تُعاني الجزائر منذ سنوات عدة من ارتفاع حجم النقد المتداول خارج القطاع المصرفي، إذ يشكّل النسبة الأكبر من السيولة المحلية بالبلاد بنسبة 34%، ما دفع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون من حض المواطنين مرارا على إيداع الأموال في البنوك وكان آخرها في يناير الماضي حينما قال: "أوجه آخر نداء للذين قاموا بتكديس الأموال في البيوت لإيداعها في البنوك". ووفق آخر بيانات متاحة من بنك الجزائر المركزي، بلغ حجم النقد المتداول بالعملة المحلية خارج القطاع المصرفي نحو 6.712 تريليونات دينار في عام 2021 (49.5 مليار دولار)، مرتفعا من 6.138 تريليونات دينار في 2020 (45.3 مليار دولار)، ويمثل ما نسبته 34% من الإجمالي النقدي أو السيولة المحلية بالبلاد. فساد سابقدعوات الرئيس الجزائري المتكررة للمواطنين، تأتي بالتزامن مع حملات مكثّفة تقوم بها السلطات لمصادرة "الأموال المكدّسة" وسط أزمة سيولة يعاني منها الاقتصاد المحلي.الخبير الاقتصادي وأستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة الجزائر، العربي غويني، يقول في حديثه مع منصة "المشهد": "الاقتصاد الجزائري مر خلال العهود السابقة بمرحلة من الفساد الكبير وانعدام الثقة ما بين المواطنين والقطاع المصرفي، حيث كانت تُهرّب الأموال بشكل مباشر، ولا يتم تطبيق القوانين الاقتصادية والمالية بفاعلية بسبب هذا الفساد". ويضيف: "هناك أموال مكدّسة خارج السوق الرسمية (..) وأوضاع الاقتصاد الجزائري الراهنة تتطلب تعبئة الموارد المالية للبحث عن تمويل للاقتصاد والاستثمار". وتابع غويني بالقول: "تبون أعلن بشكل مباشر منذ انتخابه بحرب شاملة ضد الفساد، وأيضا استرجاع ثقة المواطنين والمستثمرين في الاقتصاد الجزائري".وفي ديسمبر من العام الماضي، أعلن الرئيس الجزائري، عن نجاح بلاده في استرداد نحو 20 مليار دولار من الأموال المنهوبة للدولة من قبل النظام السابق، فيما قال بعدها بأقل من شهر، في كلمة له إن السلطات اكتشفت أن عائلة واحدة كانت تملك 5 تريليون دينار (36 مليار دولار)". وأشار أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة الجزائر إلى أن بلاده كانت تعاني من تفش واسع بتداولات السوق الموازية سواء للعملات الأجنبية والمحلية، واصفا إياها بـ"المال الفاسد"، ليُشدد على أن "الدولة يجب أن تعمل على وجه السرعة لاسترجاع الثقة بين الذين يملكون الأموال والمصارف". وأظهرت بيانات رسمية صادرة من بنك الجزائر المركزي، عن انخفاض عدد الحسابات المصرفية النشطة بالدينار في عام 2021، لتصل إلى 11.5 مليون حساب مقابل 11.616 مليونا في العام السابق عليه. واعتبر أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة الجزائر، أن ما تقوم به الحكومة في الوقت الراهن بمثابة خطوات لاسترجاع الثقة في القطاع البنكي، مضيفا: "مشروع قانون النقد والقرض الجديد سيكون البداية لمنح الضمانات المناسبة للمواطنين للعودة للتعامل مع البنوك". قانون جديد ومنذ العام الماضي تُعد الحكومة الجزائرية مشروع قانون القرض والنقد، حيث قدّمته مؤخرا إلى المجلس الشعبي الوطني، والذي تجري مناقشات بشأنه داخل إحدى اللجان التابعة قبل إحالته إلى الجلسة العامة للمصادقة. النائب في البرلمان الجزائري وعضو اللجنة المالية بالمجلس الشعبي الوطني، بريش عبد القادر، كشف في حديثه مع منصة "المشهد"، أن اللجنة تجري في الوقت الراهن مناقشات على مشروع القانون وسيتم طرحه أمام الجلسة العامة للمصادقة على نهاية فبراير الجاري. وقال بريش إن "القانون الجديد سيُعزز ويشجّع عملية تداول الأموال عبر الأسواق الرسمية، خصوصا أنه سيعطي قوة أكبر للبنوك لجذب الادخارات وزيادة تداولات الأموال وفق الأطر الرسمية". وعدد عضو المجلس الشعبي الوطني الجزائري أهمية القانون، قائلا:سيساعد على تحديث القطاع البنكي الجزائري لمواكبة أحدث التطورات العالمية. سيعزز القانون من زيادة مكاتب الصرف والوكالات البنكية. يزيد من انتشار التكنولوجيا المالية ووسائل الدفع الإلكتروني عبر إصدار الدينار الرقمي. سيوسع نطاق الصيرفة الإسلامية. يتضمن إنشاء هيئة للاستقرار المالي بالبنك المركزي للتنبؤ بالأزمات واتخاذ القرارات التي تضمن حماية القطاع المصرفي. كما يضم إنشاء هيئة عليا لإدارة وسائل الدفع الإلكترونية.بدوره طالب غويني بأن يعطي القانون الجديد ضمانات كافية للمواطنين من أجل تحفيزهم لإيداع الأموال المكدسة بالبنوك والقنوات الرسمية. وبحسب بيانات بنك الجزائر المركزي، ارتفعت ودائع العملاء بالبنوك خلال عام 2021، بنسبة 16% لتصل إلى 12.492 تريليونا دينار (91 مليار دولار)، من بينها 4.572 تريليونات دينار (33.7 مليار دولار)ودائع من القطاع العائلي (أُسر وجمعيات). تغيير العملة وحول ما إذا كان مشروع القانون يتضمن مواد بشأن تغيير العملة لإجبار المواطنين على الذهاب للبنوك، كما فعلت الهند قبل سنوات من أجل القضاء على الفساد والتهرب الضريبي، قال عضو البرلمان الجزائري: "هذا الأمر بمثابة قرار سيادي وفي أيدي رئيس الجمهورية، ولا يوجد في مشروع القانون الحالي ما ينص على ذلك". وعام 2016، أصدرت الهند تصاميم جديدة من العملات من أجل القضاء على الفساد وتنظيف البلاد من الأموال السوداء حسبما قال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي حينذاك، إذ قررت الحكومة إلغاء العملات القديمة من فئة 500 و1000 روبية ومنحت المواطنين مهلة لتغييرها وإيداعها في البنوك.من جهته، دعا غوين إلى أهمية عمل السلطات الجزائرية على مجموعة من القوانين الأخرى التي تضمن للمستثمرين المزيد من الشفافية في الاقتصاد والاستثمار، في إطار خطتها لجذب الأموال طواعية إلى النشاط الاقتصادي، مشيرا إلى أن بلاده تكافح من أجل بناء اقتصاد متنوع يستطيع مواجهة الأزمة الاقتصادية ولا يتأثر كما حدث من انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية. وأضاف: "يجب أن تكون القوانين الجديدة معززة للقدرة الشرائية للجزائريين، وأيضا تعزز من قيمة الدينار أمام العملات الأجنبية". وفي الوقت الراهن تعاني الجزائر بشكل واضح من تراجع ملحوظ في الكثافة البنكية "عدد السكان لكل وحدة أو وكالة بنكية"، إذ تشير بيانات البنك المركزي إلى أن نسبة السكان العاملين إلى شبابيك الوكالات المصرفية انخفض عام 2021، إلى ما يعادل شباكا مصرفيا لكل 7,293 شخصا في سن العمل، مقابل 7,247 شخصا في عام 2020. (المشهد)