تتبنّى السعودية خططا طموحة منذ سنوات، لتعزيز تنويع موارد الاقتصاد وعدم الاكتفاء بالنفط كمورد أساسي في الناتج المحلي الإجمالي، إذ يأتي قطاع السياحة على رأس هذه الخطط، ومن بينه قطاع السياحة الدينية الذي تستهدف من خلاله المملكة زيادة الأعداد بنحو 3 أضعاف قبل نهاية العقد الجاري. ووفق رؤية 2030، التي وضعها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لإصلاح الاقتصاد قبل سنوات، سيؤدي 30 مليون مناسك الحج والعمرة على مدار العام، هذا بالمقارنة إلى إحصاءات تشير إلى أنه خلال عام 2022، وصل عدد الحجاج والمعتمرين ما يقرب من 8 ملايين، ونحو 17.3 مليونا في عام 2019 قبل جائحة فيروس كورونا. تنويع الاقتصاد ويُعتبر موسم الحج السنوي في المملكة، أكبر تجمّع للبشر في التاريخ، بحسب ما تقول المؤسسة البحثية "أوكسفورد بزنس غروب" في تقرير لها، مضيفة أنّ "هدف السعودية لاستضافة 30 مليون سائح ديني في عام 2030، هو جزء من هدف أوسع لجذب 100 مليون سائح محلي ودولي سنويا، بما يتماشى مع رؤية 2030". المحلل الاقتصادي نايل الجوابرة يقول خلال حديثه مع منصة "المشهد"، إنّ "الحج والعمرة يُعدّان الأهم في خطط المملكة لتطوير وتعظيم إيرادات القطاع السياحي، لهذا تمتلك السعودية رؤية قوية لتعزيز السياحة الدينية خلال السنوات القليلة المقبلة". ويضيف الجوابرة: "هذه الخطط سيكون معها بالتوازي مشروعات كبرى في قطاعي الضيافة والبنية التحتية بمكة المكرمة والمدينة المنورة. وهذا سينعكس بشكل إيجابي للغاية على الاقتصاد والناتج المحلي الإجمالي، حيث سيمنح الاقتصاد دفعة لتوفير المزيد من فرص العمل سواء خلال المشروعات أو عقب إتمامها". مؤسسة "فيتش سوليوشنز" التابعة لوكالة التصنيفات الائتمانية "فيتش" تقول في مذكرة بحثية نُشرت قبل أشهر، إنّ لديها نظرة إيجابية على نطاق واسع لقطاع السياحة في المملكة العربية السعودية على مدى السنوات القادمة، مؤكدة أنّ "خطة التنويع الاقتصادي في المملكة، تزيد الاهتمام بإمكانات قطاع السياحة في البلاد ودوره في دعم الاقتصاد خلال السنوات القادمة". وتجري المملكة حاليا العديد من مشروعات العقارية والبنية التحتية في نطاق مدن جدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث تقوم بتطوير مطار الملك عبد العزيز الدولي في مدينة جدة بقيمة 35 مليار دولار، لتحسين القدرة المحلية لاستيعاب القادمين، وإضافة محطة مخصصة للحج، والذي من المقرر الانتهاء من التطوير في الربع الأخير من عام 2026. هذا إلى جانب مشروع مترو مكة الذي تبلغ تكلفته 16 مليار دولار، ويتكون من 4 خطوط مترو جديدة لربط المواقع ذات الأهمية الدينية في مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة. بدورها تقول شركة البيانات والاستشارات "GlobalData" في تحليل لها، إنّ هناك 595 مشروعا إنشائيا جاريا إقامتهم في المملكة العربية السعودية اعتبارا من نوفمبر 2022، والتي تركز على تحسين تجربة الحج، واستيعاب عدد أكبر من السياح المتدينين، مشيرة إلى "أهمية مدينة مكة المكرمة تفوق بكثير حجمها بسبب وضعها كأقدس مدينة إسلامية. وهذا يمثل مشكلة محتملة، حيث إنّ العدد الكبير من الحجاج خلال فترة الحج يمكن أن يؤدي إلى العديد من المشكلات مثل ارتفاع أسعار الإيجارات، والاكتظاظ، وهو ما يتطلب إدارة الأمر بشكل فاعل من خلال المشروعات الجديدة". زيادة الأعداد خلال 2022، استقبلت المملكة نحو 900 ألف حاج و7 ملايين معتمِر، ومن المتوقع بحسب "فيتش سوليوشنز"، أن تشهد السعودية نموا في إجمالي عدد الزوار من 4.3 ملايين في عام 2021 إلى 20.1 مليونا في عام 2023، والوصول إلى ما يتجاوز 35 مليونا بحلول عام 2030، مشيرة إلى أنّ السياحة الدينية في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ستظل تمثل غالبية السياح الوافدين. وتضيف "فيتش سوليوشنز": "الدعم الحكومي سيكون القوي المحرك الرئيسي وراء التطور السريع لقطاع السياحة في السنوات القادمة، وأظهرت المملكة خلال العام الماضي التزاما قويا بتطوير القطاع من خلال تبسيط التأشيرات السياحية، وتحسين بيئة الأعمال وإنشاء العديد من الكيانات والصناديق، بهدف تطوير مناطق الجذب السياحي". ومنذ أكثر من عام تطبق المملكة تسهيلات على إجراءات التأشيرات السياحية والزيارة، لتكون إلكترونية وفورية بالكامل للمقيمين في دول مجلس التعاون الخليجي وحاملي تأشيرات أميركا أو المملكة المتحدة أو تأشيرة "شنغن"، وكذلك أصحاب الإقامة الدائمة في دول الاتحاد الأوروبي وأميركا والمملكة المتحدة. كما عززت المملكة من الطاقة الاستيعابية للوحدات السكنية والفنادق المرخصة لإسكان الحجيج ما يقارب 3.3 ملايين حاج تبعا للتطورات الإنشائية في ما يخص الفنادق خلال موسم الحج 2023، مقارنة بـ 1.7 مليون في العام الماضي، بحسب دراسة أعدتها مؤخرا الغرفة التجارية والصناعية بمكة المكرمة. ويعتبر المحلل الاقتصادي نايل الجوابرة خلال حديثه مع "المشهد"، ما تقوم به المملكة من جهود يدلل عليه الزيادة في عدد الحجاج والمعتمرين خلال السنوات القليلة الماضية، خصوصا مع مشروعات التوسعة التي تجريها المملكة منذ سنوات. ويقول الجوابرة: "الوصول إلى هذه الأرقام من الوافدين، تُعتبر داعما كبيرا للاقتصاد الوطني والناتج المحلي، وهذا الجهد الاستثماري في القطاع، سوف يدر على المملكة أموالا كبيرة، ويعزز من خطط تنويع التحول الاقتصادي والاستعداد لعصر ما بعد النفط". وبحسب توقعات صندوق النقد الدولي، فإنّ اقتصاد المملكة سينمو بنسبة 3.1% خلال عام 2023، مع استمرار معدل النمو ذاته سنويا حتى عام 2027. تنامي الإيرادات من المتوقع أن يرتفع حجم سوق الحج في السعودية بحلول عام 2032، إلى نحو 350 مليار دولار، بحسب ما يقول تقرير صادر قبل عام من "FMI"، والذي أشار إلى أنّ حجم سوق الحج خلال عام 2022 بلغ نحو 150 مليار دولار. ولا توجد بيانات رسمية حديثة عن إيرادات موسم الحج، سوى تصريحات من مسؤولي غرفة التجارة والصناعة بمكة المكرمة، حيث نقلت وكالة الأنباء السعودية "واس" في نهاية عام 2021 عن عضو مجلس إدارة الغرفة ورئيس لجنة الاستثمار شاكر بن عساف الشريف قوله: إنّ الناتج المحلي لمدينة مكة المكرمة في المواسم العادية (ما قبل الجائحة)، يصل إلى 168 مليار ريال (45 مليار دولار)، ويستحوذ قطاع الحج والعُمرة من هذا الناتج المحلي على ما يصل إلى 51%. لكنّ وكالة الأنباء الفرنسية، قدرت في تقرير لها إيرادات مناسك الحج والعمرة والزيارات الدينيّة الأخرى على مدار العام، بنحو 12 مليار دولار سنويا. ويرى الجوابرة أنّ السعودية ستحقق إيرادات كبيرة من قطاع السياحة الدينية بشكل مباشر أو غير مباشر خلال السنوات القليلة المقبلة، بدعم من المشروعات الجاري إقامتها أو العدد الطموح المستهدف من الحجاج والمعتمرين، قائلا: "موسم الحج والعُمرة يمثّل مصدر إيرادات كبير بالنسبة لمديني مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويساهم بنسبة لا بأس بها في الناتج المحلي". ويضيف الجوابرة: "السعودية باتت منفتحة على تعزيز دور القطاع السياحة بشكل عام، من أجل إضافة موارد جديدة إلى الناتج المحلي، وهذه الموارد سوف تساعد المملكة لتحقيق نمو اقتصادي مرتفع للغاية". وتؤكد هذا مؤسسة "فيتش سوليوشنز"، والتي تقول في مذكرتها البحثية: "تسريع الأعمال في مشاريع البنية التحتية المتعلقة بالسياحة، وإطلاق استراتيجية طيران ثنائية المحاور، من خلال إطلاق شركة طيران جديدة مقرها في الرياض، وتوسيع الناقل الوطني الحالي، نعتقد ستسهم في تعزيز الوافدين إلى السعودية، وتساعد في تعزيز مكانة المملكة كمركز إقليمي للطيران". ووفق وسائل إعلام سعودية، فإنّ قطاع السياحة ساهم خلال عام 2022 بنسبة 5.3% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، والذي نما خلال العام الماضي بنسبة تفوق 8%، ليسجل نحو 2.975 تريليون ريال (800 مليار دولار). (المشهد)