أثارت الغارات الجوية التي قادتها الولايات المتحدة على "الحوثيّين" في اليمن، المخاوف من نشوب صراع أوسع نطاق في الشرق الأوسط، يمكن أن يؤدي إلى تأجيج ارتفاع أسعار السلع العالمية، في الوقت الذي يبدو فيه التضخم قد ينحسر، بحسب ما ذكر تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز". وأدت العشرات من هجمات "الحوثيّين"، التي بدأت في أكتوبر الماضي، إلى تحويلات واسعة النطاق لسفن الشحن من البحر الأحمر. وكان الاقتصاديون يتوقعون أن يتم احتواء التأثير الأوسع نطاقًا على أسعار السلع نسبيًا خلال الفترة الماضية. لكنّ المخاوف تتصاعد الآن بشأن التأثيرات غير المباشرة الأكثر خطورة على السلع الأساسية، بما في ذلك النفط، في حال تورطت أميركا بشكل أعمق في أزمة إقليمية مستعرة منذ الهجوم الذي شنته "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر. وتقول رئيسة أبحاث الاقتصاد الكلي في شركة "أليانز تريد" آنا بواتا، إنّ الوضع لم يكن بعد يشير إلى أخطار كبيرة على الاقتصاد العالمي، لكنها أضافت أنّ "التأثير على سلاسل التوريد العالمية يمكن أن يصبح أكثر حدّة، " إذا استمرت الأزمة إلى ما بعد نصف العام". ما هي تأثيرات هجمات "الحوثيّين" حتى الآن؟ يُعد البحر الأحمر ممرًا ملاحيًا تجاريًا حيويًا، حيث يمثل عادة 15% من إجماليّ التجارة البحرية العالمية، بما في ذلك 8% من الحبوب، و12% من النفط المنقول بحرًا، و8% من الغاز الطبيعيّ السائل المنقول بحرًا، حسبما جاء في تقرير "فاينانشال تايمز". ومنذ الهجوم "الحوثي" الأول في 19 أكتوبر الماضي، تراجعت حركة المرور في البحر الأحمر بشكل كبير. وأظهر أحدث مؤشر تجاريّ شهري، نشره معهد كيل للاقتصاد العالمي، أنه في أعقاب هجمات "الحوثيّين"، كانت تدفقات الحاويات عبر البحر الأحمر أقل من نصف المستوى المعتاد في ديسمبر، وانخفضت إلى أقل من 70% من الكميات المعتادة في أوائل يناير الجاري. ومع اتجاه السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح حول إفريقيا، والذي يستغرق من 7 إلى 20 يومًا إضافية، أدى هذا إلى ارتفاع أسعار الشحن للحاوية القياسية المنقولة من الصين إلى شمال أوروبا، من نحو 1500 دولار في نوفمبر إلى أكثر من 4000 دولار. ووفق التقرير، بدأت بعض الاقتصادات تشعر بالفعل بآثار ذلك، ومن المرجح أن تكون مصر واحدة منها، نظرًا لاعتمادها على الشحن عبر قناة السويس، والتي جمعت منه أكثر من 9 مليارات دولار من رسوم العبور في السنة المالية الماضية. وأبلغت الشركات العالمية أيضًا عن ضغوط في التصنيع، حيث أوقف مصنع تيسلا الألمانيّ الإنتاج حتى 11 فبراير المقبل، بسبب نقص مكوّنات الإنتاج، نتيجة لأوقات الشحن الأطول عبر طريق رأس الرجاء الصالح. ما مدى خطورة انقطاع الشحن على الاقتصاد؟ يؤثر تعطل الشحن بشكل كبير على الولايات المتحدة وحلفائها، ما يدفعهم لاتخاذ إجراء عسكريّ ضد "الحوثيّين"، بحسب "فاينانشال تايمز"، والتي تقول إنه منذ اندلعت الحرب بين إسرائيل و"حماس"، كان صنّاع السياسات الاقتصادية يشيرون إلى صراع أوسع نطاق في الشرق الأوسط، باعتباره "خطرًا صاعدًا" رئيسيًا على التضخم، الذي يبدو أنه يتراجع حاليًا في الاقتصادات الكبرى. لكن، رغم ذلك، بدا محافظو البنوك المركزية متفائلين نسبيًا بشأن العواقب الأوسع نطاقًا التي قد تترتب على الظروف الراهنة على الاقتصاد الكلي. وقال محافظ بنك إنجلترا، أندرو بيلي، الأسبوع الماضي: "من وجهة نظر اقتصادية، إذا نظرت إلى سعر النفط، لم يكن له في الواقع التأثير الذي كنت أخشى حدوثه". ولا تزل أسعار الشحن أقل بكثير من الذروة التي وصلت إليها عند 14000 دولار خلال أزمة جائحة فيروس كورونا قبل أكثر من 3 أعوام. ولا يتوقع جوليان هينز، مدير مركز أبحاث السياسات التجارية التابع لمعهد كيل، تأثيرات ملحوظة على أسعار المستهلك، نظرًا لأنّ تكاليف الشحن تمثل نسبة صغيرة من قيمة السلع المرتفعة الثمن مثل الإلكترونيات. وقال هينز: "في نهاية المطاف، ستتعلم الشركات كيفية إدارة مخزونها وتسعيرها لجداول زمنية أطول للشحن". بدوره، يقول سايمون ماك آدم، من شركة كابيتال إيكونوميكس للأبحاث، إنه حتى الارتفاع الأكبر بكثير في أسعار شحن الحاويات الفورية خلال الوباء، أدى إلى زيادة التضخم العالميّ بمقدار بضعة أعشار من النقطة المئوية فقط، تم نقل معظم البضائع بأسعار تعاقدية محددة لمدة عام أو أكثر. وأضاف أنّ مستويات المخزون يجب أن تسمح لمعظم الشركات بالتعامل مع أوقات الشحن الأطول، "كما قد يؤدي تباطؤ الطلب الاستهلاكيّ في أعقاب موجة الزيادات في أسعار الفائدة، إلى الحدّ من قدرة الشركات على رفع الأسعار وتمرير تكاليف الشحن المرتفعة للعملاء".هل يتفاءل صناع السياسات الاقتصادية؟ وحول ما إذا كان هذا التفاؤل قد يمنح صنّاع السياسات الاقتصادية المزيد من الراحة، يستبعد المحللون ذلك، قائلين إنّ التعطل الطويل لسلاسل الإمداد سيكون مشكلة أكثر خطورة. وقالت شركة أكسفورد إيكونوميكس الاستشارية الأسبوع الماضي، إنه إذا ظل البحر الأحمر مغلقًا أمام حركة المرور التجارية لأشهر عدة، فإنّ ارتفاع أسعار الشحن يمكن أن يضيف 0.7 نقطة مئوية إلى معدلات التضخم السنوية بحلول نهاية عام 2024. وأضافت أكسفورد إيكونوميكس، أنه في ظل هذا السيناريو، قد يستمر التضخم العالميّ في التباطؤ، وستكون البنوك المركزية قادرة على البدء في خفض أسعار الفائدة اعتبارًا من منتصف العام، لكنّ أسعار الفائدة قد لا تنخفض بالقدر الذي يتوقعه المستثمرون. وأشار توماس ويلاديك، كبير الاقتصاديّين الأوروبيّين في شركة "T Rowe Price"، إلى أنّ الشحن العالميّ يتعرض أيضًا لضغوط بسبب الجفاف في قناة بنما، ما أدى إلى انخفاض فتحات العبور. وقال إنّ هذا قد يجعل التهديد التضخميّ أكثر أهمية، "حيث يتأثر 2 من أهم ممرات الشحن في العالم في الوقت نفسه. لذلك من المحتمل أن تظل أسعار الشحن مرتفعة لبعض الوقت". ما هو الخطر الاقتصادي الأكبر؟ يقول المحللون إن الخطر الأكبر على معدلات التضخم، هو أنّ أسواق النفط والغاز تشعر بالخوف من احتمال تمدد الصراع في منطقة الشرق الأوسط. وحتى الآن، انخفضت أسعار النفط خلال أشهر أكتوبر ونوفمبر وديسمبر، حتى مع احتدام الصراع بين إسرائيل و"حماس" في قطاع غزة. وقال كريستيان كيلر، رئيس الأبحاث الاقتصادية في بنك باركليز، إنّ المستويات المرتفعة من الطاقة الفائضة وتباطؤ الطلب والإمدادات القوية من خارج "أوبك+" قد احتوت حتى الآن المخاوف بشأن انقطاع إمدادات النفط. ومع ذلك، فإنّ القفزة التي شهدتها أسعار النفط أواخر الأسبوع الماضي في أعقاب الضربات التي قادتها الولايات المتحدة، والتي رفعت سعر خام برنت بنسبة 4% إلى 80.50 دولارًا للبرميل، سلطت الضوء على المخاوف في الأسواق المالية، من أنّ الردّ الذي تقوده الولايات المتحدة قد يُنذر بمزيد من المشاكل. وكان انخفاض تكاليف الطاقة محركًا رئيسيًا وراء انخفاض التضخم العالمي، لذا فإنّ أيّ انقطاع في استمرار هذا الهبوط، من شأنه أن يمثل انتكاسة لجهود البنوك المركزية لكبح نمو الأسعار، وفقًا لما جاء في التقرير. ويُقدّر ويلاديك أنّ ارتفاع أسعار النفط بنسبة 10%، يمكن أن يرفع معدل التضخم في منطقة اليورو بنسبة 0.4% خلال عام واحد. وقال الرئيس الأميركيّ جو بايدن للصحفيّين الجمعة، إنه "قلق للغاية" بشأن تأثير الأعمال العدائية على أسعار النفط، مضيفًا، "لهذا السبب يتعين علينا وقفها".(ترجمات)