسجين لكلّ الخلايا. ويضيف المختصّ في التغذية أنّ "النقص في استهلاك اللحوم الحمراء قد يؤدي إلى نقص في كميّات هذه العناصر الضرورية للنموّ بالنسبة للأجسام اليافعة ولتقوية المناعة وتجديد الخلايا بالنسبة لكبار السنّ"، لكنّه يشدّد على أنّ استهلاكها يجب ألا يتجاوز معدّل 175 غراما في اليوم. (المشهد)