يبدو أنّ تطورات الأوضاع المتسارعة داخل الأراضي الفلسطينية نتيجة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عقب عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر الماضي، جاءت لتمثّل ورقة ضغط إضافية وتحدّيًا جديدًاً للاقتصاد المصريّ الذي يعاني في الأساس تحديات ومخاطر ليست بالقليلة.فمع تصاعد حدّة المواجهات العسكرية بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، تزداد متاعب الاقتصاد داخل مصر الذي يعاني مشكلات جمّة، أبرزها شحّ السيولة الدولارية والعملات الأجنبية الأخرى، إضافة إلى الارتفاع الكبير الذي يواجه الدين الخارجي للبلاد.آثار مباشرة على اقتصاد مصرفالمخاوف العديدة التي كانت على ألسنة الكثير من رجال الاقتصاد في مصر مع بداية الحرب، وتأثيرها على غالبية القطاعات الاقتصادية داخل الدولة، تحولت إلى واقع ملموس خصوصًا مع اعتراف رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي، بالتأثيرات المباشرة التي أحدثتها هذه الحرب على بلاده.وقال المدبولي إنّ "الحرب في غزة خلّفت آثارًا سلبية على قطاع السياحة في مصر، كما أنها تسبّبت في موجات من زيادة الأسعار للسلع المختلفة".ومع إقرار مدبولي بتأثير الحرب الدائرة رحاها الآن في قطاع غزة على اقتصاد بلاده، بدأت تلوح في الأفق أحاديث عن طبيعة فحوى هذه التأثيرات وإلى أيّ مدى تلقي بظلالها على مصر، وما هي استعدادات المسؤولين لتجنّب دخول الاقتصاد في دوامات وصراعات لم ولن يتحمّلها في الوقت الراهن.منصة "المشهد" حاورت عددًا من خبراء الاقتصاد في مصر لمعرفة ما الذي يحدث داخل القطاع الاقتصادي في البلاد.أزمة السوق المحليالخبيرة المصرفية سهر الدماطي أوضحت أنّ الحرب الإسرائيلية الجارية في هذه الأثناء على غزة، تخلق حالة من عدم الاستقرار على المنطقة برمّتها خصوصًا دول الجوار الفلسطيني وفي القلب منها مصر، التي ما تزال تعاني التأثيرات السلبية التي أحدثتها أزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية التي ما تزال جارية حتى اليوم.وبحسب الدماطي فإنّ أبرز التأثيرات السلبية المباشرة على الاقتصاد المصري بدأت تتضح أعراضها بشكل واضح في السوق المحلية، والارتفاع المستمر في الأسعار بجانب ارتفاع سعر الدولار بشكل ملحوظ في السوق الموازية.وذهب المتخصص في الشأن الاقتصادي بصحيفة "الأهرام" المصرية هاني نصر، إلى القول إنّ الحرب على غزة أثرت وبشكل كبير على مجالات الطاقة والتجارة داخل مصر.انخفاض واردات الغازوفي ما يخصّ مجال الطاقة أوضح نصر، أنّ ارتفاع فاتورة أسعار النفط عالميًا ستعود سلبًا على دول العالم ومنها مصر، وذلك يعود إلى أنّ تقديرات القاهرة لبرميل النفط في الموازنة العامة يقدّر بنحو 90 دولارًا، وبالتالي فإنّ الزيادة التي طرأت مؤخرًا على أسعار النفط سيكون لها تداعيات على عجز الموازنة والتضخم، وأكد أنّ مصر لجأت خلال الأسبوع الجاري إلى رفع أسعار الوقود لمجابهة الزيادات العالمية.وأشار الخبير الاقتصادي إلى أنّ إغلاق منصة "تمار" الإسرائيلية للغاز، أدّى إلى خفض واردات مصر من الغاز إلى الصفر من 800 مليون قدم مكعب يوميًا، حيث تم وقف خط الغاز الذي تعتمد عليه مصر لتلبية جانب من الطلب المحلي ولإعادة التصدير عبر محطتَي الإسالة في إدكو ودمياط من خلال تسييل 2 مليار قدم مكعب يوميًا، وهذا الخط حاليًّا تم إيقافه لصالح خط بديل للأردن بسبب الأزمة الحالية، وساهم هذا الأمر أيضًا في انقطاع الكهرباء داخل المحافظات المصرية لعدد ساعات أطول من التي كانت موجودة في فصل الصيف.ويشير نصر إلى أنّ قيمة التبادل التجاريّ بين مصر وفلسطين ارتفع خلال أول 5 أشهر من العام الجاري إلى 200 مليون دولار مقابل 178.3 مليون دولار خلال الفترة نفسها من عام 2022، بنسبة ارتفاع قدرها 12.2%، هذا بالإضافة إلى حجم التجارة البينية مع إسرائيل، والتي تتراوح بين 250 مليون دولار و300 مليون دولار، وكان من المتوقع تضاعفها خلال الفترة المقبلة، وبالتالي كل هذه المكاسب ستخسرها مصر على الأقل في هذه الفترة، وستتضاعف مع استمرار أمد الصراع.القطاع السياحي في خطرأما على صعيد قطاع السياحة المصري، فقد تلقّى هذا القطاع صفعة كبيرة إزاء هذه الحرب ومُني بخسائر كبيرة مبكرًا خصوصا مع مقتل سائحَين إسرائيليَين بمدينة الاسكندرية في الأيام الأولى التي أعقبت عملية "طوفان الاقصى" الأمر الذي دفع الجانب الإسرائيلي إلى مطالبة مواطنيه بسرعة مغادرة الأراضي المصرية بشكل عاجل.بالإضافة إلى تعرّض أبرز مدينتَين سياحيتَين على الحدود المتاخمة لإسرائيل (طابا ونويبع) لمقذوفات صاروخية وبقايا تدمير طائرات مسيّرة، وكانت وكالة "ستاندرد اند بورز غلوبال" للتصنيف الائتماني قد ذكرت مؤخرًا أنّ انخفاض إيرادات السياحة بسبب حرب غزة قد يسبّب مشكلات كبيرة في مصر والأردن ولبنان.وفي هذا الصدد، يقول الدكتور باسم حلقة نقيب السياحيين المصريّين لمنصة "المشهد"، إنّ هناك تأثيرات مباشرة وواضحة على القطاع السياحي في مصر، بسبب الأوضاع داخل فلسطين، وظهر ذلك جليًا في تباطؤ معدل الحجوزات في المقاصد السياحية القريبة من الحدود المصرية الإسرائيلية، وتحديدًا في طابا ونويبع الواقعتَين بسيناء.وأوضح أنّ 90% من المنشآت السياحية (فنادق ومنتجعات) أُغلقت في هاتَين المدينتَين، وتمّ إلغاء العديد من الحجوزات في الفنادق الواقعة هناك، ومن ثمّ كل هذه الأمور ستكبّد القطاع السياحي خسائر كثيرة، خصوصًا مع تزامنها مع استعداد مصر للموسم الشتوي، والذي تعتمد عليه الدولة في استقبال العديد من السائحين.مصر تخسر السائحين الإسرائيليّينويؤكد نقيب السياحيين في مصر، أنّ هذه الحرب أفقدت مصر السائحين الإسرائيليّين، حيث غادروا البلاد بشكل سريع، عقب حادثة قتل اثنَين منهم على يد شرطيّ مصريّ في منطقة عمود الصواري السياحيّ بمدينة الإسكندرية.وكشف أنّ إشغال الإسرائيليّين في فنادق طابا ونويبع ومحافظة جنوب سيناء، يمثّل ما بين 35% إلى 45%، موضحًا أنّ هذه نسبة كبيرة بكل تأكيد سيخسرها القطاع السياحيّ في هذه الفترة.وأشار إلى أنّ أعداد السائحين الإسرائيليّين الذين يقصدون مصر لا يٌستهان بهم، حيث تصل أعدادهم إلى 35 ألف سائح شهريًا معظمهم دخل البلاد عبر معبر طابا البرّي المتاخم للحدود الإسرائيليّة.وبحسب باسم حلقة، فإنّ مصر كانت بانتظار موسم سياحيّ واعد خلال العام الحالي، حيث كانت تستهدف الوصول إلى 15 مليون سائح بنهاية العام الجاري، خصوصًا بعد أن شهد القطاع نموًا بنسبة بلغت 40% في حجم الحركة السياحية، الوافدة خلال الفترة من يناير الماضي وحتى يوليو من العام الحالي، مقارنةً بالفترة ذاتها من العام الماضي، ولكن مع استمرار الحرب الإسرائيليّة داخل قطاع غزّة، فلم يعد من الممكن التأكّد ما إذا كانت مصر ستصل إلى هذا الرقم أم لا.ويقول نقيب السياحيين، إنّ بلاده حقّقت حتّى الآن ما يزيد على 70% من الرقم المستهدَف، لكن لا يمكن التأكّد ما إذا كانت ستصل إلى هدفها مع نهاية العام، إذا ما استمر الوضع الحالي.حلول لتفادي الأضرار المتوقّعةويرى باسم حلقة في حديثه مع "ألمشهد" أنّ هذه الأزمة من الممكن حلحلتها قبل أن تتفاقم، وذلك من خلال وضع خطة من قِبل المسؤولين عن قطاع السياحة في مصر، لتقليل التأثيرات السلبيّة للحرب على السياحة، وذلك من خلال:مخاطبة جميع شركات السياحة الدوليّة لتأكيد أنّ مصر آمنة.تنظيم جولات خارجيّة وزيارات رسميّة لبعض الدول للتّرويج للمقصد السياحيّ المصري.وكان رئيس الوزراء المصريّ مصطفى مدبولي قد اعترف للمرة الأولى، بتأثير الحرب القائمة في غزّة على اقتصاد بلاده، مؤكدًا أنّ هذه الحرب خلّفت آثارًا سلبيّة على قطاع السياحة في مصر، كما أنّها تسبّبت في موجات من زيادة الأسعار للسلع المختلفة.وأشار إلى أنّه يجب التحوّط لحماية الاقتصاد المصريّ من الآثار السلبيّة، التي تخلّفها هذه الأحداث العالميّة والإقليميّة، وتعزيز قدرته على مقاومة الصدمات الخارجيّة.(المشهد - القاهرة)