باتت اقتصادات أوروبا الأكثر تهديدا بفعل اضطرابات الملاحة وحركة الشحن بالبحر الأحمر، بحسب ما يؤكد المسؤولون منذ أسابيع، محذّرين من تأثيرات عنيفة جراء الأزمة خلال العام 2024. وانخفض النقل البحري للحاويات عبر البحر الأحمر بنسبة 30% تقريبا خلال عام واحد، وذلك على خلفية تزايد الهجمات التي يشنها "الحوثيون" اليمنيون على السفن التجارية قبالة سواحل اليمن، حسبما أعلن صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع. وقال جهاد أزعور المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي إن "الجزء الأكبر من حركة الملاحة في البحر الأحمر يتم عبر الحاويات والتي انخفضت بنحو 30%"، مضيفا أن "تراجع التجارة تسارع مع بداية عام 2024". وأضاف أزعور: "مستوى عدم اليقين مرتفع للغاية وتطور الوضع سيحدد مدى التغيير والتعديل في أنماط التجارة من حيث الحجم، ولكن أيضا من حيث الاستدامة". ومنذ 19 نوفمبر الماضي نفذ "الحوثيون" الذين يسيطرون على مساحات واسعة من اليمن أكثر من 35 هجوما على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وفقا لوزارة الدفاع الأميركية مما أدى إلى تعطيل حركة الملاحة البحرية في هذه المنطقة الحيوية التي يمر عبرها ما يصل إلى 12% من التجارة العالمية. أضرارا بالصناعة في بريطانيا أظهر مسح نشر الخميس أن الصناعات التحويلية في بريطانيا بدأت عام 2024 بأداء ضعيف مسجلة انكماشا للشهر 18 على التوالي ويعزى ذلك إلى انخفاض الطلبيات وتأخير عمليات التسليم بسبب اضطراب حركة الشحن في البحر الأحمر. وارتفع مؤشر مديري المشتريات التابع لستاندرد آند بورز غلوبال لقطاع الصناعات التحويلية من 46.2 في ديسمبر إلى 47.0 نقطة في يناير، وهو أعلى مستوى في شهرين لكنه أقل من المستوى الأولي السابق البالغ 47.3 نقطة والذي كان الأعلى منذ أبريل 2023. رغم ذلك، يتوقع الاقتصاديون حتى الآن أن يكون للصراع في منطقة الشرق الأوسط تأثير ضئيل نسبيا على اقتصاد بريطانيا.تهميش موانئ جنوب أوروبا حذر وزير الدفاع الإيطالي جويدو كروزيتو من أن الاضطرابات المستمرة في البحر الأحمر تُهدد بزعزعة استقرار الاقتصاد الإيطالي وتهميش الموانئ في جنوب أوروبا. وقال كروزيتو لنواب من لجان الدفاع بالبرلمان "من منظور جيوسياسي، فإن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى تهميش الموانئ على البحر المتوسط". وأضاف "إنه لا يهدد أمن الملاحة فحسب، بل يهدد أيضا الاستقرار الاقتصادي لإيطاليا". واستطرد الوزير قائلا إن الحركة التجارية عبر قناة السويس، والتي قدر أنها تمثل نحو 40% من إجمالي التجارة البحرية لإيطاليا، انخفضت 38% بحلول الأسبوع الأخير من عام 2023. وأوضح أن فترات الملاحة زادت بمقدار 10-12 يوما وارتفعت التكاليف لما يقرب من 5 أمثال. وتشير منصة "بورت ووتش" PortWatch التابعة لصندوق النقد الدولي إلى أن حجم الملاحة عبر قناة السويس التي تربط البحر الأحمر بالمتوسط، انخفض بنسبة 37% في الفترة من 1 إلى 16 يناير 2024 مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.وذكر وزير الدفاع الإيطالي أن بلاده تدرس إرسال طائرات للقيام بمهام مراقبة وجمع للبيانات، في إطار العملية الأوروبية في المنطقة المسماة "أسبيديس"، بالإضافة إلى السفينة الحربية التي ستشارك في العملية لمدة 12 شهرا. ومنذ مطلع يناير الماضي، تشن القوّات الأميركيّة والبريطانيّة سلسلة ضربات على مواقع عسكرية تابعة لهم في اليمن. كما ينفّذ الجيش الأميركي وحده بين الحين والآخر ضربات في محاولة لردع "الحوثيين"، لكن هذا لم يوقف هجماتهم المستمرة على السفن التجارية. بالإضافة إلى العمل العسكري، سعت واشنطن إلى ممارسة ضغوط دبلوماسية ومالية على "الحوثيين"، وأعادت تصنيفهم "منظمة إرهابية" بعد أن أسقطت هذا التصنيف سابقا إثر تولي الرئيس جو بايدن منصبه. لا أحد يقترب من ناقلات النفط الروسي في المقابل، واصلت الناقلات التي تحمل النفط الروسي الإبحار عبر البحر الأحمر دون انقطاع إلى حد كبير رغم الهجمات، وفقا لمسؤولين تنفيذيين في قطاع الشحن ومحللين وبيانات رحلات. وأصبحت روسيا أكثر اعتمادا على التجارة عبر قناة السويس والبحر الأحمر منذ الحرب في أوكرانيا، والتي دفعت أوروبا إلى فرض عقوبات على الواردات الروسية وأجبرت موسكو على تصدير معظم نفطها الخام إلى الصين والهند، بدلا من أوروبا. ووفقا لبيانات شركة فورتيكسا للتحليلات النفطية، انخفض عدد السفن الروسية التي تمر عبر البحر الأحمر بشكل طفيف منذ ديسمبر، لكنها كانت الأسبوع الماضي لا تزال أعلى بنحو 20% عن المتوسط في عام 2023. ويتناقض ذلك مع الاضطرابات واسعة النطاق التي شهدها إبحار ناقلات النفط عبر البحر الأحمر في الأسبوعين الماضيين. وأظهرت بيانات فروتيكسا أن شحنات الديزل ووقود الطائرات من الشرق الأوسط وآسيا إلى أوروبا، أحد الطرق الرئيسية لتجارة النفط من الشرق إلى الغرب، توقفت تقريبا في الأيام التي أعقبت الجولة الأولى من الضربات الانتقامية التي قادتها الولايات المتحدة على اليمن في 11 يناير. وتتمتع روسيا بعلاقات وثيقة مع إيران، التي تدعم "الحوثيين"، وربما ساعد ذلك في منع الهجمات، بحسب ما تقول "رويترز". وتقول ماري ميلتون المحللة في فورتيكسا إن العديد من السفن التي تحمل شحنات روسية تشير إلى أنها غير مرتبطة بإسرائيل عبر إشارات من أنظمة التعريف الآلي التي تبث معلومات تشمل موقع السفينة ووجهتها. وتتكبد شركات الشحن تكاليف مرتفعة نتيجة الاضطرابات، حيث إنه إذ سلكت السفينة طريق البحر الأحمر، يطلب أصحاب السفن أسعار شحن ورسوما للطاقم أعلى من المعتاد، كما ارتفعت تكاليف التأمين على السفن ضد مخاطر الحرب في المنطقة بشكل كبير. ووفقا لمصادر في قطاع الشحن، تضاعفت رسوم الطاقم في حين تبلغ أقساط التأمين ضد مخاطر الحرب الآن حوالي 1% من قيمة السفينة بعد أن كانت 0.5% قبل نحو 10 أيام إلا إذا كانت هناك خصومات. الأمر ذاته في الطريق البديل عبر رأس الرجاء الصالح، والذي يضيف أسبوعين إلى 3 أسابيع إلى زمن الرحلة وسيتطلب وقودا إضافيا لنحو 3300 ميل بحري بالإضافة إلى ضرائب الانبعاثات بالنسبة للسفن التي تملكها دول الاتحاد الأوروبي أو تتجه إليها. (المشهد - وكالات)