أعلنت مصر عن وجود خطة تستهدف ازدواج قناة السويس التي تصنف بأنها أهم ممرّ مائيّ عالمي، ما أثار تساؤلات عدة عن قدرة الاقتصاد المصريّ على تحمّل مشروع بهذا الحجم في الوقت الحالي، خصوصًا لجهة توفير مصادر التمويل، وتوقيت إعلان المشروع، في وقت يواجه فيه الاقتصاد المصريّ ضغوطًا على الموارد الدولارية، بالإضافة إلى تراجع عائدات قناة السويس، من جرّاء التوتر المتصاعد في البحر الأحمر، بسبب استهداف "الحوثيّين" لسفن الملاحة البحرية.الخطة كشف عنها مؤخرًا رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، أكد فيها أنّ الدولة اتخذت خطوات جدية تجاه تنفيذ هذا المشروع العملاق، موضحًا أنّ الحكومة أجرت بالفعل دراسات مبدئية لمشروع ازدواج قناة السويس، وعرضتها على القيادة السياسية، وهناك شركات متخصصة تعمل بالفعل على إعداد دراسات الجدوى الخاصة بالمشروع لتحديد الشركاء الذين يمكن للحكومة العمل معهم، وأنه بمجرد الانتهاء من الدراسات سيتم التصديق عليها، قبل بدء العمل.وبحسب تصريحات رئيس هيئة قناة السويس، فإنّ تنفيذ مشروع تطوير المجرى الملاحيّ للقناة بالبحيرات المرة الصغرى، يستهدف ازدواج المنطقة 10 كيلومترات لتنضم إلى قناة السويس الحالية، والقناة الجديدة سيصبح طولها 82 كيلومترًا بدلًا من 72 كيلومترًا لزيادة أعداد السفن، مشيراً إلى أنّ المشروع يأتي في ظل التحديات التي تواجهها القناة نتيجة هجمات "الحوثيّين" على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.هل تحتاج قناة السويس إلى توسيعات جديدة؟وعقب الكشف عن هذا المشروع، بدأت الأصوات تتعالي في الداخل المصريّ حول جدوى هكذا مشروع ضخم في هذا التوقيت البالغ الصعوبة على الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وحاولت منصة "المشهد" الوقوف على الكثير من التساؤلات المثارة حاليًا في الشارع المصريّ، من خلال عدد من الخبراء المعنيّين بالشؤون الاقتصادية في مصر.في السياق، أشار أستاذ الاقتصاد بجامعة حلوان الدكتور عمرو سليمان، إلى أنّ قناة السويس تعدّ أهم مرفق عام للدولة المصرية، ومعدلات العائد الخاص بها مرتفعة للغاية، خصوصًا على المدى الطويل، وهذا الأمر لا يختلف عليه أحد، وبالتالي فإنّ الاستثمار في هذا المرفق مهمّ جدًا سواء من خلال التوسعة أو زيادة العمق، وذلك من أجل الحفاظ على استراتيجية المنافسة، ومنع المحاولات التي تفكر في إنشاء طرق موازية أو بدائل لقناة السويس، موضحًا في الوقت ذاته، أنه حتى الآن لا يوجد ازدواج كامل للقناة رغم التفريعة العملاقة التي تم إنجازها في عام 2015، بتكلفة بلغت نحو 8 مليارات دولار وبطول 35 كيلومترًا.ولفت سليمان إلى أنّ القناة تحتاج إلى تطوير وتفريعات جديدة مع توسيع وتعميق التفريعات القائمة، ومنها تفريعات البحيرات المرة والبلاح، وذلك رغم التفريعات الكثيرة التي تم إنجازها إبان فترات حكم الرؤساء السابقين (عبد الناصر والسادات ومبارك)، وإنه بالحسابات باقٍ 80 كيلومترًا في قناة السويس لم يحدث لها ازدواج، منها 50 كيلومترًا في الشمال، و30 كيلومترًا في الجنوب، وفق الأرقام التي قدمها الفريق ربيع.التوقيت غير مناسبوليس بخافٍ على أحد أنّ الأوضاع الاقتصادية المصرية ليست في أحسن حال في هذه الفترة، خصوصًا مع وجود العديد من الالتزامات الضخمة الحالية والمستقبلية على مصر، سواء كان هذا في شكل أعباء ديون خارجية، أو تمويل واردات سلع غذائية واستراتيجية وغيرها، إضافة إلى الأعباء المالية القائمة بالأساس على القناة، بسبب توسعها في الحصول على قروض ضخمة في الأعوام الأخيرة. ويرى أستاذ الاقتصاد عمرو سليمان، أنّ فكرة تطوير القناة لا خلاف عليها مطلقًا، وإنما المشكلة تكمن في شيء واحد فقط، وهو أنّ التوقيت الآن غير مناسب وهو يفتح مجالًا لتساؤلات عديدة تتعلق بكيفية تنفيذ هذا المشروع العملاق، ومن أين سيتم تمويله؟ هل عبر طرح سندات محلية أمام المصريّين، كما حدث في التفريعة السابقة، أم عبر الحصول على قروض دولية ضخمة؟ وما هي آليات عمله؟واتفق الخبير الاقتصاديّ الدكتور رشاد عبده مع الاتجاه الذي يرى أنّ هذا التوقيت غير مناسب للشروع في أيّ مشاريع عملاقة تستنزف موارد النقد الأجنبيّ للدولة، وكشف أنه عندما تم حفر قناة السويس الجديدة، تم شراء معدات بتكلفة باهظة الثمن، حيث تم عمل ازدواج بطول 33 كيلومترًا تقريبًا، وأن المتبقي من قناة السويس الآن ويتطلب ازدواج يصل إلى 3 أضعاف ما تم عمله في عام 2014، ومن ثم فإنّ تكلفته ستكون أعلى، خصوصّا أنه ربما يكون هناك مناطق أشدّ صعوبة، سواء كانت أماكن صخرية أم غيرها.وبحسب عبده، فإنه من الأفضل التريث في هذه الفترة وعدم البدء في تنفيذ هذا المشروع، وإرجاؤه بعض الوقت، خصوصًا إذا كان سيحتاج إلى مبالغ طائلة من الدولارات التي تواجه شحًا في المصارف المصرية، لكن إذا كانت هيئة قناة السويس ستنفذ هذا المشروع عبر مواردها الذاتية، واستخدام المعدات الموجودة التي تم حفر بها قناة السويس الجديدة وبجهود مصرية ومن دون الاستعانة بشركات أجنبية أخرى، ففي هذه الحالة لا مانع من البدء به وتنفيذه على الفور.تحديد أولويات الاستثمار في مصرووفقًا لبيانات صادرة عن صندوق النقد الدولي، فقد انخفضت الحمولة المارة بقناة السويس إلى 49%، لتصل إلى 142.3 مليون طن، خلال أول شهرين من العام الحالي، مقارنة مع 279.5 مليون طن خلال الفترة نفسها من العام الماضي، لذلك تساءل عبده عن الجدوى الاقتصادية لتنفيذ ازدواج قناة السويس في هذا التوقيت، الذي تشهد القناة فيه تراجعًا كبيرًا في ايراداتها، بسبب التوترات في البحر الأحمر بنسبة تقترب من 50%.ويوضح عبده أنّ توصيات صندوق النقد الدوليّ للحكومة المصرية، تركزت على وقف أيّ مشروعات مستقبلية من شأنها أن تمثّل ضغطًا على الموارد الدولارية، متسائلًا عما وراء طرح هذا المشروع في وجود تلك التوصيات، كما طالب بعمل دراسة جدوى من خلال مؤسسات عالمية، وإشراك خبراء اقتصاديّين لتحديد أولويات الاستثمار في المرحلة المقبلة.وتعدّ قناة السويس المصدر التمويليّ الوحيد المضمون، والذى تعتمد عليه مصر، وبالتالي فهي في احتياج دائمًا إلى تطوير لتواكب التطورات الحديثة، فما كان يصلح في الماضي لا يصلح الآن، وهناك بواخر تزيد حمولتها ويزيد الغاطس بها، وهناك بواخر ضخمة جدًا لا تستطيع العبور من قناة السويس، لذا لا بدّ من تطويرها بشكل دائم، لكي تستطيع أن تستوعب أكبر عدد من السفن بأحجامها كافة، ومن هنا يصف الخبير البحريّ اللواء عصام الدين بدوي المشروع "بالواعد"، وأنّ تنفيذ الازدواج الكامل يجعل من قناة السويس "غير قابلة للمنافسة"، وأوضح أنّ هناك فوائد عديدة تنتظرها القناة عقب الانتهاء من هذا المشروع، ومن أهم تلك الفوائد الآتي:تسهيل حركة السفن داخل المجري الملاحيّ للقناة.تقليل زمن الرحلات وهو ما يحسن من كفاءة القناة.زيادة عدد السفن المارة بالقناة.دعم وازدهار التجارة العالمية بالانسيابية المتوقعة.تشجيع التجارة والعلاقات البينية الاستثمارية.وكان رئيس الهيئة العامة لقناة السويس الفريق أسامة ربيع، قد أعلن في وقت سابق عن مشروع ضخم يهدف لازدواج قناة السويس في الاتجاهين، بما يسمح برفع تصنيف القناة وزيادة تنافسيتها، فضلًا عن زيادة القدرة العددية والاستيعابية للقناة، لتصبح قادرة على استيعاب فئات وأحجام سفن الأسطول العالمي كافة، لكنّ هذا الأمر قوبل بحالة من الجدل الكبيرة داخل مصر التي تشهد أوضاعًا اقتصادية صعبة.(المشهد)