لا تزال تبعات أزمة إفلاس بنك "سيليكون فالي" الأميركي مستمرة، حيث تواجه بنوكا أميركية مشاكل في السيولة إثر حالة الهلع التي أصابت المستثمرين والمودعين خوفا من فقدان أموالهم، ما يُنذر ببزوغ أزمة مالية عالمية جديدة مثل تلك التي هزّت العالم في عام 2008.لكن ما يحدث في الواقع وفقا لمحللين وخبراء اقتصاد أقل مما يتم تداوله، حيث إن الأزمة على الرغم من أنها أصابت العديد من الشركات التكنولوجية والمستثمرين، إلا أن اقتصادا قويا مثل اقتصاد الولايات المتحدة من الطبيعي أن يكون قادرا على احتوائها بفضل لوائح وقوانين أُعدت بعد أزمة 2008 المالية. ما السبب وراء أزمة بنك "سيليكون فالي"؟ ويرى المدير التنفيذي لشركة VI Markets في مصر أحمد معطي في حديث لمنصة "المشهد" أن المشكلة تفاقمت بسبب خوف المودعين والمستثمرين فقط لا غير، "حيث نرى خسائر لدى أغلب الأسهم والبنوك الأوروبية مثل دوتشه بنك وباركليز وغيرهما، بينما كندا أيضا تشهد أزمة لأن سيليكون فالي يمتلك فروعا فيها حيث تم محو نحو 14 ملايين دولار من بنوكها بسبب هلع المستثمرين وأصحاب الودائع". وخرجت دول عدة لتُطمئن الناس مثل بريطانيا التي قالت إن أزمة "سيليكون فالي" "محددة وليست لها آثار على البنوك الأخرى العاملة في البلاد"، مؤكدة أن "النظام المصرفي البريطاني وهو أحد أهم الأنظمة المصرفية في العالم يبقى قويا ومرنا". وذكرت صحيفة "فاينانشال تايمز" أن الحكومة البريطانية تسعى لإبرام صفقة للاستحواذ على الذراع البريطانية لفرع بنك سيليكون فالي، مع وجود عرض من مستثمر من الشرق الأوسط. فيما أكدت الكويت بدورها أن تأثير الأزمة سيكون "ضئيلا جدا" على البنوك المحلية، مشيرة إلى أن "البنوك تمتلك مصدات مالية كبيرة". كما قالت بنوك صينية إن لديها هياكل مؤسسية سليمة وميزانية عمومية تعمل بشكل مستقل، في محاولة واضحة لتهدئة العملاء المحليين. ثقة المستثمرين تهتز لكن بحسب معطي فإن "الفكرة هي أن الجهاز المصرفي يعتمد على الثقة، فمثلما حدث في عام 2008، فكرة أن بنك في دولة استثمارية كبرى بحجم الولايات المتحدة يحدث بها أزمة مثل هذه الأزمة بالطبع سيؤثر ذلك على نفوس المستثمرين من أفراد ومؤسسات وضعت أموالها في هذا البنك والبنوك الأخرى". وهو ما أكده المحلل والخبير الاقتصادي الأميركي جيمس هنري، مشيرا لـ"المشهد" إلى أنه "لا يوجد نقص في السيولة في حد ذاتها، لكن هناك حالة من فقدان الثقة في بعض المؤسسات المالية الرئيسية وعدم اليقين بشأن ما سيفعله المنظمون، ما يُهدد بالتصاعد إلى المزيد من عمليات تشغيل البنوك والانتشار إلى مؤسسات أكبر وأكثر عالمية".ويضيف هنري أن "الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة، إذ ستواجه بعض البنوك الأخرى عمليات سحب كذلك، لأن أكثر من نصف شركات التكنولوجيا المدرجة في البورصات لأول مرة في عام 2022 راهنت مع بنك سيليكون فالي SVB، الذي انهار يوم الجمعة". شركات التكنولوجيا في ورطة ويقول المحلل الأميركي إن "العديد من الشركات الكبيرة مثل سيركل وبايونير وبلوك فاي، كان لديها ودائع ضخمة لم تغطها مؤسسة التأمين الفدرالية. لذا فهي في ورطة". لكن هنري يرى أن الأزمة الدائرة "مصطنعة، لكنها تتطلب استجابة حكومية قوية، إلا أن هناك انقسام داخل الحكومة الأميركية حيث يرى مسؤولون أنه يجب على الحكومة التنحي والسماح لهذه التكلفة الباهظة التي تتكبدها شركات التكنولوجيا والبنوك المعتمدة عليها لتشعر بعواقب سلوكها المحفوف بالمخاطر". من جهته، يرى الخبير الاقتصادي زيد البرزنجي من واشنطن في حديثه لـ"المشهد" أن الأزمة الأساسية كانت بسبب رفع أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الفيدرالي الأميركي، "لأن سيليكون فالي كان يستثمر بودائع المودعين في سندات الحكومة طويلة الأمد والتي تأثرت بتأثر أسعار الفائدة عموماً حيث كانت فهذه السندات كانت تحمل مستويات فائدة متدنية إثر أزمة وباء كورونا، لكن الآن ارتفعت أسعار الفائدة لمحاربة التضخم". هل تتكرر أزمة 2008 المالية؟ ويوضح المحلل أنه "عندما ترتفع أسعار الفائدة تنخفض قيمة السندات الحكومية لذلك حسابيا قيمة السندات على الورق لم تتغير ولكن قيمتها في السوق تغيرت حيث كشفت أن هناك خسائر كبيرة للبنك"، مشيرا إلى أنه كان يمكن تجاوز الكارثة إذا تحلى المودعين بالصبر قليلا". لكن البرزنجي يتفق مع المعطي في فكرة أن "القضية ليست منتشرة في بنوك كثيرة لكن سيجري هناك نوع من المراجعة لبنوك أخرى يشابه وضعها لوضع سيليكون فالي"، قائلا إن الأزمة "لن تؤثر على العالم إذا كان هناك تأثير عام فهو تأثير ارتفاع أسعار الفائدة حول العالم ما يؤدي إلى مشاكل كبيرة جدا مثل الإفلاس وغيره". ولدى سؤاله عما إذا كانت ستتكرر الأزمة المالية لعام 2008 اليوم، يقول الخبير أحمد معطي إنه "سيكون هناك أزمة مالية للبنوك خصوصا لو رأينا أن بنكا آخر حدثت له نفس المشكلة، لكنني لا أعتقد أن الأزمة ستتوسع مثلما حدث في 2008 لأن العالم تعلم من الأزمة هذه ووضع لها معايير مثل ما يحدث في الولايات المتحدة حيث أقدمت السلطات الأميركية على إقفال وغلق بنوك سيليكون فالي وأكدت ضمان ودائع المودعين". ما الحلول التي تتخذها السلطات للحد من أزمة السيولة؟ وفيما يخص الحلول التي قد تلجأ إليها الولايات المتحدة للحد من أزمة السيولة وتخفيف حالة الهلع لدى المودعين، يشير معطي إلى أن "واشطن تدرس القانون الذي أعد عام 2008 بعد الأزمة المالية لتضع شروطا أخرى، فمثل بنك SVB كان يتعامل مع المستثمرين من دون ضمانات أو بضمان أسهم الشركة التي ستُنشأ وهو ما يشكل خطرا كبيرا في حال فشلت تلك الشركة، خصوصا وأن أغلب الشركات التكنولوجية تضررت بفضل الأزمة الروسية الأوكرانية لهذا نرى تسريحات بالجملة لموظفي أكبر الشركات التكنولوجية في الولايات المتحدة". ويضيف أن "الولايات المتحدة تعمل على صندوق للمنظمين يدعم المزيد من الودائع في البنوك، كما لا بد من تشديد القوانين بضمانات الأصول الموجودة". وكانت مؤسسة التأمين الفيدرالية، وهي وكالة حكومية مستقلة تؤمن الودائع المصرفية وتشرف على المؤسسات المالية، قالت إن جميع المودعين المؤمن عليهم سيحصلون على حق الوصول الكامل إلى ودائعهم المؤمن عليها في موعد أقصاه صباح الاثنين، كما عرضت على موظفي بنك "سيليكون فالي" 45 يوما من العمل وصرف ضعف رواتبهم. من جانبها نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر مطلعة قولها الأحد إنه من المتوقع أن تصدر الحكومة الأميركية إعلانا "جوهريا" لدعم الودائع في البنك المنكوب، والحيلولة دون اتساع نطاق التداعيات. وقالت المصادر إن مسؤولي إدارة الرئيس جو بايدن عملوا على تقييم تداعيات انهيار البنك، وهو الأكبر منذ الأزمة المالية لعام 2008، مع التركيز بشكل خاص على قطاع رأس المال المخاطر والبنوك الإقليمية.(المشهد)