تتجاوز العقوبات الإسرائيلية على الفلسطينيين مشاهد القصف والحصار والقتل والاعتقال، فلا يوجد مواجهة بين الجانبين، إلا وقامت إسرائيل بتوظيف الاقتصاد كأداة للمجابهة والعقاب لفرض مخططاتها السياسية.اقتطعت الحكومة الإسرائيلية أموال الضرائب الفلسطينية، وهذه الأموال وفق اتفاقات السلام المؤقتة، تجمعها وزارة المالية الإسرائيلية نيابة عن السلطة الفلسطينية، وهي أموال الواردات والجمارك وجباية الضرائب، وتحولها شهرياً إلى السلطة، فيما يعرف بأموال المقاصة، ويثير هذا الترتيب خلافات مستمرة وفقاً للأحداث السياسية والميدانية الحاصلة. ورداً على عدم إدانة السلطة الفلسطينية لعملية طوفان الأقصى التي وقعت في الـ7 من أكتوبر، أغلقت إسرائيل الباب على نحو 200 ألف عامل فلسطيني كانوا لديها، فيما جمّد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، أموال المقاصة الفلسطينية، الأمر الذي اعتبرته الرئاسة الفلسطينية "قرصنة وعقابا جماعيا للشعب الفلسطيني بأكمله". أهمية أموال المقاصةفي السياق، يقول الأكاديمي المختص في الشأن الاقتصادي د. سمير حزبون إن "أموال المقاصة مصدر الدخل الأساسي للحكومة الفلسطينية، وتشكل نسبتها 60% من إجمالي الإيرادات المالية الفلسطينية، بينما تتوزع النسبة المتبقية على الإيرادات التي تتم جبايتها محلياً، وتعتبر العمود الفقري لفاتورة رواتب 250 ألف موظف عمومي، وبقية الخدمات التي تقدمها الحكومة للشعب الفلسطيني مثل التعليم والصحة، وهذا كله متوقف منذ بداية الحرب". وحول عدم تسلم السلطة الفلسطينية أموال المقاصة من الجانب الإسرائيلي، يرى د. حزبون في حديث لمنصة "المشهد" أن ذلك يعني "عجز وشلل الحكومة الفلسطينية عن صرف أجور موظفيها، ويترتب عنه نتائج سلبية على السوق الفلسطينية، وخسائر ستطال تأثر القوة الاستهلاكية التي تعاني ضعفا كبيرا منذ اندلاع الحرب، فيما ستصل الخسائر القطاع المصرفي، وبورصة فلسطين، وستتراجع المعامل الصناعية العاملة في السوق المحلي وكذلك الاستيراد". تجميد إسرائيل لأموال السلطة الفلسطينية ومن وجهة نظر الأكاديمي والخبير الاقتصادي طارق الحاج حول عدم إفراج السلطات الإسرائيلية عن أموال السلطة الفلسطينية فهناك 3 تداعيات على السلطة الفلسطينية جراء ذلك: أولاً: الاتجاه المالي، أي إضعاف للموارد المالية للسلطة، وبالتالي لا تستطيع أن تقوم بمهامها ولا تفي بالتزاماتها، وأقلّها دفع رواتب الموظفين، ناهيك عن الأموال التي يجب ضخها للقطاع الصحي والتعليمي.ثانياً: الاتجاه الاجتماعي، أي تزعزع ثقة الجمهور الفلسطيني بالسلطة، وكذلك التذمر من صعوبة الأوضاع المعيشية، وقد يكون هناك ردات فعل لا يحمد عقباها، ما بين السلطة والمواطنين.ثالثاً: الاتجاه السياسي، أي الضغوط على السلطة الفلسطينية لتقديم تنازلات على حساب المستوى النضالي الفلسطيني بالحرية والتحرر، أو على مستوى أداء القائمين بالسلطة على مدار 30 عاما.إسرائيل ولي ذراع السلطة الفلسطينيةمن جانبه، يصرح د. واصل أبو يوسف القيادي الفلسطيني البارز لمنصة "المشهد" بأن "ما تقوم به حكومة الاحتلال الإسرائيلي من قرصنة وسرقة أموال المقاصة الفلسطينية، يندرج في إطار الحرب الشاملة للشعب الفلسطيني، حرب الإبادة في غزة، والجرائم المتصاعدة في مدن الضفة الغربية". ويضيف أبو يوسف "أن إسرائيل تهدف من وراء هذه الإجراءات، كسر إرادة الشعب الفلسطيني وتهجيره من أرضه، سواء إلى الأردن أو سيناء المصرية، وشطب القضية الفلسطينية، وهي حاولت مراراً وتكراراً خصم الأموال التي تدفع إلى عائلات الشهداء والأسرى منذ سنوات طويلة لكن القيادة الفلسطينية رفضت الخضوع لهذا الابتزاز".وأشار د.أبو يوسف إلى أنه "بعد السابع من أكتوبر، تحاول إسرائيل منع دخول الرواتب على أهالي قطاع غزة، لكن السلطة رفضت مجدداً هذه السياسة وهذا التدخل"، مضيفاً "على الرغم من كل الضغوطات الدولية على إسرائيل، من أجل تحويل أموال المقاصة إلى السلطة إلا أنها مازالت ترفض تماماً، ونحن مازلنا مصرين على موقفنا ولن نخضغ لها". إجراءات إسرائيلية تقود لتفجير الضفة الغربية من جانبه، يقول إلحنان ميلير الباحث والمحلل السياسي في حديث خاص مع منصة "المشهد":هذا الإجراء الإسرائيلي تجاه السلطة الفلسطينية القديم الحديث، لن يصب في مصلحة إسرائيل ولا السلطة الفلسطينية، إنما سيعمق وسيؤسس لانفجار وشيك في القدس والضفة الغربية، بفعل تردي الوضع الاقتصادي للفلسطينيين المرافق للحرب.الوضع الاقتصادي للسلطة الفلسطينية ضعيف وهش جداً، ولم تتمكن من دفع رواتب الموظفين الحكوميين منذ اندلاع الحرب.من الضروري على إسرائيل أن تحول أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية، من أجل ضمان استقرارها وهذا سينعكس على الشارع الفلسطيني، وبالتالي علينا في إسرائيل.وأضاف ميلير أن "ما ترتكبه الحكومة الإسرائيلية خطأ فادح وكبير، ومن الأفضل أن تتراجع إسرائيل عن هذا القرار وهذه الخطوة ليس في مصلحتنا لأنها ستفجر الوضع الميداني المشتعل أصلاً قبل الحرب". (المشهد)