رغم ما يبدو أنه انفراجة في مشكلة توافر العملة الصعبة التي تعاني منها مصر، ما زالت الأزمة تُلقي بظلالها على الاقتصاد المصري بشكل كبير، وهو ما ظهر خلال تصريحات لرئيس اتحاد جمعيات المُستثمرين في مصر حول تخفيض المصانع إنتاجها بنسبة 50% لعدم توافر مُستلزمات الإنتاج بسبب نقص الدولار.وتواجه مصر أزمة اقتصادية كبيرة بسبب تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، وفي الأخير الحرب على غزة، الأمر الذي أدى إلى نقص كبير في العملة الصعبة التي تعتمد عليها مصر بشكل أساسي في استيراد مُستلزمات الإنتاج في المصانع فضلًا عن توفير السلع الغذائية.وتحدّث خبراء اقتصاد لمنصة "المشهد" عن التأثير السلبي لنقص الدولار على حجم العمل في المصانع، خصوصا أنّ غالبية هذه المصانع تعتمد على مكونات مستوردة في إنتاجها.وطالب الخبراء بضرورة قيام الحكومة المصرية بتدبير الاعتمادات الدولارية اللازمة لاستيراد مُستلزمات الإنتاج لعمل المصانع، خصوصا في ظل احتياج مصر للاعتماد على المُنتج المحلي لتقليل الضغط على العملة الصعبة. يأتي هذا، في الوقت الذي قرّر فيه بنك جي بي مورغان، استبعاد مصر من مؤشره للسندات الحكومية بالأسواق الناشئة، وهو ما وصفه الخبراء بـ"التقرير السلبي"، لكنه لن يؤثر بشكل كبير على حجم الإقبال على السندات الحكومية المصرية.في الوقت ذاته، يدرس صندوق النقد الدولي، زيادة القرض المخصص لدعم الاقتصاد المصري للخروج من أزمتها الاقتصادية، فيما أعلن الاتحاد الأوروبي عزمه دعم الاقتصاد المصري بـ10 مليارات يورو.خروج الاستثمارات من مصروقال الخبير الاقتصادي المصريّ، الدكتور السيد خضر، إنّ أزمة نقص الدولار في مصر تؤثر بشكل كبير على مناخ الاستثمار، خصوصا في مجال التصنيع والإنتاج المحلي.وأوضح خضر في حديث لمنصة "المشهد" أنّ بعض المستثمرين قرروا نقل استثماراتهم لدول أخرى تُعطي مُحفزات أكثر لهم، لافتًا إلى أنّ التحدي الحقيقي الذي يواجه الحكومة المصرية هو حل مشكلات المستثمرين المحليين.ورأى الخبير الاقتصادي المصريّ أنّ الحل لأزمة الدولار هو زيادة الاعتماد على المُنتج المحلي، وبالتالي على الدولة المصرية أن تبحث في حلول عاجلة وناجعة لتشجيع مناخ العمل في الداخل."لدينا بالفعل بنية تحتية جيدة ومناخ تشريعي ولكن الأهم هو توفير العملة الصعبة لاستيراد مستلزمات الإنتاج"، بحسب خضر، مُشيرًا إلى أنّ مصر تولي اهتمامًا كبيرًا لهذا الاتجاه في الوقت الراهن، ولكن تظل المعضلة الأكبر هو توفير مستلزمات الإنتاج.وأشار إلى أنّ جزءا كبيرا من مُستلزمات الإنتاج لتشغيل المصانع يتم استيرادها من الصين، وبالتالي على الحكومة المصرية أن تبحث عن طرق بديلة لاستيراد هذه المستلزمات دون اللجوء إلى توفير الدولار.وقال خضر إنّ مصر عقدت اتفاقات مع روسيا وتركيا والإمارات بخصوص التبادل التجاري بالعملات المحلية لذا عليها التوّسع في هذا الاتجاه لتقليل الاحتياج للدولار، مُشيرًا إلى أنّ البحث عن الفرص البديلة أمر مهم في الوقت الراهن.مبالغة في حجم الأزمةعلى الجانب الآخر، رأى المحلل الاقتصادي المصريّ، خالد الشافعي، أنّ تصريحات رئيس اتحاد جمعيات المُستثمرين فيها جزء من المبالغة، قائلًا: "من المنطقي حين نتحدث عن تخفيض عمل المصانع إلى النصف بسبب نقص مستلزمات الإنتاج أن يتم الإعلان في الوقت نفسه عن حجم إنتاج هذه المصانع في السنوات السابقة ومقارنتها بالعام المنصرف".وقال الشافعي في حديث لـ"المشهد"، إنّ مصر لاشك لديها أزمة في الدولار، ولكن الكل يتحمّل نتيجة هذا الوضع فليست الدولة فقط هي المُتسبب في حالة الارتباك التي يشهدها الاقتصاد، ولكن المستثمرين يتحملون أيضًا جزءا من المسؤولية لأنهم في النهاية يحمّلون المواطن العادي زيادة التكلفة في الإنتاج.وتساءل الشافعي: هل المستثمر لا يحقق مكاسب؟ وهل بالفعل كل المصانع في مصر تعمل بنصف طاقتها؟، مُضيفًا: "أغلب المستثمرين الذين يعملون في السوق المصري يقومون بتحويل أرباحهم إلى الخارج بالعملة الصعبة، وبالتالي الحديث عن صعوبات استيراد مستلزمات الإنتاج أمر فيه مبالغة".حلول جذرية لحل أزمة الدولارمن جانبه، اتفق الخبير الاقتصادي المصريّ، الدكتور كريم العمدة، مع ما طرحه الدكتور السيد خضر، حول وجود أزمة حقيقية تواجه المستثمرين في مصر تتعلق بتوافر الدولار.وتطرّق العمدة، في حديثه لـ"المشهد"، إلى ضرورة إيجاد حلول سريعة لحل أزمة مناخ الاستثمار في مصر من خلال تدبير الاعتمادات الدولارية لصالح المستوردين، لافتًا إلى أنّ هناك مصانع بالفعل قلّصت من إنتاجها بسبب عدم وجود مُستلزمات إنتاج ولكن ليس كل المصانع.ورأى أنّ الوضع الحالي يحتاج إلى حلول جذرية تتعلّق بإجراء اتفاق مع الشركاء الدوليين لتوفير العملة الصعبة لتتمكن مصر من الخروج من أزمتها الاقتصادية.وقال العمدة، إنّ الحكومة المصرية مطالبة بحل أزمة الدولار سواء باللجوء إلى تحرير سعر الصرف أم بالبحث من خلال شركاء دوليين عن مصادر للدولار.وكانت مصر قد بدأت إصلاحا اقتصاديا منذ عام 2016 بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، واضطرت إلى تخفيض عملتها أمام الدولار الأميركي 4 مرات إلى أن وصل إلى 30.9 جنيهًا للدولار في السوق الرسمي، وسط توقعات بتخفيض جديد خلال الشهور المُقبلة.ما تأثير قرار "مورغان" على مصر؟واتفق الخبراء الثلاثة على أنّ قيام بنك جي بي مورغان باستبعاد مصر من مؤشره للسندات الحكومية بالأسواق الناشئة لن يكون له التأثير الكبير على مناخ الاستثمار في مصر، بدليل زيادة سعر السندات المصرية في بورصة نيويورك بواقع 1.3 سنت.وقال الدكتور السيد خضر، إنّ هذه الخطوة تأتي في الوقت الذي تتفاوض فيه مصر مع صندوق النقد الدولي لزيادة القرض المخصص لها إلى 10 مليارات دولار وكذلك تزامن مع تصريحات وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين حول ضرورة دعم الاقتصاد المصري.ووافقه الرأي خالد الشافعي بقوله: "المؤسسات المالية الكبرى مثل صندوق النقد الدولي تتحدث بشكل إيجابي عن مصر وعن ضرورة دعم الاقتصاد للخروج من أزمته الحالية، وبالتالي الحديث عن تصنيفات مؤسسات أخرى قد يكون على صواب وقد يكون على خطأ، ولكن في النهاية الاقتصاد المصري ليس بالضعف الذي يظهره التقرير الأخير لبنك مورغان".(المشهد)