حالة من الترقب المصحوبة بالحذر الشديد، انتابت عموم المصريّين بعد سويعات قليلة من إعلان البنك المركزيّ المصري رفع أسعار الفائدة 600 نقطة أساس، والسماح بأن يتحدد سعر الصرف "وفقًا لآليات السوق"، وهو ما تسبب في خفض قيمة الجنيه نحو ثلث قيمته أمام الدولار الأميركي، بعد أن وصل سعر صرف الدولار في البنوك إلى نحو 49 جنيهًا، بعدما استقر سعره خلال الفترة الماضية عند حاجة 31 جنيهًا تقريبًا.وفي الوقت الذي يرى فيه الاقتصاديون أنّ قرار تحرير سعر الصرف يمثل الحل الأمثل لتجاوز الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشهدها البلاد منذ سنوات، وتسببت في شحّ العملات الأجنبية وارتفاع معظم أسعار السلع ونقص بعضها، إلّا أنّ هناك تخوفًا لدى الكثير من المواطنين، من أنّ هذا القرار من الممكن أن يزيد من أعبائهم المعيشية الصعبة.تساؤلات عديدة كانت حاضرة وبقوة على ألسنة العديد من المصريّين، عقب قرارات البنك المركزي، خصوصًا مع قرب حلول شهر رمضان، تعلقت معظمهما حول جدوى تلك القرارات ومدى تأثيرها على أوضاع المواطنين الذين يكافحون أزمات خانقة، وأوضاعًا اقتصادية مأسوية.يقول يوسف جبر، 38 عامًا، وهو متزوج ولديه طفلان: "أشعر بقلق شديد من تعويم الجنيه، ولا أعلم توابع هذا الأمر على احتياجاتي الأساسية من السلع الغذائية التي أتناولها أنا وأسرتي بشكل يومي"، مضيفا "حتى الآن لم أقوم بشراء السلع الخاصة بشهر رمضان، ولا أعلم هل سأستطيع شراءها أم لا، في ظل الارتفاع الكبير الذي يسود أسعارها في الأسواق".الحكومة تطمئن المواطنينوخلال متابعته اليوم في الإفراج على السلع والبضائع التي كانت متكدسة بميناء الإسكندرية، أكد رئيس الحكومة المصرية الدكتور مصطفى مدبولي، أنّ هناك تنسيقًا وتعاونًا يتم بين مختلف أجهزة الدولة، لتيسير مختلف الإجراءات اللازمة للإفراج الفوريّ عن السلع والبضائع، وبما يُمكّن من التدخل السريع لتذليل أيّ عقبات، وأضاف مدبولي، "شغلنا الشاغل مع التجار في المرحلة المقبلة، هي ضبط الأسعار، لتعكس السعر الحقيقيّ والواقعيّ للسلع".ووجه مدبولي رسالة للمواطنين قائلًا: "المواطن يجب أن يطمئنّ الآن"، موضحًا أنّ الحكومة لديها روشتة حقيقية لعلاج المشكلات كافة.وفي خضمّ حالة الضبابية التي تشهدها الأسواق داخل البلاد، وفي ظل التخوف الذي يساور الكثير من المصريّين من جرّاء تحرير سعر الصرف، أوضح الأمين العام لاتحاد الغرف التجارية في مصر علاء عز الدين أنّ حل أزمة نقص العملة سيساعد الحكومة في التركيز على مواجهة التضخم وارتفاع الأسعار، مشيرا إلى أن الأيام الصعبة مرت، والآن هو وقت مواجهة المشكلة التي عاناها المصريون لفترات طويلة.وذكر عز الدين ، في تصريحات خاصة لمنصة "المشهد" أن ارتفاع سعر الدولار في المصارف الحكومية بنحو 49 جنيهًا، رافقه انهيار سعر الصرف في السوق السوداء، والذي كان قد وصل إلى 70 جنيهًا للدولار، وهذا يعني أنّ السعر المعتمد لتسعير السلع، أصبح أقلّ من الموجود حاليًا في الأسواق، ومن ثم سيكون لهذا الأمر تأثير مباشر على الأسواق خلال الفترة الحالية.وأكد أنّ انخفاض الأسعار سيكون على حسب نسبة المكوّن الأجنبيّ في السلعة نفسها، فعلى سبيل المثال (الزيت والفول ) تكلفة استيرادهما 85%، وبالتالي ستكون أسعارهما مرتفعة للغاية، في حين أنّ المنتجات الخاصة بالألبان كلفتها الاستيرادية 18% فقط، ومن ثم فأسعارها ستخفض بنسبة كبيرة.وللمرة الأولى منذ وقت طويل، شهدت مصر اليوم الإفراج عن كميات هائلة من الشحنات والسلع الأساسية الموجودة بالموانئ المختلفة، حيث كان تكدُّسها يمثّل مشكلة وعائقًا أمام توافر السلع الغذائية والأساسية، ومستلزمات الإنتاج الضرورية للمصانع، وبلغت القيمة النهائية للسلع الاستراتيجية ومستلزمات الإنتاج المُفرج عنها خلال الفترة من أول مارس 2024 حتى أمس، بحسب تصريحات لرئيس الحكومة مصطفى مدبولي، نحو 230.90 مليون دولار بالنسبة للسلع الاستراتيجية، ونحو 464.03 مليون دولار بالنسبة لمستلزمات الانتاج.ويرى عز الدين، أنّ الافراجات الحكومية المتتالية عن الكثير من البضائع، ستعمل وبلا أدني شك على تحقيق وفرة في مختلف السلع والخدمات، وهذا سيؤدي إلى خلق منافسة بين الشركات والماركات المحلية والمستوردة، وبالتالي سيكون هناك استقرار داخل الأسواق.اتفاق مع كبار التجار على التخفيضوحول الإشكالية الحاصلة الآن بخصوص أسعار السلع المرتفعة، نتيجة لاستيراد الكثير منها من قبل التجار بسعر مرتفع للدولار قبل حدوث التعويم، كشف عز الدين عن وجود اتفاق تم إبرامه بين الاتحاد العام للغرف التجارية مع كبار التجار والمستوردين، على حلحلة هذه المشكلة، وذلك عن طريق دمج السلع التي تم الحصول عليها أثناء ارتفاع سعر الدولار عند مستوي 70 جنيهًا، مع السلع التي سيحصل عليها التجار بالسعر الحاليّ للدولار، وهو 49 جنيهًا. وأوضح الأمين العام لاتحاد الغرف التجارية أنّ هذا الاتفاق ساعد في نزول الكثير من السلع بشكل فوريّ بدءًا من اليوم، متوقعًا مزيدًا من الانخفاض على العديد من السلع قبل بدء شهر رمضان.بدورها، توقعت المدير العام للمركز الدوليّ للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى في مصر الدكتورة هدى الملاح، لم تتفق مع وجهة نظر الرجل، حدوث تأثير سلبيّ في الأسعار، ومعاناة للمواطنين، خصوصًا وأنّ القرارات جاءت قبل أيام من حلول شهر رمضان، وبالتالي سيتأثر المواطنون بشدة في أثناء شراء متطلباتهم لهذا الشهر.وأضافت الملاح في حديثها مع منصة "المشهد" أنّ متوسط الدخل بالبلاد منخفض، ومعظم السلع يجري استيرادها من الخارج، ومن ثم فإنّ انخفاض القوة الشرائية للجنيه أمام الدولار، سيؤدي إلى أزمة كبيرة للمواطنين ما لم يتم اتخاذ بعض الإجراءات واتّباع بعض السياسات الإصلاحية والتي من أبرزها الآتي:الاهتمام بزيادة الإنتاج المحلّي وتوفير مستلزماته.تشجيع الشباب على القيام بمشروعات صغيرة ودعمهم وتوفير القروض لهم بفوائد مخفضة.تشديد الرقابة على أسعار التجار بشكل مستمر وفاعل.وبحسب الأمين العام لاتحاد الغرف التجارية علاء عز الدين، فإنّ سعر الصرف سيكون هو المتحكم في أسعار السلع هبوطًا وارتفاعًا، ولكن ما تم تحويله من سيولة دولارية من صفقة رأس الحكمة، كان البداية الحقيقية التي أعطت الضوء الأخضر للبنك المركزيّ المصريّ للإقدام على هذه الاجراءات، وأيضًا التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدوليّ على قرض بقيمة نحو 11مليار دولار، بالإضافة إلى تواصل مئات المستثمرين من مختلف دول العالم مع كبار المسؤولين المصريّين منذ أمس.(المشهد)