في الوقت الذي تعمل فيه مصر بشكل مستمر وتبذل جهودا مكثفة لتأمين احتياجاتها من الغذاء والحبوب الاستراتيجية خصوصًا القمح، تسعى كذلك لأن تكون مركزاً عالمياً لتوريد الحبوب والقمح، وتجلى ذلك في التصريحات التي أدلى بها وزير التجارة المصريّ مؤخراً أحمد سمير لوكالة الأنباء الروسية، بأنّ شركة مصريّة أرسلت إلى الحكومة الروسيّة دراسة جدوى لبناء مركز للحبوب في مصر.مركز الحبوب في مصرالوزير المصريّ أوضح أنّ المركز المزمع إنشاؤه يهدف إلى تخزين الحبوب الروسية ومعالجتها والتعامل معها، مما سيساهم في تعزيز التعاون التجاري بين البلدين، مضيفاً أنه يمكن بناء المركز في محافظتي بورسعيد أو دمياط أو في منطقة السخنة التابعة لمحافظة السويس.تصريحات وزير التجارة المصري بشأن استضافة بلاده مركزاً لتخزين الحبوب الروسية أثارت تساؤلات عديدة حول أهداف مصر من تلك الخطوة، ومدى قدرتها على تحقيق ذلك الأمر.في هذا الإطار، ثمّن الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي أبو بكر الديب هذه الخطوة، واصفاً إياها بالهامة والمثمرة، وموضحاً أن: بناء مركز للحبوب الروسيّة في مصر يؤشر إلى عوامل عديدة في مقدمتها، العلاقات الوطيدة التي تجمع بين القاهرة وموسكو ومدى التقارب الكبير بين القيادة السياسية في كلا البلدين.إضافة إلى الترابط الوثيق الذي يخيم على مجتمع رجال الأعمال بين الدولتين، فهناك علاقات تواصل عديدة وزيادة في التبادل التجاري والاستثماري خلال الفترات الماضية بشكل كبير.مقومات مصروعمدت القاهرة طيلة السنوات الماضية إلى إقامة مشروعات قومية كبرى من أجل تخزين كميات كبيرة من الحبوب، وكان في مقدمتها المشروع القومي للصوامع لتخزين القمح وحفظه على أحد نظم تكنولوجيا التخزين وتطبيق النظام الحديثة في إدارتها.وتضمن إنشاء نحو 50 صومعة بسعة تخزينية تقدر بنحو 1.5 مليون طن موزعة على 17 محافظة، لذلك يؤكد الديب على أن مصر تمتلك المؤهلات والقدرات اللازمة التي تؤهلها لاستضافة مركز لتخزين الحبوب الروسية، مشيراً إلى أن: ما يعزز إمكانية تحقيق هذا الأمر هو موقعها الجغرافي الاستراتيجي والمتميز والقريب من خطوط الإمداد. إضافة إلى وجود قناة السويس التي تعتبر ممرًا دوليًا مهمًا، وامتلاك مصر للعديد من الموانئ ذات الفاعلية والكفاءة المهمة لاستقبال شحنات القمح الروسية وإعادة تصديرها مرة أخرى. كما أنها تمثل بوابة للسوق الإفريقي الذي يمثل حوالي 1,4 مليار إنسان، وبالتالي هو سوق استهلاكيّ ضخم للغاية يمكن لمصر الاستفادة من توريد الحبوب الروسية إليه وهذا سيساعد على تحول مصر إلى مركز إقليميّ لتداول القمح في الشرق الأوسط.مكاسب منتظرةوكانت الهيئة العامة للسلع التموينية في مصر أعلنت عن استعدادها لإعادة تصدير القمح الروسي إلى دول ثالثة، بما في ذلك دول في المنطقة العربية وكذلك شمال وشرق إفريقيا، إذا تم بناء مركز التوزيع اللوجستيّ المقترح لقناة السويس، ووفقاً للديب فإن هناك العديد من المكاسب التي ستجنيها مصر من المشروع وذكر من بينها الآتي:توفير تأمين احتياجات مصر من نقص القمح الذي تعاني منه، بالنظر إلى أنّ روسيا من أكبر الدول التي تصدر القمح في العالم.تقليل تكلفة النقل والشحن.توفير الكثير من فرص العمل في الداخل المصريّ.استثمار جديد يضح في شرايين الاقتصاد المصريّ وبالتالي سيعود بالنفع على المواطنين داخل الدولة.تحسين صورة مصر الاستثمارية في الخارج بأنها مركز جاذب للاستثمار.تحول مصر لمركز عالميمن جهته، أبدى المتخصص في الشأن الاقتصادي بجريدة الأهرام المصرية هاني نصر، ارتياحه الشديد لتلك الخطوة، وتوقع في الوقت نفسه أنّ اتجاه مصر لأن تصبح مركزاً للحبوب الروسية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، سيحولها إلى مركز عالميّ لتخزين وتوريد الحبوب الروسيّة ليس للقمح فقط، بل لبقية المحاصيل الزراعية الروسية مثل الذرة والصويا لدول الشرق الأوسط ودول القارة السمراء، ما يساهم في مواجهة أزمة الغذاء العالميّة ويساهم في زيادة الدخل القومي المصري.ولفت نصر إلى أنّ مصر لديها خبرة كبيرة في تخزين الحبوب وتمتلك الإمكانات اللازمة لذلك فإن تحول مصر إلى مركز للحبوب الروسية بالمنطقة، سيقلل من كلفة الشحن والنقل للدول الإفريقية والعربية التي كانت تأتيهم الشحنات من روسيا، إضافة إلى أنه يقلل من الزمن اللازم لوصول تلك الشحنات إليهم.وتعدّ مصر واحدة من أكبر مستوردي القمح في العالم، وعادة ما تستورد ما يقرب من 10 ملايين طن سنويا وتستورد الحكومة حوالي نصف هذه الكمية لتوفير الخبز المدعوم لعشرات الملايين من المصريين، لذا فإن إنشاء مركز للحبوب الروسية داخل البلاد، سيعمل وبكل تأكيد على تأمين غذاء ملايين المصريين من أهم سلعة استراتيجية لهم وهي القمح، في ظل تحديات عديدة تواجه الغذاء العالمي.(المشهد)