يبدو أن الهبوط الحاد في قيمة الليرة اللبنانية مستمر نحو هاوية مجهولة، على خلفية الاختلاسات والشغور الرئاسي، وبينما سقط أكثر من ثلاثة أرباع السكان تحت خط الفقر.ولأن المصائب لا تأتي فرادى، لبنان يستعد لدخول القائمة "الرمادية" لمجموعة العمل المالي. والهدف: القضاء على أنشطة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.وأصبح غسل الأموال لا يقتصر على العمليات التقليدية مثل الاتجار بالبشر وبالمخدرات، بل يتضمن أيضا عمليات فساد قام بها مسؤول استخدم نفوذه للحصول على أموال.في حالة لبنان، تبرز قضية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي أصدرت ألمانيا اليوم مذكرة توقيف بحقه "بتهم فساد وتزوير وتأليف عصابة لتبييض الأموال والاختلاس".3 مصادر مطلعة كشفت لرويترز أنه من المرجح أن يدرج لبنان على القائمة "الرمادية" للدول الخاضعة لرقابة خاصة بسبب مثل هذه الممارسات غير المرضية.وسيكون إدراج لبنان على القائمة بمثابة ضربة كبيرة أخرى لدولة تعاني من انهيار مالي منذ عام 2019 وتكافح للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.وعبر دبلوماسيون وخبراء اقتصاد على مدى شهور عن قلقهم من أن الاقتصاد القائم على المعاملات المالية النقدية بشكل متزايد قد يسمح بإخفاء المزيد من التدفقات المالية غير المشروعة.انهيار الاقتصاد اللبناني حسب رويترز، أجرى قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجموعة العمل المالي، وهي هيئة معنية بمراقبة الجرائم المالية، تقييما أوليا لاقتصاد لبنان.وقالت المصادر إن الدول الأعضاء ستطلع عليه هذا الأسبوع في البحرين.وبحسب مصدر دبلوماسي اطلع على نسخة من التقرير الأولي، فإن النتيجة التراكمية لهذا التقييم تضع لبنان "فوق عتبة القائمة الرمادية بعلامة واحدة".ووفقا لمسودة اطلعت عليها رويترز، جرى تصنيف لبنان على أنه ملتزم بالمعايير جزئيا في فئات عدة منها:إجراءات مكافحة غسل الأموال والشفافية فيما يتعلق بالملكية الفعلية للشركات. المساعدة القانونية المتبادلة فيما يتعلق بتجميد الأصول ومصادرتها. وأحجمت مجموعة العمل المالي عن التعليق على التقرير أو التقييم قبل نشرهما.وقال المصدر الدبلوماسي إن "لبنان يسعى لمزيد من التساهل ويحاول الحصول على نتيجة أفضل في إحدى الفئات حتى لا يقع ضمن منطقة القائمة الرمادية".وقال نائب رئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال، سعادة الشامي، والذي يترأس محادثات بلاده مع صندوق النقد الدولي، إنه لم يطلع على مسودة التقرير وأحجم عن التعليق على التأثير المحتمل له على المحادثات مع الصندوق.وأشار مصدر مالي مطلع على الأمر إلى أن المسودة منحت لبنان درجة يستحق معها إدراجه على القائمة الرمادية. وقال المصدر "السلطات تحاول جاهدة منع حدوث ذلك".وقال مصدر دبلوماسي ثان مطلع على الأمر إن مسودة التقرير كانت متساهلة بالفعل في ضوء انهيار الاقتصاد اللبناني. وأضاف "أي شيء عدا القائمة الرمادية سيكون فضيحة".وتابع المصدران الدبلوماسيان أن وحدة الامتثال في هيئة التحقيق الخاصة التابعة لمصرف لبنان كانت تضغط على الدول الأعضاء في مجموعة العمل المالي من أجل تغيير النتيجة.ولم ترد وحدة الامتثال على طلب عبر البريد الإلكتروني للتعليق.لبنان في القائمة "الرمادية" تعليقا على القرار، يقول أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية الدكتور جاسم عجاقة، إن موضوع إدراج لبنان في القائمة الرمادية كان متوقعا منذ زمن لأن اقتصاد لبنان تحوّل لاقتصاد نقدي، "أي عملية تتم عبر النقد، في لبنان نادرا ما تستخدم فيها البطاقة، 3 سنوات من التعامل بالكاش وتهاوي القطاع المصرفي اللبناني أدى إلى تراجع الناتج الإجمالي المحلي إلى النصف".ويوضح الأكاديمي اللبناني في حديث لمنصة "المشهد" أن تقرير البنك الدولي الصادر أمس حول الوضع في لبنان ترجم المخاوف الأوروبية من قضية غسل الأموال في لبنان. وأشار عجاقة إلى أن مجموعة العمل الدولية لديها 3 لوائح بيضاء ورمادية وسوداء، ويضيف:فنزويلا وكوريا الشمالية مثلا في القائمة السوداء، هذه الدول معزولة لأن دول العالم لا تبرم معها معاملات. لبنان مثلا في اللائحة الرمادية فهذا يعني أنه خاضع لمراقبة خاصة من سلطات مختصة في الحكومة لكل معاملاته المالية. فمثلا دولة في اللائحة البيضاء ستطلب من أموال ستحولها لبنان إثبات مصدرها. أما إذا كانت كلا الدولتين في لائحة بيضاء فتتم المعاملات عن طريق المصارف الخاصة. ويكشف عجاقة أن الصعوبة تكمن في كون أحد المصارف النظيفة إذا قام مصرف آخر بتمرير عملية مشبوهة عبره وإن كان لا يعلم بها يعاقب.ويتابع عجاقة: "هذا قد يدفع بعض المصارف لعدم التعاطي مع البلد لأنها لا تريد تحمل المسؤولية". ماذا بعد القرار؟ ولفت أستاذ الاقتصاد إلى أن القرار قد يكون مبينا على خلفيتين سياسيين، "رغم أن الخلفية الاقتصادية موجودة أيضا وهي الأساس"، وهما: هناك رغبة دولية في الضغظ على السلطات اللبنانية لإجراء إصلاحات وعلى رأسها إعادة هيكلة القطاع المصرفي اللبناني، هذا التصنيف يزيد الضغط على الطبقة السياسية. القرار قد يكون مدخلا لملاحقة الفاسدين ومحاسبتهم في لبنان، بما أنه تم وضعه في اللائحة الرمادية معناه أن هناك جرائم ترتكب في الأراضي الأوروبية وهناك ملاحقة قضائية لبعض مقترفيها. وعن تداعيات القرار، اعتبر عجاقة أنه سيزيد من التأخير في القيام بالمعاملات المالية والمصرفية نظرا لإلزامية إخضاعها لرقابة خاصة حسب ما تنص عليه اللائحة الرمادية.وخلص صندوق النقد الدولي في وثيقة تعود لعام 2021 إلى أن إدراج دولة على القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي، لديه آثار سلبية عدة، أبرزها:قد يؤدي إلى تعطيل تدفقات رأس المال مع احتمال انسحاب البنوك من التعاملات مع العملاء الموجودين في البلدان عالية المخاطر لتقليل تكاليف الامتثال. يخاطر الإدارج بإلحاق الضرر بسمعة البلد وتعديلات التصنيف الائتماني وصعوبة الحصول على تمويل دولي وارتفاع تكاليف المعاملات. وفي حالة لبنان، أدى الانهيار المالي بالفعل إلى تقييد المعاملات المصرفية بشدة وقطعت العديد من المؤسسات علاقاتها مع البلاد. وسيكون الإدراج بمثابة لائحة اتهام للنظام المالي اللبناني في وقت تشتد في الأزمات.وتسير البلاد بوتيرة بطيئة في إحراز تقدم على صعيد الإصلاحات الرئيسية المطلوبة لإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي.(المشهد)