هل ستكون تونس قادرة على سداد ديونها للعام الحالي؟ سؤال يتردد في الأوساط الاقتصادية والسياسية وحتى الشعبية في تونس، مع اقتراب موعد خلاص أكبر قسط من ديونها في شهر أكتوبر المقبل في وقت يتواصل فيه تعثر أغلب رافعات الاقتصاد، خصوصا الاستثمار والتصدير. ويحل في شهر أكتوبر موعد خلاص ضمان قرض رقاعي بضمان ياباني بقيمة 50 مليار ين (0.33 مليار دولار). ويجمع خبراء الاقتصاد على أن 2024 العام الأصعب مالياً على تونس خلال السنوات الأخيرة نظرا لحجم الديون الخارجية التي يجب عليها سدادها بالعملة الصعبة ما قد يهدد مخزونها من العملة الصعبة ويزيد من تدهور قيمة عملتها المحلية. وأجبرت الأزمة الاقتصادية تونس على التوجه نحو الاستدانة الخارجية وارتفعت قيمة إجمالي ديونها الخارجية بشكل مخيف خلال السنوات الأخيرة لتصل لـ40 مليار دولار ما يقابله بنسبة 90% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي. ديون تونسويبلغ حجم ديون تونس الخارجية لعام 2024، 4 مليارات دولار وفق بيانات رسمية كشفت عنها الحكومة التونسية بزيادة قدرها 40% مقارنة بالعام الماضي.وعلى تونس تسديد أصل ديون خارجية وداخلية لقرابة 11 قرضا وآلية تمويل مما يتطلب توفير مليار يورو وزهاء 909 ملايين دولار إلى جانب الدفع بالعملة المحلية، في بلد من المتوقع أن يسجل ارتفاعا لخدمة الدين بنحو 18.7% خلال 2024. وتواجه تونس صعوبة في تعبئة موارد موازنتها وذلك بعد فشلها في التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض بقيمة 1.9 مليار دولار بسبب اختلاف في وجهات النظر حول شروطه التي تقول سلطات تونس إنها ستمس أمنها الاجتماعي في إشارة لمسألة رفع الدعم. نجاح رغم الشكوك وخلافاً للتوقعات حول إمكان تعثرها عن الإيفاء بالتزاماتها المتعلقة بالدين الخارجي، تمكنت تونس من سداد جميع ديونها الخارجية لعام 2023 رغم أزمتها الاقتصادية، وقالت وزيرة المالية التونسية سهام بن نمصية البوغديري في تصريحات سابقة إن تونس ملتزمة بسداد جميع ديونها.وأعلنت الوزيرة التونسية أن بلادها سددت قروضا مستحقة بقيمة 11.6 مليار دينار (3.7 مليارات دولار) من القروض الخارجية خلال النصف الأول من العام الحالي. وتقول المحللة الاقتصادية إيمان الحامدي لـ"المشهد" إن تونس لم تتخلف عن سداد أي دين سيادي خارجي في تاريخها رغم الأزمات الاقتصادية والسياسية التي مرت بها كما لم يحصل أن طلبت تأجيل سداد ديون. ووفق تقديرها فـ"القسط الذي سيحل أجله في شهر أكتوبر لن يكون استثناء". وتوقعت المتحدثة أن تتولى الحكومة التونسية سداده بالكامل وفي الآجال المحددة من دون أي تأخير، وتقول إن رصيد العملة الصعبة لدى البنك المركزي يسمح بسداد هذا الدين. وبلغت قيمة احتياطي تونس من النقد الأجنبي وفق آخر المعطيات الرسمية الصادرة في الغرض عن المصرف المركزي التونسي من 24 مليارات دينار ما يغطي واردات لا تقل عن 116 يوما.وعن أسباب نجاح تونس في سداد ديونها رغم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها وتعثر جميع رافعات اقتصادها، تقول الحامدي إن: ارتفاع قيمة عائدات السياحة وتحويلات المغتربين وعائدات تصدير زيت الزيتون ساهمت بشكل كبير في رفع رصيد تونس من العملة الصعبة.ما شكل رصيدًا محترمًا ومطمئنًا من الاحتياط الأجنبي لدى البنك المركزي التونسي.كل هذه العوامل ساهمت في استقرار سعر العملة المحلية مقابل اليورو والدولار. وبلغت قيمة تحويلات التونسيين المغتربين خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام 3.9 مليارات دينار، بينما ارتفعت عائدات صادرات تونس من زيت الزيتون إلى 1.41 مليار دولار من نوفمبر 2023 إلى يونيو 2024 بنسبة 80% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، فيما بلغت عائدات القطاع السياحي 1.1 مليار دولار إلى حدود يونيو الماضي بزيادة 6% مقارنة بالفترة نفسها في 2023. وتوقعت المتحدثة أن ينخفض حجم ضغط الدين الخارجي على تونس عام 2025 ليتراجع إلى حجم ديون 2023.نجاح باهظ الثمن لكن النجاح في سداد الديون الخارجية وإن كان يعتبر إنجازا لتونس المثقلة بأزمة اقتصادية حادة، إلا أنه لا يجب أن يحجب حقيقة انعكاسات ذلك على الاقتصاد التونسي في رأي شق من المراقبين. ويرى خبراء أن تونس قلصت من حجم التوريد واعتمدت بشدة على القروض الداخلية لسداد ديونها الخارجية، مما أدى إلى خفض السيولة إلى حد بعيد وساهم في تقليص تمويل البنوك للاقتصاد. ويقول الخبير الاقتصادي أيمن السعيدي إن سداد الديون الخارجية كان على حساب مشاريع التنمية، مضيفا أن "مديونية تونس لم تكن منتجة". وفي تقديره فإن نجاح تونس في الإيفاء بتعهداتها وسداد ديونها من دون أن تطلب تأجيلها كان على حساب التنمية في البلاد وعلى حساب قطاعات خدماتية حيوية. ويزيد أن الدولة التونسية صارت تنافس المواطن التونسي على النفاذ للقروض من المصارف المحلية من أجل تعبئة مواردها. وكانت وزيرة المالية التونسية قد كشفت سابقا عن لجوء الحكومة إلى طلب تمويل مباشر من البنك المركزي لسداد ديون خارجية عاجلة، من بينها سندات دولية بقيمة 850 مليون يورو (920 مليون دولار)، استحق سدادها في فبراير الماضي. (المشهد)