تشهد أسعار الأسهم في فرنسا انخفاضاً حاداً بسبب حالة عدم اليقين السياسي التي تحيط بالبلاد، جاء هذا التراجع بعد فوز مفاجئ لحزب الائتلاف اليساري المتطرف في الانتخابات التشريعية مساء الأحد. في بداية التعاملات صباح الاثنين، شهدت الأسواق الفرنسية تقلبات، حيث شهد مؤشر كاك 40 انتعاشاً مؤقتاً بعد انخفاضه في التعاملات المبكرة، لكنه هبط بشكل حاد قبل الساعة 11 صباحاً بتوقيت وسط أوروبا، ومنذ ذلك الحين، استمرت الأسعار في تقلبات نحو الانخفاض. وتعتبر الحكومة القوية والمستقرة في باريس ركيزة أساسية لاستقرار الاتحاد الأوروبي، مما يستدعي تعاوناً بين القوى السياسية المختلفة لتحقيق الاستقرار وتنفيذ السياسات التي تهم المواطنين، بما في ذلك القضايا الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. تحذيرات بعد الانتخابات الفرنسية في السياق، حذّر وزير الاقتصاد والمال الفرنسي برونو لومير الاثنين من خطر "أزمة مالية" و"تراجع اقتصادي" يطرحه "المعطى السياسي الجديد" في فرنسا الناجم عن انتخابات تشريعية لم تنبثق عنها أي غالبية. ورأى برونو لومير الذي يتولى هذه الحقيبة الوزارية منذ العام 2017 عند وصول إيمانويل ماكرون إلى الرئاسة، عبر منصة إكس أن "تطبيق برنامج الجبهة الشعبية الجديدة" التي تصدرت انتخابات الأحد "سيقضي على نتائج السياسة التي طبقناها في السنوات الـ7 الأخيرة". تعليقا على ذلك، قال الخبير الاقتصادي أحمد المعطي في حديث لمنصة "المشهد" إن "عدم وجود أغلبية في البرلمان ينقل فرنسا لما يسمى بالبرلمان المعلق، ما يعنى أن أي تمرير مشروع قانون أو تشريع جديد سيحتاج إلى الرأي الثلاثي في البرلمان (اليسار – الوسط – اليمين)، الذين هم بالأساس مختلفون في الرأي". وأضاف المعطي أن "الاقتصاد الفرنسي سيدخل في صراعات قادمة، خصوصا إذا لم توجد تحالفات مستقبلية، على سبيل المثال بين اليسار وحزب ماكرون". وبرأي معطي "الفائز الأكبر هو ماكرون، وهو سعيد بالنتيجة، إذ إن هدفه في الأول كان عدم صعود اليمين المتطرف، وهدفه الثاني في ظل عدم وجود برلمان موحد الوصول إلى المواطنين مجددا".البرنامج الاقتصادي لليسار وقدمت الجبهة الشعبية الجديدة (تحالف اليسار الراديكالي) برنامجا اقتصاديا، تضمن العديد من النقاط، أبرزها: وضع حد أقصى لأسعار السلع الأساسية مثل الوقود والأغذية. رفع الحد الأدنى للأجور إلى صافي 1600 يورو شهريا. رفع أجور العاملين في القطاع العام.فرض ضريبة الثروة وإدخال تعديلات على ضريبة الميراث.وقف مشاريع بناء الطرق السريعة الجديدة. اعتماد قواعد لمكافحة هدر مياه الشرب. إلغاء تعديلات نظام التقاعد التي نفذها ماكرون والعمل من أجل عودة سن التقاعد إلى الستين. إنهاء إجراءات التقشف التي فرضت بموجب قواعد ميزانية الاتحاد الأوروبي. إدخال تعديلات على السياسات الزراعية المشتركة مع أوروبا. وبرأي المعطي فـ"البرنامج الاقتصادي لليسار متوازن، لكن يواجه تحديات وصعوبات، لأن البرلمان معلق، على سبيل المثال البرنامج سيقلل مرة ثانية عمر التقاعد لـ60 سنة، وهذا الأمر سيفيد المواطنين لكن سيزيد من عجز الموازنة في فرنسا". ويشير المعطي إلى أمر آخر في برنامج اليسار، هو أن "الضرائب ستكون تصاعدية، وبالتالي كلما زاد الدخل، ستزيد الضرائب، والأشخاص ذوو الدخل المحدود يمكن ألا يضطروا إلى دفع ضرائب، أي سيأخذ من الأكثر غنى، ليتم إنفاقها على الأشياء الأخرى". وتشير تقديرات معهد مونتين إلى أن تعهدات الحملة الانتخابية لحزب الجبهة الشعبية الجديدة سوف تتطلب نحو 179 مليار يورو من الأموال الإضافية سنويا.رؤية ميلونشونومن بين السياسات الأخرى، تريد المجموعة تنفيذ زيادة بنسبة 10% في أجور الموظفين الحكوميين، وزيادة إعانات الإسكان بنسبة 10%، وتوظيف المزيد من المعلمين والعاملين في مجال الرعاية الصحية، وإلغاء إصلاح نظام التقاعد الذي اقترحه ماكرون. وتأتي هذه التعهدات في وقت لا تتمتع فيه الصحة الاقتصادية في فرنسا بأفضل حالاتها، وفقا لتقارير. بلغ عجز الميزانية في فرنسا 5.5% من الناتج الاقتصادي في عام 2023، وهو ما يفوق بكثير هدف الحكومة البالغ 4.9%، وهذه هي النتيجة التي رافقها تخفيض التصنيف الائتماني من قبل ستاندرد آند بورز في مارس. ورغم الطريق غير المؤكد الذي يمضي به المشهد السياسي الفرنسي، فقد أشار بعض المحللين إلى أن الجمود السياسي الوشيك في البلاد قد يكون في واقع الأمر سبباً في تهدئة بعض المستثمرين.ويرى محللون أنه بشكل عام، نظرًا لكون المجموعات الثلاث (تحالف اليسار، تحالف اليمين المتطرف، ومعا) بعيدة كل البعد عن الأغلبية، يمكن للمستثمرين تقدير أن النتائج جعلت من الممكن تجنب أسوأ العواقب المحتملة. ولكنْ هناك خطر من أن مرشح اليسار المتشدد جان لوك ميلونشون يتم تعيينه رئيسًا للوزراء، وحتى لو لم يتم تعيينه، فإن المأزق البرلماني سيعيق الجهود الرامية إلى موازنة المالية بشكل دائم، حسب تقديرات مؤسسة التحليل المالي كابيتال إيكونوميكس.الجبهة الشعبية الجديدة، التي جاءت في المرتبة الأولى، أثارت قلق الأسواق بشكل خاص بسبب برنامج الإنفاق الخاص بها في سياق صعب للغاية بالنسبة للمالية العامة. لكن في الوضع الراهن، يبدو أن الأسواق لا تؤمن بحكومة تنتج عن هذا الائتلاف الانتخابي الذي يفتقد 100 نائب لتحقيق الأغلبية المطلقة. العجز العام في فرنساوبلغة الأرقام، من الضروي الإشارة إلى أن صافي دين الإدارات العامة في الربع الأول ارتفع إلى 110.7% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 109.9% في نهاية عام 2023، وفقا للصحفي والخبير الاقتصادي الفرنسي فريديريك بيانشي.وفيما يتعلق بالعجز العام، قامت الحكومة في أبريل بتعديل مساره إلى 5.1% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024 مقارنة بـ4.4% التي كانت مأمولة في البداية.وبشكل ملموس، ستنفق الدولة هذا العام 144 مليار يورو أكثر من إيراداتها. وإذا أضفنا 156 مليار يورو من تسديد الديون التي تستحق في عام 2024، فإن ذلك يرفع احتياجات التمويل للبلاد إلى 295.8 مليار يورو.ووفقًا لحسابات معهد مونتين، يمكن أن يصل العجز إلى حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027، إذا تم اتباع خطة اليسار.ويتصور برنامج ميلونشون زيادة في الإنفاق العام بنحو 150 مليار يورو بحلول عام 2027، وهو ما سيتم تعويضه بالكامل وفقًا لحساباته من خلال زيادة في الإيرادات.لكن وفقا لأرقام مستقلة، فإن الإنفاق سيكون أعلى بأكثر من 80 مليار يورو سنويا من حسابات الائتلاف السياسي، أو حوالي 230 مليار يورو على الأقل.وبحسب الصحفي بيانشي، تتحمل الجبهة الشعبية الجديدة التكلفة الكبيرة لبرنامجها وعدم كفاية التدابير الضريبية وحدها لتمويله."الاستهلاك الشعبي"وهي في الواقع تراهن على أن الإنفاق العام سيخلق المزيد من الثروة، وفقا لتأثير مضاعف قوي بشكل خاص، يسمى أحيانا "الاستهلاك الشعبي" من قبل بعض قادة الجبهة الشعبية الجديدة". ويبدو أن هذا البرنامج يصعب الحفاظ عليه في حالة الاقتصاد الفرنسي.وفي مذكرة صدرت يوم الاثنين، أشارت مؤسسة أودو المصرفية، إلى المحاولات السابقة لتنفيذ سياسات الإسراف بشكل علني. في عام 1981، أدت سياسة الإنعاش الكينزية التي كانت تتعارض مع ما كانت تفعله البلدان المجاورة لفرنسا إلى توسيع العجز الخارجي وأجبرت على تخفيض قيمة الفرنك مرات عدة، كما يوضح برونو كافاليير، كبير الاقتصاديين في أودو.بعد ذلك بعامين، في مواجهة ملاحظة الفشل نقطة تحول نحو سياسة التقشف التي تهدف إلى استعادة التوازنات الخارجية والميزانية الرئيسية. والفرق مقارنة باليوم هو أن الدين العام كان 23% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1981، أما اليوم فقد وصل إلى 111%.(المشهد)