تُعاني شعوب العالم من ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار السلع والخدمات منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، والتي تسببت في المزيد من اختناقات سلاسل الإمداد التي كانت بالكاد تُكافح التداعيات غير المواتية لانتشار "كوفيد-19". لكن على الرغم من كل التداعيات المرتبطة بالتضخم العالمي التي تشير التوقعات إلى انحساره خلال عام 2023، ليتراجع إلى 6.5% من 8.8% في 2022 وفق صندوق النقد الدولي، طفت على السطح خلال الأسابيع الماضية أزمة جديدة تُهدد أحد أهم الأطباق الرئيسية للمستهلكين وهي الصعود القياسي لأسعار البيض، إذ ارتفعت الأسعار بأكبر نسبة مئوية مقارنة بمختلف السلع أو الخدمات الأخرى في العديد من البلدان. وشهدت الولايات المتحدة، التي تعتبر أكبر منتج للدواجن في العالم ومنتج رئيسي للبيض، ارتفاعا في أسعار البيض بنسبة 138% خلال 2022 ليصل سعر تكلفة دزينة البيض "عبوة تحوي 12 وحدة" من الدرجة الأولى نحو 4.25 دولارات في المتوسط من 1.79 دولار في عام 2022، وفق شبكة "سي إن بي سي" الأميركية.بينما في بريطانيا ارتفع سعر عبوة تحوي 6 بيضات إلى 1.95 جنيه إسترليني في يناير الجاري، مما جعلها أغلى بنسبة 30% مما كانت عليه في بداية عام 2022، حسبما تذكر صحيفة "ميرور" الإنجليزية، التي أشارت إلى أن ذلك يرجع نتيجة ارتفاع الطلب على البيض في السوق الإنجليزية خلال عيد الميلاد المجيد.أسعار "الأعلاف" لم تكن الأسواق العربية بعيدة عن مستجدات الأسواق العالمية، إذ تكشفت مؤخرا أزمة أسعار البيض.وبحسب ما تشير إليه الأسعار المتداولة في الأسواق المحلية، صعد سعر بيض الاستهلاك في تونس بنسبة تتجاوز 40% خلال عام 2022، بينما زادت الأسعار في السوق المصرية بأكثر من 50%، وفي السوق الجزائرية بما يقترب من 35%. الخبير الاقتصادي الجزائري الدكتور مراد كوشي، أكد في حديثه مع منصة "المشهد" أن السبب الرئيس وراء ارتفاع تكاليف البيض في الأسواق العربية يكمن بشكل أساسي في زيادة أسعار الأعلاف بسبب نقص الحبوب نتيجة الصراع الروسي الأوكراني.وأضاف أن السوق الجزائرية تحديدا تواجه إلى جانب ذلك "شجعا من التجار وانتهازهم الفرص لزيادة الأسعار بمعدلات أكبر من زيادة التكاليف". وأوضح كوشي أن "السوق المحلي يشهد ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار الأعلاف، وأصبح منتجو الثروة الداجنة غير قادرين على تحمل هذه التكاليف المرتفعة". بدوره، يقول رئيس الجمعية التونسية لمنتجي بيض الاستهلاك، حسيب الفخفاخ في تصريحات لمنصة "المشهد": "جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتزيد من معاناة المنتجين الصغار خصوصا بعد ارتفاع أسعار الأعلاف بشكل كبير"، مؤكدا في ذات السياق أن ذلك أدى أيضا إلى نقص أمهات البيض (الدجاج المُنتج للبيض). وأوضح الفخفاخ أن تأخير تسليم الأعلاف حاليا أدى إلى تأخر الإنتاج لأكثر من 5 أشهر، و"هناك العديد من الشركات التي أعلنت إفلاسها وتواجه محاكمة قضائية بسبب مديونياتها". ويتفق حديث الكوشي والفخفاخ مع ما قاله رئيس شعبة الدواجن في غرفة التجارة المصرية الدكتور عبدالعزيز السيد لمنصة "المشهد"، إذ أشار إلى أن صعوبة استيراد الحبوب الداخلة بصناعة الأعلاف خلال الأشهر الماضية "أثّر بشكل كبير على الصناعات كافة بداية من مصانع الأعلاف إلى مصانع تسمين وتربية الدواجن وحتى مصانع البيض، ما استدعى إلى خروج الكثير من المنتجين عن العمل". ووفق مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الغذاء (الفاو) ارتفعت أسعار الحبوب إلى مستويات تاريخية في 2022، إذ سجّل مؤشر أسعار الحبوب 154.7 نقطة وهو المعدل الأعلى منذ عام 2005. وتُصنع أعلاف الدواجن من حبوب 4 أعلاف رئيسية وهي الذّرة والذّرة الرفيعة والشعير والشوفان، بحسب ما تقول وزارة الزراعة الأميركية عبر موقعها الإلكتروني. وتُعتبر أوكرانيا وروسيا من أهم منتجي ومصدري الحاصلات الزراعية وخاصة الحبوب والبذور الزيتية، وبحسب المفوضية الأوروبية، تُمثل أوكرانيا وحدها ما نسبة 10% من سوق القمح العالمي و15% من سوق الذّرة و13% من سوق الشعير.أزمات سابقة أعرب رئيس الجمعية التونسية لمنتجي بيض الاستهلاك، عن أسفه مما آلت إليه الأسعار في السوق التونسية وقال "كانت السوق التونسية تُنتج البيض بكميات كبيرة في السابق وتُصدّر الفائض إلى ليبيا التي قررت قبل أعوام الاعتماد على السوق التركية ما كان لذلك تأثير سلبي ومؤشر على بداية انهيار السوق". وأضاف "بعد سنوات من انتعاش إنتاج البيض محليا ودخول العديد من الشركات الكبرى والصغرى منذ عام 2011، بدأ السوق بداية من عام 2014 يشهد تخمة في المعروض، مما أدى إلى تخارج الكثير من المنتجين الصغار بعد تحقيق خسائر ضخمة". واتهم الفخفاخ الشركات الكبرى في التحكم بالأسعار، مشيرا إلى أن "السوق المحلية لا يوجد به حاليا سوى الشركات الكبرى وهي التي تتحكم في الأسعار وفي كل شيء يتعلق بإنتاج الدواجن وبيض الاستهلاك، بداية من الأعلاف وأمهات البيض وصولا إلى منافذ التوزيع في الأسواق". بدوره أكد الخبير الاقتصادي الجزائري أن السوق يتعرض من حين إلى آخر لفائض في الإنتاج قائلا "لا يمكن أن يكون في كثير من الأحيان وفرة في الإنتاج وتراجعا بالأسعار يؤدي إلى إفلاس وتوقف المنتجين. وفي أحيان أخرى خصوصا مع اقتراب شهر رمضان يكون هناك ارتفاع كبيرة ومتلاحقة في الأسعار". ما الحلول؟واعتبر الخبير الاقتصادي الجزائري أن سوق الفلاحة المحلي يحتاج إلى تدخل وإعادة تنظيم بشكل مباشر من قبل الحكومة.وقال إن التنظيم "يجب أن يهدف إلى تحقيق التوازن في السوق والأسعار والتكاليف". وشدد كوشي على أهمية تحديد منافذ وأسواق محددة للمنتجين المحللين سواء في الجزائر أو بباقي البلدان العربية، للبيع بشكل مباشر مع المستهلكين بما يسهم في خفض الأسعار ويمنع "استغلال" تجار التجزئة. وتابع "هذا أمر يمسّ الأمن الغذائي(..) والتدخلات الحكومية لتنظيم سوق الفلاحة ضرورة لرفع الأعباء عن المواطنين". وأوضح أن هذه الأزمة تُكشف عن ضرورة مُلحة لتعزيز الأمن الغذائي في البلدان العربية، ويجب العمل على تعزيز منتجات الثروة الداجنة.وأضاف "الأمن الغذائي بالنسبة للبلدان العربية يجب ألا يقل أهمية عن الأمن العسكري وأمن الطاقة، بل هو في المقام الأول، لذا من الأهمية تشجيع الاستثمارات في هذا القطاع والصناعات المرتبطة به مثل صناع الأعلاف من أجل تقليل الاعتماد على الخارج". فيما طالب رئيس الجمعية التونسية لمنتجي بيض الاستهلاك، من السلطات توفير الدعم الحقيقي لقطاع الثروة الداجنة خاصة صغار المربين والمنتجين عبر توفير الأعلاف فضلا عن إتاحة التمويل والقروض المالية الميسرة.(المشهد)