تسابق مصر الزمن من أجل وضع حلول جذرية للمشكلات الاقتصادية الهيكلية المزمنة، التي كان لها تأثير سلبي واضح على الحالة الاقتصادية للدولة خلال الفترات الماضية، ولا تزال حاضرة حتى اليوم. المسؤولون في مصر يسارعون الخطى من أجل تعزيز أداء الاقتصاد، لتحقيق معدلات نمو متسارعة ومستدامة، ودفع عجلة التنمية الشاملة في البلاد.ولطالما كان الاستثمار الأجنبيّ واحدًا من أهمّ محركات النموّ الاقتصادي، فإنّ الحكومة المصرية سعت مؤخرًا من أجل دعم وتعزيز هذا الاستثمار، وخلق بيئة صالحة للعمل على جذبه، فعمدت إلى اتخاذ إجراءات تشريعية وتنفيذية على أرض الواقع، للمساهمة بشكل فعّال في إنهاء المشكلات التي يواجهها المستثمرون الأجانب، خصوصًا فيما يتعلق بتأسيس الشركات، وتخصيص الأرض، وتصريح مزاولة النشاط، وكذلك تشغيل المشروعات.آخر جهود الحكومة المصرية نحو دعم الاستثمارات الأجنبية، كان إقدامها على التقدم بتعديل تشريعيّ لمجلس النواب، يقضي بإلغاء قصر تملّك الأراضي على المصريّين، والسماح للمستثمرين الأجانب بالحصول على الأراضي اللازمة لمزاولة النشاط أو التوسع فيه، من دون التقيّد بما تضمّنه قانون الاستثمار في مادّتيه الـ11 والـ12، من وجوب ألّا تقلّ ملكية المصريّين عن 51% من رأس مال الشركة، وألا تزيد ملكية الفرد على 20% من رأس مالها، واقتصار التملّك على المصريّين فقط.خطوة مهمةوعقب اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية في 24 فبراير 2022، بدأت الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة في أدوات الدين المصرية، أذون وسندات الخزانة، في الخروج من مصر ومن باقي الأسواق الناشئة كإجراء احترازيّ من الأخطار غير المتوقعة للحرب، التي دخلت عامها الثاني، ما مثّل عاملًا أساسيًا في زيادة الفجوة الدولارية وعجز الموازنة. وخرج من مصر خلال العام الماضي 23 مليار دولار استثمارات أجنبية غير مباشرة، بسبب الحرب بحسب تصريحات لوزير المالية المصري محمد معيط في وقت سابق. وفي معرض تعليقه على عزم الحكومة المصرية تملك الأجانب أراضيَ داخل الدولة، وصف الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسيّ أبو بكر الديب هذه الخطوة "بالمهمة" في الوقت الحالي، وتأتي في إطار جذب المستثمرين الأجانب لشرايين الاقتصاد المصري، وهذه إحدى ثمار وثيقة ملكية الدولة، والتي تقضي بـ"تخارج الدولة" على مستوى القطاعات الاستثمارية المختلفة لجذب المستثمرين لصالح القطاع الخاص، سواء المصريّ أم الأجنبي.تحديات الاستثمار في مصرفي عام واحد فقد الجنيه المصري نحو 50% من قيمته مقابل الدولار في سلسلة من عمليات الخفض الحادّ منذ مارس من عام 2022، ولا يزال يواجه ضغوطًا في السوق الموازية. في حين تراجعت احتياطات البلاد من العملات الأجنبية. ولا شك أنّ المستثمر دائمًا ما يبحث عن المكان الذي يراكم فيه أرباحه، وسط درجة ثقة وتأكّد عالية، خصوصًا في ما يتعلق بالبنية التشريعية والظروف السياسية والاقتصادية والمالية، لذلك حذّر الديب من أنّ التحديات ما زالت قائمة، ما يستدعى العمل والسعي لخلق ميزات تنافسية دولية لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وهذا لن يتأتّى إلا من خلال توفير بيئة أعمال مثالية للمستثمرين، ومراجعة القوانين والقرارات التنظيمية والإجراءات الإدارية المعمول بها، في سبيل الإسراع وتيسير الإجراءات لجذب أكبر حجم من الاستثمارات. وكشف الديب عن أنّ الاستثمار الأجنبيّ في مصر، شهد العديد من العراقيل خلال الأعوام الماضية، حيث كان في مقدمتها البيروقراطية والروتين وعملية بطيئة في تدشين الشركات والمشروعات الاستثمارية، وكذلك كانت هناك نقطة مهمة، وهي عدم تملّك الأراضي للأجانب. وأكد الديب أنه في حال وافقت السلطة التشريعية على هذا التعديل في القانون، والتصديق عليه من قبل رئيس الدولة، سيكون الطريق أمام الاستثمارات الأجنبية سالكًا، وستكون طريق رؤوس الأموال الأجنبية إلى شرايين الاقتصاد المصريّ مفتوحة بشكل كبير، وسيعود بالنفع بكل تأكيد على الاقتصاد القوميّ وزيادة الاستثمارات، وبالتالي زيادة فرص العمل والدخل القوميّ وزيادة الصادرات.فوائد الاستثمار في مصروكانت الحكومة المصرية قد شرعت في تنفيذ ما أُطلق عليه "برنامج الاصلاح الاقتصاديّ في عام 2016"وذلك لمعالجة جوانب الضعف التي كانت موجودة في الاقتصاد، وتحقيق معدلات نموّ متسارعة ومستدامة، من خلال الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. وشمل ذلك تحرير سعر الجنيه أكثر من مرة، وهو ما يُعرف "بالتعويم"، وهو الأمر الذي ساهم وبشكل ملحوظ في تحريك المياه الراكدة في الاستثمارات الأجنبية داخل مصر.في هذا الإطار، يقول أستاذ الاقتصاد والمستشار في مجال السياسات الاقتصادية الدكتور خالد المطراوي، إنّ هناك العديد من الفوائد التي تجنيها مصر من وجود استثمارات خارجية، ولعلّ من أهمها:زيادة فرص العمل.تقليل معدلات البطالة.زيادة مدخلات الدولة من الضرائب والجمارك.زيادة الناتج القوميّ الإجمالي.معالجة شحّ العملات الصعبة.زيادة الاحتياطيّ النقديّ الأجنبيّ من العملات الصعبة.انتعاش الاقتصاد المصريّ وزيادة قيمة العملة المحلية أمام الدولار.موارد العملة الصعبة في مصروليس خافيًا على أحد، أنّ مصر تشهد نقصا حادًا في السيولة الدولارية، خصوصًا بعد أزمة الحرب الأوكرانية، ومن قبلها جائحة كورونا التي كان لها انعكاسات سلبية وقوية على الاقتصاد العالميّ ومن ثم المصري. ففي الوقت الذي يشهد فيه سعر الدولار داخل المصارف المصرية الرسمية، استقرارًا عند مستويات أقلّ من 31 جنيهًا، نجده يتحرك بشكل أعلى في السوق الموازية ليتخطى حاجز الـ50 جنيهًا لكل دولار.ويرى المطراوي أنّ بلاده تعاني فجوة في الحصيلة الدولارية، وهي مقدار عجز الميزان التجاريّ ما بين الصادرات والواردات، لأنّ مصر دولة مستوردة بالأساس، وبالتالي فهي في أشدّ الاحتياج إلى العملة الصعبة، مشيرًا إلى أنّ هناك 5 موارد رئيسية لهذه العملة، وهي كالآتي:تحويلات المصريّين بالخارج.قناة السويس.السياحة.أدوات الدين الحكومية.الاستثمارات الأجنبية.وأوضح أستاذ الاقتصاد أنّ مصر دولة غنية بفرص الاستثمار، وإن كانت تحتاج إلى تعديلات في بعض الأوجه، من أجل الوصول إلى بيئة استثمارية جاذبة لرؤوس الأموال الأجنبية إلى الأراضي المصرية. وكان مجلس النواب المصريّ قد أدرج على جدول جلساته هذا الأسبوع، تعديلًا تشريعيًا مقدّمًا من الحكومة، يقضي بإلغاء قصر تملّك الأراضي على المصريّين، والسماح للمستثمرين الأجانب بالحصول على الأراضي اللازمة لمزاولة النشاط أو التوسع فيه، من دون التقيّد بما تضمّنه قانون الاستثمار في مادتيه الـ11 والـ12، من وجوب ألا تقلّ ملكية المصريّين عن 51% من رأس مال الشركة، وألا تزيد ملكية الفرد على 20% من رأس مالها، ومن اقتصار التملّك على المصريّين فقط.ومن المقرر أن يصوّت البرلمان على تعديل بعض أحكام القانون رقم 143 لسنة 1981 الخاص بالأراضي الصحراوية، الذي بررت الحكومة إعداده بإزالة التحديات التشريعية أمام المستثمرين الأجانب، جذبًا للاستثمارات، والتوفيق بين النصوص القانونية المرتبطة بالاستثمار، بما يُسهم في زيادة حجم الاستثمارات الأجنبية داخل البلاد، واستغلال وتعمير الأراضي الصحراوية.(المشهد)