تفقد الأسواق الغذائية في تونس من جديد مادة السكر، على غرار العديد من المواد الأساسية التي تسجّل نقصا حادا و ملحوظا منذ فترة طويلة. وتعمل وزارة التجارة على تلافي هذا النقص وإيجاد حلول لهذا المشكل، من خلال توريد المواد الأساسية ومحاربة الاحتكار والمضاربة اللذان يعمّقان من الأزمة. وأفاد مصدر من وزارة التجارة لمنصة "المشهد"، أنّ تونس نجحت في استيراد كميات بقيمة بـ19.8 ألف طن من الجزائر، وتتواصل هذه العملية طيلة 3 أسابيع، لتصل شحنة أخرى محمّلة بـ18 ألف طن منتصف ديسمبر المقبل.وأكّد المصدر ذاته أنّ هذه الكميات الموّردة من المواد الأساسية، من المفترض أن تساهم في تحسّن العرض ونقص فقدانها في الأسواق إلى غاية نهاية السنة الحالية، في انتظار العمل على توفّرها بالكميات المطلوبة بشكل دائم في السنة المقبلة. أزمة السكّر في تونسوباتت وضعية فقدان المواد الأساسية أمرا يرهق كاهل التونسيين، ويربك عمل التجار ومحلات بيع المواد الغذائية. وكانت تقارير عدة كشفت أنّ الديوان التونسي للتجارة مرّ بوضعية مالية خانقة خلال شهر سبتمبر الماضي، مما انعكس سلبا على التزود بالبضائع من الخارج. وكان قد كشف مسؤول بالديوان التونسي للتجارة في تصريحات إعلامية سابقة، أنّه قد طرأ اضطراب على عمليات التزود بالمواد الأولية الشهرية بسبب صعوبة الحصول على موارد مالية وصعوبة الحصول على قروض من البنوك التونسية، التي باتت تشترط فتح اعتمادات مالية قبل شحن السلع إلى تونس.سعر صرف الدينار ونشرت أخبار أنّ المشاكل المالية للديوان سببها الأساسي ارتفاع الأسعار العالمية في السنتين الماضيتين بشكل كبير جدا وسعر صرف الدينار الذي شهد انخفاضا مقارنة بسعر الدولار والاورو. ويقرّ المحلّل الاقتصادي نجم الدين العكاري أن الأسواق التونسية شهدت مشاكل تزوّد بمادة السكر وعانت من اضطرابات ونقص في عديد الأوقات، "وهو أمر يحدث في كل البلدان الموردة لهذه المادة". ويشير المتحدّث لـ"المشهد" إلى أنّ هناك عاملا آخر يقف وراء هذه الأزمة ويتمثل في المضاربة والاحتكار، خصوصا توجيه بعض التجّار لجزء من الكميات الخاصة بالمستهلكين إلى المصانع، مبيّنا أن السكر "يباع سعره لدى المصنعين مضاعفا (بلا دعم)".وأشار العكاري إلى أنّ "أجهزة الرقابة الاقتصادية قد تصدّت لهذه السلوكات الاحتكارية المتمثّلة في إخفاء السكر أو رفع أسعاره وتمكنت من حجز 845 طنا خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي وقامت بإعادة ضخها في مسالك التوزيع". اختلال في التوزيع من جانبه، يرى رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك في تونس لطفي الرياحي، أنّ أسباب فقدان مادة السكر يعود بالأساس إلى أزمة تزويد وسيولة.ومن جملة الأسباب التي يشير إليها الرياحي، في حديث لـ"المشهد"، والتي نتجت عنها أزمة سكّر في تونس: عدم الحصول متكافئ بين المستهلك والمصنّع على السكر.المصنّعون يتعمّدون شراء كميات كبيرة من السكر المخصص للتصنيع والاستهلاك العادي حتى يتم ضمان مخزونها الاستراتيجي من أجل مواصلة التصنيع.أزمة السكر متواصلة حتى في الفترات القادمة بعد تزويد السوق بالكميات المستوردة من الجزائر.ويوضح الرياحي أنّ السكر مادة أساسية وتدخل في كافة المواد الغذائية المصنّعة وهو ما سيواصل خلق أزمة في ظلّ تواصل ضعف التزوّد بالسكر من الأسواق العالمية.أزمة سكّر عالمية ويشير خبراء إلى أنّ تونس تأثرت بأزمة فقدان مادة السكر العالمية، وذلك نتيجة الاضطرابات الواردة على الإنتاج في تايلاند والهند، أكبر دولتين منتجتين للسكر في العالم، التي تأثرت بالتحولات المناخية وانعكست على أسواق الغذاء العالمية. وانخفض إنتاج السكر بنسبة الخمس تقريبًا في موسم الحصاد لهذا العام في تايلاند بسبب الجفاف الشديد، وقد قفزت الأسعار إلى أعلى مستوى لها عالميا منذ 11 عاما. وكان مدير أكبر شركة تايلاندية لإنتاج السكّر، قد أعلن أن انخفاض إنتاج السكر في البلاد، التي تعد ثاني أكبر مصدر للسكر في العالم، بنحو الخمس في موسم الحصاد القادم بسبب الجفاف وهو ما قد يضع المزيد من الضغوط على السوق العالمية. وأشار، بحسب وكالة "بلومبرغ" للأنباء، إلى أن الإنتاج سينخفض بنسبة 18% ليصل إلى نحو 9 ملايين طن في موسم 2023-2024، حيث إنه من المرجح أن تزداد حدة الحرارة والجفاف الشديدين في السنوات المقبلة، مما قد يدفع بعض المزارعين إلى زراعة "الكسافا" على أمل أن يتحمل المحصول الحرارة بشكل أفضل. ومن المتوقع أن تنخفض صادرات البلاد من السكر إلى 6 ملايين طن العام المقبل، مقارنة بـ8 ملايين طن هذا العام. تداعيات أزمة السكروبالعودة إلى تونس، يؤكد نجم الدين العكاري أنه ليس هناك تداعيات على القدرة الشرائية للمستهلك ناتجة عن أزمة السكّر. مبيّنا أن الأسعار قد حافظت على مستواها وتحمّلت الدولة عبر صندوق الدعم الفارق بين أسعار البيع في السوق العالمية وأسعار البيع في السوق التونسية.وأضاف العكاري أنّ المصنعين قد التزموا بعدم الزيادة في أسعار منتجاتهم من المشروبات والعصائر والحلويات بعد تعديل أسعار السكر المخصص لهم. وينصح خبراء، من أجل تحقيق غاية التخلص من تحمّل انعكاسات الأزمات العالمية على الأسواق الغذائية، من الواجب تحقيق الاكتفاء الذاتي الوطني من هذه المادة في تونس، إلى جانب إصلاح المنظومة الاقتصادية لتغطية الاستهلاك وتكثيف الرقابة. (المشهد)