هجرةُ الأدمغة ليس مصطلحا جديدا إذ إنه منذ أربعينيات القرن الماضي عانت العديد من الدول من هجرة رؤوس أموالها البشرية إلى بلدان أخرى توفر حياة وفرص عمل أفضل. لكن كيف يؤثر ذلك على الدول التي يغادروها؟ وما مدى إمكانية عودتهم؟ وما هي سلبيات هذه الظاهرة وإيجابياتها؟ تابعوا القراءة لمعرفة المزيد.تعريف هجرة الأدمغةتُعرف هجرة الأدمغة Brain Drain على أنها هجرة الموارد البشرية الماهرة لأغراض التجارة والتعليم والعديد من القطاعات الأخرى، إذ إن هناك حاجة إلى مهنيين مدربين في كل جزء من العالم، وتحدث هذه الظاهرة من البلدان النامية إلى البلدان المتقدمة.ومع ذلك، فإن تحسين مستويات المعيشة ونوعية الحياة والرواتب الأعلى والوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة، والظروف السياسية الأكثر استقرارا في البلدان المتقدمة، تجذب المواهب من المناطق الأقل نموا، ما يتسبب بمشاكل عديدة لتلك المناطق التي تشهد بالتالي نقصا في الموارد البشرية.تاريخ هجرة الأدمغةاستُخدم تعبير "هجرة الأدمغة" لوصف ظاهرة هجرة الكفاءات من العلماء والتكنولوجيين إلى كندا والولايات المتحدة في أوائل خمسينيات القرن الماضي. وكان أول من صاغ هذا التعبير المتحدث باسم الجمعية الملكية في لندن.تم توسيع المعنى لاحقا، ليشمل الهجرة الواسعة للأشخاص ذوي المهارات التقنية إلى البلدان الأجنبية بسبب نقص الفرص في بلدانهم، وفي حين أن معدل حدوث هذه الظاهرة أعلى في بعض الدول، فقد صنفت أستراليا على أنها الدولة ذات أدنى معدل لهجرة الأدمغة.في عام 2000، كان ما يقرب من 175 مليون شخص أو 2.9% من سكان العالم، يعيشون خارج بلدانهم الأصلية لأكثر من عام. من بين هؤلاء، كان حوالي 65 مليونا من الناشطين اقتصاديا.وقد شمل هذا الشكل من الهجرة التي تعرف أيضا بهجرة رأس المال البشري في الماضي، العديد من المهنيين الصحيين والعلماء في العديد من المجالات المختلفة، لأسباب عديدة بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة في وطنهم.هجرة الأطباءوظهرت الهجرة الدولية لأول مرة كمصدر قلق رئيسي للصحة العامة في الأربعينيات، عندما هاجر العديد من المهنيين الأوروبيين إلى المملكة المتحدة والولايات المتحدة، إذ انتقل ما يقرب من 90% من جميع الأطباء المهاجرين إلى 5 دول فقط:أسترالياكنداألمانياالمملكة المتحدةالولايات المتحدةفي عام 1972، كان حوالي 6% من أطباء العالم (140 ألف شخص) موجودين خارج بلدانهم الأصلية، وخصوصا في الدول الثلاث الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا.أسباب هجرة الأدمغةهناك العديد من الأسباب التي تشعل المرء يأخذ قرار الابعاد عن وطنه، ومنها نذكر: عدم الاستقرار السياسي.تدني مستوى المعيشة.محدودية الوصول إلى الرعاية الصحية.نقص الفرص الاقتصادية.قلة الأجور.فوائد هجرة الأدمغةعلى الرغم من أن البلدان النامية قد تفقد أفضل عمالها، فمن الممكن أن يكون هناك العديد من الفوائد للسماح للمهاجرين بالمغادرة والعمل في الدول الأخرى أو مكان آخر.اكتساب المزيد من الخبرة: قد يكتسب العمال المزيد من الخبرة ومن العمل في بلدان أخرى، ويمكن بعد ذلك استخدام هذه المعرفة عند عودتهم وإنشاء أعمال تجارية في بلدانهم الأصلية.إرسال الأموال: غالبا ما يرسل العمال المهاجرون تحويلات مالية إلى عائلاتهم في بلدانهم الأصلية، ما يمكن أن يساهم بشكل كبير في ميزانية المدفوعات وتحسين الناتج المحلي الإجمالي، ويمكن للتحويلات أن تمكن الاستثمار.الهجرة قصيرة الأجل: حيث غالبا ما يعود العديد من العمال الذين ينتقلون إلى وظائف ذات أجور أعلى بعد سنوات عدة.ارتفاع مستويات المعيشة للأجور الحقيقية: حرية حركة العمالة ورأس المال ليست طريقة واحدة فقد حرصت الشركات متعددة الجنسيات على الاستثمار في أوروبا الشرقية للاستفادة من انخفاض تكاليف العمالة والأسواق المتنامية، وأدى النقص النسبي في العمالة إلى قيام الشركات برفع الأجور الحقيقية.سلبيات هجرة العقولمثلما توجد فوائد لهجرة الأدمغة، فهناك سلبيات لا يمكن إنكارها، منها: إيرادات ضريبية أقل من خسارة ضريبة الدخل: يقدم العمال الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و60 عاما أكبر مساهمة في الشؤون المالية للبلاد لأنهم يدفعون ضريبة الدخل، لكنهم لا يتلقون معاشات تقاعدية أو إنفاقا على التعليم. من المتوقع أن تشهد بلدان البلطيق ذات صافي الهجرة الكبيرة ارتفاعا في نسبة الإعالة.نخفاض في التنافسية: يمكن أن يؤدي النقص في العمالة الماهرة إلى رفع الأجور بشكل أسرع من الإنتاجية. يمكن أن تؤدي التحويلات المرسلة إلى الوطن أيضا إلى ارتفاع سعر الصرف، كذلك يمكن أن تؤدي التحويلات أيضا إلى انخفاض المعروض من العمالة، لأن الذين يتلقون تحويلات لديهم حافز أقل للعمل في مقابل أجر منخفض في الساعة.خسارة رواد الأعمال المحتملين: الذين يهاجرون يميلون إلى أن يكونوا الأقدر على المخاطرة. المهاجرون هم رواد أعمال محتملون إذا بقوا في بلدهم الأصلي فقد يؤسسون شركة من شأنها أن تسهم في النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل.نقص العمال المهرة الرئيسيين: غالبا ما يكون العمال المهرة (الممرضات والأطباء والمهندسون هم الذين يجدون أنه من الأسهل الهجرة إلى البلدان ذات الدخل المرتفع). هذا يمكن أن يجعل البلد الأصلي يفتقر إلى العمال. وفقا لمجلة "إيكونوميست"، فإن فقدان العمال المهرة مشكلة كبيرة في العديد من اقتصادات أوروبا الشرقية، إذ تظهر استطلاعات الرأي لطلاب الطب البلغاريين أن 80-90% يخططون للهجرة بعد التخرج. بينما انخفض عدد السكان العاملين في لاتفيا بنسبة 25% منذ عام 2000.تكاليف غير اقتصادية: إذا هاجر الشباب العمال المهرة، يُمكن أن يكون لهذا تأثير على المؤسسات السياسية والاجتماعية مع تمثيل أقل من الشباب الخريجين الطموحين في المؤسسات السياسية.نمو أقل: وفقا لصندوق النقد الدولي، حتى مع مراعاة تأثير التحويلات تسبب صافي الهجرة في انخفاض الناتج المحلي الإجمالي عما كان يمكن أن يكون من دون صافي الهجرة.البلدان ذات أعلى معدلات هجرة الأدمغةمشكلة هجرة الأدمغة أو هجرة العقول منتشرة بشكل أكبر في البلدان النامية، حيث يغادر الأفضل والأذكى من البلاد سعيا وراء الاستقرار.يكتسب الفرد المزيد من الفرص الوظيفية بالإضافة إلى وضع مالي أفضل في البلد الجديد، في حين أن البلد الذي غادر منه يعاني من فقدان إمكانات كبيرة تتلخص في ضعف التنمية الاقتصادية.فيما يلي بعض الدول التي لديها أعلى معدلات هجرة الكفاءات:سامواجامايكافلسطينميكرونيسياالصومالهناك العديد من البلدان الأخرى التي تعاني من مشكلة هجرة العقول هذه، مثل ملاوي وغانا وهايتي والكاميرون وزيمبابوي وأوغندا وجزر القمر والسودان، وكابا فيردي وسوريا وكينيا ومالي وإريتريا والسلفادور، وتوغو وبوركينا فاسو وأفغانستان وبنغلاديش وغيرها الكثير.حلول للحد من هجرة الأدمغةويمكن أن تكون لهجرة العقول أو هجرة الأفراد ذوي المهارات العالية أو التعليم العالي من بلدانهم الأصلية آثار سلبية على اقتصاد وتنمية البلد الذي يعاني من فقدان المواهب.وفيما يلي بعض الحلول الممكنة للحد من هجرة الأدمغة:تحسين فرص العمل والأجور: تتمثل إحدى طرق الحد من هجرة الأدمغة في جعل بقاء الأفراد ذوي المهارات العالية في أوطانهم أكثر جاذبية من خلال توفير فرص عمل جيدة ورواتب تنافسية.الاستثمار في التعليم والتدريب: هناك طريقة أخرى للحد من هجرة العقول وهي الاستثمار في برامج التعليم والتدريب للمساعدة في إعداد الناس لوظائف المستقبل. وهذا من شأنه أن يساعد في إنشاء شبكة من العمال المهرة القادرين على المساهمة في النمو الاقتصادي للبلاد.تعزيز ريادة الأعمال: يمكن أن يساعد تشجيع ريادة الأعمال في خلق فرص عمل جديدة وتوفير بديل للهجرة للأفراد ذوي المهارات العالية.تحسين ظروف المعيشة: يمكن لتحسين ظروف المعيشة، مثل البنية التحتية والخدمات العامة، أن يجعل بقاء الناس في بلدانهم أكثر جاذبية.تنفيذ سياسات للاحتفاظ بالعمال المهرة: يمكن للحكومات أن تنفذ سياسات تيسر بقاء العمال ذوي المهارات العالية في البلد، مثل منح تأشيرات العمل أو إجراءات المواطنة السريعة.تعزيز التعاون الدولي: يمكن لتشجيع التعاون الدولي والشراكات الدولية أن يساعد في خلق فرص للعمال المهرة للبقاء في بلدانهم الأصلية مع استمرار قدرتهم على العمل في المشاريع الدولية.بناء نظام بيئي داعم للابتكار: يمكن أن يساعد إنشاء نظام بيئي داعم للابتكار مثل من خلال تمويل البحث والتطوير، على جذب واستبقاء الأفراد ذوي المهارات العالية المهتمين بمتابعة الأفكار والتكنولوجيات الجديدة.هجرة الأدمغة تعتبر مشكلة للبلدان والشركات ويجب معالجتها، وذلك عن طريق ملء وتحويل الحلقة المفرغة التي يتركها المهاجرون في البلاد، إذ إنه على الرغم من أن هجرة العقول تؤثر على البلدان المتقدمة مثل نيوزيلندا، فإنها بطبيعة الحال لها تأثير أكبر على الدول النامية.للمزيد:- هجرة الادمغة المغربية(المشهد)