بعد قطع إمدادات الغاز الإيراني، شهد العراق أزمة كهرباء متصاعدة ضربت البلاد، ترافقت مع تراجع في معدلات إنتاج الطاقة الكهربائية بنحو 9 آلاف ميغاوات، حيث يعتمد العراق على المحطات الحرارية والغازية التي تعمل بالنفط والغاز المحلي، إضافة للغاز المستورد من إيران.وفي نهاية شهر نوفمبر الماضي، أعلنت وزارة الكهرباء العراقية، توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل إلى البلاد، مما أدى إلى فقدان 5500 ميغاواط، وأكدت وكالة الأنباء العراقية الرسمية، أن التوقف جاء لأغراض الصيانة التي ستستمر فقط لمدة 15 يوماً، إلا أن الغاز الإيراني توقف تماماً منذ ذلك التاريخ.قطع الغاز الإيراني عن العراقوكان العراق قد بدأ في العام 2017، استيراد الغاز من إيران، كما وقعت الحكومة العراقية في مارس الماضي عقداً مع طهران لاستيراد 50 مليون متر مكعب من الغاز يومياً ولمدة 5 سنوات، لكن أعلنت إيران بشكل مفاجئ إيقاف تصدير الغاز الطبيعي المعتمد في تغذية محطات توليد الطاقة الكهربائية، بذريعة إصلاح خطوط الأنابيب الناقلة للطاقة. وعلى الصعيد الدولي، أبلغت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايد، بغداد، اعتزام إدارة الرئيس الجديد دونالد ترامب، عدم منح استثناء جديد لاستيراد الغاز الإيراني، الذي سينتهي في منتصف مارس القادم، ما جعل العراق يسعى لإيجاد حلول سريعة لتعويض الغاز الإيراني. وعلى إثر ذلك، بدأ العراق بالبحث عن وسائل أخرى لإنتاج الكهرباء، سواء من خلال الاستيراد من دول أخرى مثل تركمستان وقطر، أو إيجاد بديل عن الغاز الإيراني عن طريق البدء ببناء محطات كهربائية تعتمد على حقول الغاز المحلية، أو تفعيل إنتاج الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية.وفي السياق، قال رئيس اللجنة النيابية للكهرباء والطاقة، النائب محمد نوري العبد ربه، في حديث لـ"المشهد" إن: اللجنة النيابية اجتمعت الأسبوع الماضي، وتم التصويت على فقرات تنظيم الطاقة المتجددة، في خطوة تهدف إلى استكمال الإجراءات اللازمة لإرسال مشروع القانون إلى رئاسة مجلس النواب للتصويت عليه.اللجنة تسعى لتعزيز استخدام الطاقة المتجددة في العراق، وتقليل الاعتماد على المصادر التقليدية للطاقة بما يتماشى مع التوجيهات العالمية للحفاظ على البيئة وتحقيق الاستدامة.نقص الكهرباء في العراق وحول نقص الكهرباء في العراق، أوضح العبد ربه، أنه يوجد إفراط في عملية استخدام الكهرباء، حيث يمكن أن يصل إنتاج الطاقة الكهربائية إلى 27 ألف ميغا، إذا ما استخدمت بطريقة صحيحة، كما يمكن توفير أكثر من 20 ساعة كهرباء يومياً، إذا ما جُبيت الأموال التي تُستخدم الكهرباء لأجلها، سواء كان في دور سكني أو قطاع خاص تجاري أو صناعي.وأكد العبد ربه، أن العراق يعاني من هدر للكهرباء بشكل كبير جداً، هذا الهدر موجود في قطاع الدولة والقطاع الخاص والقطاع المنزلي، على اعتبار أنه لا توجد جباية، وهذه مشكلة كبيرة يعاني منها العراق، إذا لم تتم معالجتها لن يكون هنالك استقرار للكهرباء، حتى لو أنتجنا كميات أكبر، أو شغلّنا محطات أكثر من الموجودة حالياً.مشروع الطاقة الشمسية وحول مشروع توليد الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية، كشف العبد ربه لمنصة "المشهد"، أن قسم من الشركات وقّعت عقوداً لتوليد الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية، لكن لا يوجد شيء على أرض الواقع، لوجود بعض المتنفذين في وزارة الكهرباء، الذين يرغبون في إفشال هذا المشروع.وأوضح العبد ربه، أن مبادرة البنك المركزي، خصصت ما يقارب 800 مليار دينار عراقي لمشروع الطاقة الشمسية، لإعطاء قروض للمواطنين لتركيب الألواح الشمسية، وضغطنا كثيراً لتفعيل هذا المشروع، لكن لم نصل إلى أي نتيجة، بسبب بعض المتنفذين الذين لا يرغبون بتفعيل المشروع.ويرى مراقبون، أن العراق ما زال غير قادر على التخلّي عن الغاز الإيراني المستورد، وأن الفساد في المؤسسات المعنية بهذا الملف، تعيق تنظيم إنتاج الغاز، أو إيجاد حلول بديلة عن الغاز الإيراني، خصوصا مع تراجع ساعات التغذية الكهربائية في وسط وجنوب العراق، وخروج الأهالي في احتجاجات تطالب بالتيار الكهربائي.هل يتخلى العراق عن الغاز الإيراني؟ وفي ظل إيقاف استيراد الغاز الإيراني، ومحاولة العراق لتعويض النقص، تساءل خبراء، عن مدى إمكانية العراق على التخلي عن الغاز الإيراني، عن ذلك يقول الخبير في شؤون النفط والغاز، الدكتور كوفند شيرواني، إن: العراق متعاقد مع إيران لشراء الغاز الطبيعي بمقدار 50 مليون متر مكعب يومياً لمدة 5 سنوات، لكن الشهر الماضي، تم إيقاف هذه الامدادات، ما أدى إلى تراجع تجهيز الطاقة الكهربائية في العراق إلى حدود 7 آلاف ميغاواط.أصلاً العراق يعاني شحا كهربائيا قدره 18 ألف ميغاواط، بالتالي أدى إيقاف الاستيراد إلى تعاظم العجز في الطاقة الكهربائية.وعن مشروع الغاز التركمستاني، أوضح شيرواني، أن استيراد الغاز التركمستاني، هو اتفاق ثلاثي بين إيران وتركمستان والعراق، مضمونه أن تصدّر تركمستان الغاز إلى إيران، وتقوم إيران بالمقابل، بتصدير الغاز إلى العراق، ويسدد العراق ثمن الغاز التركمستاني، بالتالي هذا الاتفاق هو فقط حيلة لتجنّب تحويل المبالغ المالية إلى إيران، حيث تخضع إيران للعقوبات الأميركية التي تحول من دون استلامها للأموال، مضيفاً: إشكالات التعامل مع إيران، وتفادي العقوبات الأميركية ستبقى دائما حاضرة، لذلك لا بد للعراق أن يعثر على بدائل عن الغاز الإيراني أو التركمستاني.العراق إذا أكمل خططه في استثمار الغاز الطبيعي سيستغني عن استيراد الغاز بشكل كامل من إيران وغيرها.تستثمر وزارة الكهرباء حوالي 70% من الغاز المحروق في حقول النفط، ومن المتوقع أن يتوقف حرق الغاز الطبيعي في العراق في العام 2028.إذا زادت الكميات المنتجة، يمكن للعراق أن ينتقل إلى مرحلة التصدير، وتحقيق موارد مالية من مبيعات النفط الخام.وكشف شيرواني أن العراق يمتلك احتياطات كبيرة من الغاز الطبيعي، تقدّر بأكثر من 132 ترليون قدم مكعب، مما يجعله في المرتبة 13 من حيث احتياطات الغاز على مستوى العالم، لكن للأسف هذه الكميات الضخمة غير مستثمرة بشكل جيد، إضافة إلى التأخر في الاستثمار طوال عقدين من الزمن، لكن في السنوات الأخيرة، وفي ظل حكومة محمد شياع السوداني، شهدنا تسارعا في مشاريع استثمار الغاز، وتقليل العجز في الكهرباء المجهزة للمواطنين.العجز الإيراني وبعد استمرار قطع الغاز الإيراني عن العراق، رأى خبراء أن الأسباب التي قدمتها إيران غير واضحة، وأن السبب المباشر والمعلن من الجانب الإيراني، وهو صيانة خطوط الأنابيب الإيرانية الناقلة للغاز إلى العراق، غير مقنع، خاصة مع استمرار قطع الغاز بعد انتهاء المدة المحددة للصيانة بـ 15 يوماً.ويقول المختص في الشأن الإيراني، وجدان عبد الرحمن، أنه نظراً للاضطرابات الاقتصادية في إيران والاحتجاجات المحلية، فإن قطع الغاز عن العراق يبدو خيارًا محتملاً لتعويض العجز الداخلي، لذلك يتعين على العراق الاستعداد لهذه الاحتمالية، من خلال تنويع مصادر الطاقة، والبحث عن حلول بديلة لتجنب الاعتماد المفرط على الغاز الإيراني.وكشف عبد الرحمن أن إيران تعاني فعلاً عجزا في الطاقة، سواء في الغاز أو الكهرباء، وعلى الرغم من محاولاتها تقليل استخدام المازوت، اضطرت في النهاية إلى العودة لاستخدامه، لكن ذلك لم يكن كافيًا لحل أزمة الطاقة داخل البلاد.ورغم أن إيران تُعد من بين الدول المنتجة للغاز، حصتها في الغاز تتجاوز حتى حصة قطر، التي أصبحت اليوم واحدة من الدول الرئيسية التي يعتمد عليها العالم في إنتاج وتصدير الغاز، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة بسبب نقص التمويل اللازم لتطوير شركات الطاقة وإعادة هيكلتها. وفي كثير من الأحيان، تقوم إيران بقطع الكهرباء عن المواطنين، وعن الشركات الكبرى والصغرى، وكذلك عن الدوائر الحكومية والمؤسسات التعليمية، بما في ذلك المدارس والجامعات، بسبب هذا العجز، ومع ذلك، لم تتمكن هذه الإجراءات من حل أزمة الطاقة داخل إيران. بحسب عبد الرحمن.ويرى عبد الرحمن، أن قطاع الطاقة في إيران تراجع خلال الفترة الماضية، وأدى لخسائر اقتصادية، خاصة بالنسبة للشركات الصغيرة مثل المخابز ومزارع الدواجن، التي تعتمد على الغاز والكهرباء، نتيجة لذلك، اندلعت بعض الاحتجاجات، وإذا استمر هذا الوضع، فقد يؤدي إلى احتجاجات أكبر وأكثر تعقيدًا يصعب السيطرة عليها، مضيفاً: حتى لو تمكنت إيران من شراء الغاز من قطر أو تركمانستان، سيكون من الصعب عليها الوفاء بالتزاماتها تجاه العراق وتوفير الطاقة المطلوبة وفقًا للاتفاقية، خصوصا إذا لم تتمكن من سد النقص الداخلي في البلاد.(بغداد - المشهد)