يشهد عام 2025 زخمًا غير مسبوق في عالم الدراما العربية، حيث تتنافس شركات الإنتاج والقنوات الفضائية والمنصات الرقمية على تقديم عشرات الأعمال الدرامية والبرامج المختلفة التي تجذب المشاهدين، للفوز بحصة أكبر من حصيلة الإعلانات خلال شهر رمضان. ومع هذا التنافس المحموم، يبرز سؤال اقتصادي مُلح حول تكاليف هذه الصناعة، وحجم الإنتاج، والمكاسب المتحققة، والخسائر المتكبدة، خصوصًا في ظل الارتفاع المطرد لتكاليف الإنتاج لدى بعض الدول مثل مصر ولبنان وسوريا، وسط تراجع كبير في عُملات هذه الدول، بجانب انخفاض حصيلة الإعلانات مع المنافسة الشرسة مع وسائل التواصل التي اجتذبت حصة كبيرة من الإعلانات على مدار السنوات الأربع الماضية. تكاليف إنتاج ضخمة لدراما رمضانوتتنوع شركات الإنتاج الدرامي العربي 2025، ففي الخليج تتصدر مجموعة "إم بي سي" المشهد، بعد إعلان خريطة إنتاجية ضخمة هذا العام، أبرزها مسلسل "معاوية" والذي يثار حوله معلومات – غير مؤكدة – حول تكلفة الإنتاج بما يوازي 100 مليون دولار، بينما تهيمن شركتا "الصباح للإعلام" و"إيغل فيلم" على الإنتاج في لبنان، مع تركيزهما على الأعمال العربية المشتركة لتغطية التكاليف في ظل تراجع كبير في الليرة اللبنانية في السنوات الأربع الماضية.أما في سوريا، فتوجد شركات إنتاج متوسطة وصغيرة، من بينها "الصباح"، و"بينتالنس" وغيرها من الشركات التي تعتمد على نجوم أكثر لجذب المحطات، وسط قفزة في تكاليف الإنتاج وارتفاع أجور الممثلين الكبار والذي وصل إلى 700 ألف دولار لبعض النجوم، وفق بيانات نشرتها بعض المواقع الفنية السورية المتخصصة. وفي مصر -صاحبة الحصة الأكبر في الإنتاج الدرامي- تقود "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية" الإنتاج بـ40 عملًا متنوعًا خلال الموسم الماضي بين مسلسلات وبرامج، وخلال موسم 2025 تنتج الشركة المتحدة قرابة 22 مسلسلًا تلفزيونيًا متنوعًا بخلاف عدد كبير من البرامج المتنوعة بين الدينية وبرامج الطبخ والبرامج الحوارية، بحسب، رئيس قطاع الإنتاج الدرامي في الشركة المتحدة للخدمات الإعلانية عماد ربيع خلال تصريحات تلفزيونية له مع الإعلامية لميس الحديدي.وكشف عماد ربيع، عن توظيف نحو 5 آلاف عامل وفني خلف الكاميرات في إنتاج مسلسلات رمضان بخلاف الممثلين، موضحًا أنّ "طاقم العمل يصل 170 شخصًا في المسلسلات ذات الـ 15 حلقة، ونحو 250 في المسلسلات ذات الـ 30 حلقة، وأكثر من 250 شخصًا في الأعمال التاريخية والفانتازيا، وهو ما يخلق آلافًا من فرص العمل خلال الموسم الرمضاني.سعدي جوهر: هذه مكاسب وخسائر الموسم الدراميفي السياق، أكد المنتج الفني بشركة "سعدي جوهر"، أحمد علي، أنّ سوق الإنتاج الدرامي قد شهد تحولًا جذريًا خلال الفترة الأخيرة، حيث تم تنظيم السوق بشكل كبير، وأصبحت هناك دراسات اقتصادية دقيقة تُجرى قبل الشروع في أيّ عمل فني أو درامي، وأنّ هذه الخطوات تهدف لضمان نجاح الأعمال الفنية وتفادي الخسائر التي كانت تُلاحق المنتجين في السابق. وأضاف خلال حديث مطول مع منصة "المشهد"، "لقد أصبحت صناعة الدراما أكثر احترافية، حيث يتم تحليل الجدوى الاقتصادية لكل عمل فني بعناية، بما في ذلك دراسة السوق المستهدف، وتكاليف الإنتاج، والعوائد المتوقعة، هذا النهج الجديد يساعد في تقليل المخاطر وضمان تحقيق أرباح معقولة للمنتجين".وبسؤاله عن احتمالية حدوث خسائر خلال الموسم الرمضاني الحالي 2025، أجاب المنتج: "لا أتوقع أن تشهد الشركات خسائر هذا الموسم، وذلك بسبب تطبيق آليات حوكمة صارمة في عمليات الإنتاج، وهذه الآليات تختلف تمامًا عن الوضع الذي كان سائدًا في عامي 2023 و2024، حيث تعرضت العديد من الشركات لخسائر فادحة بسبب الارتفاع الكبير في تكاليف الإنتاج".وأردف قائلًا: "في العام الماضي، كانت التكاليف مرتفعة بشكل غير مسبوق، ما أدى إلى إرباك السوق في 2023 و2024، لكن هذا العام، تم وضع ضوابط أكثر صرامة، ما ساعد في تحقيق توازن بين التكاليف والعوائد". وحول تنوع السوق، أوضح المنتج الفني لدى سعدي جوهر، أنّ "السوق حاليًا متنوع، ورغم وجود شركات عملاقة مثل المتحدة للإنتاج، إلا أنّ هناك تعاونًا كبيرًا بين الشركات الكبيرة والصغيرة، وعلى سبيل المثال، تنتج الشركة المتحدة أكثر من 30 عملًا فنيًا، وتستعين بشركات أخرى في عمليات الإنتاج لتنفيذ هذه الأعمال، وهذا النموذج يساعد في تعزيز التعاون بين الشركات". شركات الإنتاج الصغيرة.. هل تخرج من المنافسة؟وعن قدرة الشركات الصغيرة على المنافسة في ظل ارتفاع التكاليف، قال المنتج الفني، إنه "مع زيادة تكاليف الإنتاج، أصبحت بعض الشركات الصغيرة غير قادرة على المنافسة أو الإنتاج بالشكل الذي كنا نراه قبل سنوات، فأماكن بيع الدراما والبرامج أصبحت معروفة، وهي تميل إلى شراء الأعمال المنتجة من الشركات الكبيرة أو تلك التي تعتمد على أسماء فنية كبيرة لضمان نجاحها التسويقي".وأضاف: "هذا لا يعني أنّ الشركات الصغيرة قد اختفت تمامًا، لكنها أصبحت أكثر انتقائية في اختيار المشاريع التي تشارك فيها، وغالبًا ما تلجأ إلى التعاون مع شركات أكبر لتقليل المخاطر".أجور الممثلين موسم 2025 وتكاليف الإنتاجوبسؤاله عن ما أثير حول ارتفاع أجور الممثلين، نفى أحمد علي، ما يتم تداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن الأجور، قائلًا: "ما تم تداوله عن حصول بعض الممثلين على 40 أو 50 مليون جنيه غير صحيح، فأعلى تكلفة تم دفعها لأشهر الأسماء الفنية في الموسم الحالي بلغت 21 مليون جنيه، مع التحفظ على ذكر اسم الممثل، وهذه الأجور تم تحديدها بناءً على دراسة دقيقة للعائد المتوقع من العمل الفني".وأشار "المنتج" إلى أنّ أسعار وتكاليف الإنتاج شهدت قفزة خلال عام 2025، حيث ارتفعت بنسبة 25% مقارنة بعام 2024، وأضاف: "الصعود الأعنف في التكاليف كان في عام 2023، حيث تراوحت نسبة الزيادة بين 50% إلى 60%، وفي بعض البنود وصلت إلى 100%".وتابع: "جميع المستلزمات الفنية والإنتاجية، بداية من تكلفة النقل وأجور المولدات الكهربائية، مرورًا بأجور الفنيين وخصوصًا مهندسي الصوت، جرى إعادة تسعيرها خلال العامين الماضيين، وأعلى نسبة زيادة كانت لمهندسي الصوت في الأعمال الدرامية، حيث وصلت إلى 70%".السوشيال ميديا وحصة الإعلانات في الأعمال الدراميةورغم مساعي شركات الإنتاج للفوز بالحصة الأكبر من "كعكة" الإعلانات، إلا أن صناعة الإعلان شهدت تحولًا جذريًا نحو المنصات الرقمية، ما ينعكس بشكل مباشر على اقتصاديات الإنتاج الدرامي في العالم العربي، وفقًا لإسراء حسني، المتخصصة في إعلانات الشركات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكشفت أنّ "الشركات بمختلف أحجامها ومجالاتها بدأت في إعادة توزيع ميزانياتها الإعلانية، حيث وجهت ما يتراوح بين 20% إلى 30% من هذه الميزانيات نحو قنوات التسويق الرقمي".وتضيف خلال حديث مع "المشهد"، أنّ "هذا التحول الرقمي يسحب بشكل ملحوظ جزءًا كبيرًا من حصة الإعلانات التي كانت تُوجه تقليديًا إلى القنوات التلفزيونية، وبالتالي، يجد المنتجون الدراميون أنفسهم أمام ضرورة التكيف مع هذا الواقع الجديد".قفزة في تكاليف الإنتاج في سوريا ولبنان ومصر وكشف مصدر في غرفة صناعة السينما التابعة لاتحاد الصناعات المصرية، أنّ تكاليف الإنتاج تضاعفت بأكثر من 200% خلال آخر عامين، ليس في مصر فقط، لكن في الدول التي تنافس بشكل سنوي في الموسم الرمضاني، مثل لبنان وسوريا وارتفاع بنسبة أقل لدى دول الخليج نتيجة الاستقرار المالي والاقتصادي وعدم خفض قيمة العملات.وأضاف، أنه خلال الحديث عن التكاليف الإنتاجية ومدى ملاءمتها لحصيلة الإعلانات علينا النظر إلى عدد من النقاط:شركات الإنتاج التابعة للدول تستهدف من كثافة الإنتاج التأثير الثقافي والاجتماعي للدراما من دون النظر للعوائد، ما صعّب من المنافسة على الشركات الصغيرة. الإيرادات المتحققة من الإعلانات والتوزيع في عصر وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أقل.هناك تداعيات سلبية في عصر الانفتاح الرقمي نتيجة القرصنة الفنية مما يؤثرعلى الإيرادات.الارتفاع المبالغ فيه لأجور بعض الممثلين، فمثلًا أصبحنا نطالع عقودًا تصل تكلفة أجر الفنان قرابة 50 مليون جنيه في مصر، أي ما يوازي (مليون دولار) وهذا عبء كبير على الإنتاج بحسب قوله.وأشار خلال حديث مع "المشهد"، أنه خلال أقل من عام قفزت أسعار الخامات ومستلزمات الإنتاج بأكثر من 80%، وكل هذه التكاليف تحدّ من المكاسب أو العوائد على الأعمال الدرامية، مع استثناء الأعمال المنتجة بدعم من الدول أو من الشركات ذات الميزانيات الضخمة.ارتفاع أسعار الإعلانات لتغطية تكاليف الإنتاج 2025وفي المقابل، ومع الارتفاع الشديد في تكاليف الإنتاج الدرامي والتلفزيوني، قفزت أسعار وتعريفات الإعلان خلال شهر رمضان الكريم بنسبة كبيرة خلال موسم 2025، حيث كشفت مصادر خاصة، قفزة في أسعار الإعلانات لدى عدد من القنوات الفضائية، تصدرتها مجموعة MBC ليقترب الإعلان في أحد البرامج الرمضانية على قناة أم بي سي مصر من تخطي حاجز 3 ملايين جنيه (60 ألف دولار) مع مراعاة زمان وتوقيت الإعلان.كما كشفت خريطة أسعار إعلانات المسلسلات والبرامج لدى الشركة المتحدة للخدمات الإعلانية عن أسعار إعلانات رمضان، ليصل سعر الإعلان 1.5 مليون جنيه (30 ألف دولار) في برنامج الفنان محمد رمضان، وحوالي 750 ألف جنيه (15 ألف دولار) في برنامج نفوس الذي يقدمه الداعية مصطفي حسني والقيمة نفسها في برامج أحلى أكلة. وتبلغ تكلفة الإعلان في برامج مطبخ ستات ونبض الحياة ونور الدين والدنيا وحبر سري واستلام فوري قرابة 600 ألف جنيه، و450 ألف جنيه لبرامج بداية بودكاست و4 شارع شريف والدنيا بخير والعرافة وستاد المحور، و300 ألف جنيه في برنامج رقم 10 وبرنامج ولا تعسروا وبرنامج صباح الخير يا مصر.وعن تكاليف الإعلان في مسلسلات رمضان 2025، فتبدأ من مليون جنيه (20 ألف دولار) وتصل 1.5 مليون جنيه (30 ألف دولار) في المسلسلات الآتية (إخواتي – لام شمسية – تقابل حبيب- شهادة معاملة أطفال- ولاد الشمس – ظلم المصطبة – الكابتن – حسبة عمري – الغاوي – كامل العدد – فهد البطل – النص – عايشة الدور – قلبي ومفتاحة – قلبي عندكو – قهوة المحطة – جودر 2 – الأميرة".(المشهد)