تفاوتت بداية المنتخبات العربية في الدور الثالث من التصفيات الآسيوية المؤهلة إلى كأس العالم 2026 المقررة في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، بين النجاح والنجاح النسبي والخيبة.مفاجآت بالجملة أفضت إلى هذا الاستنتاجقطر، بطلة آسيا في النسختين الماضيتين، تسقط في عقر دارها أمام الإمارات المتجددة 3-1 ضمن المجموعة الأولى. "العنابي" بدا في السنوات الأخيرة، لا بل فرض نفسه، إحدى القوى الكبرى في "القارة الصفراء" بعد أعوام من العمل والتخطيط. مفاجأة لأن التوقعات كانت تصب في خانة "الأدعم" بمواجهة منتخب إماراتي في طور التجديد الدائم. المدرب الإسباني بارتولومي ماركيز لوبيز نجح في قيادة قطر إلى الاحتفاظ بلقبها القاري على أرضها في 2024 غير أن السقوط أمام "الأبيض" كشف ثغرات لا يمكن المرور منها دون توقف. المنتخب القطري مكشوف الأوراق، والأسماء هي نفسها تقريباً منذ سنوات باستثناء ربما اللاعب الشاب إبراهيم الحسن الذي خاض اختباره الرسمي الأول. تحتاج التشكيلة إلى تجديد. الحظوظ ما زالت قائمة على نحو ما قال المدرب: "نرفع شعار التعويض واستعادة التوازن في مواجهة كوريا الشمالية في لاوس بعد أيام (10 سبتمبر)". في المقابل، ضرب منتخب الإمارات أكثر من عصفور بحجر واحد: بداية مثالية بقيادة المدرب البرتغالي باولو بينتو. عودة بثلاث نقاط من أرض صعبة، ورد الاعتبار إثر خسارته المرّة أمام قطر بالذات على أرضه برباعية في نصف نهائي كأس آسيا 2019. بينتو أشار إلى أنه "ما أزال أشعر ببعض القلق نتيجة أخطاء دفاعية. سنحرص على معالجة هذا الجانب قبل استضافة إيران في 10 سبتمبر". لا شك في أن المدرب البرتغالي عاش أياماً صعبة منذ توليه دفة القيادة غير أن صبر الاتحاد الإماراتي عليه والإيمان برؤيته أفضليا إلى نتيجة مشجعة قد تضع "الأبيض" على سكة المشاركة الثانية في المونديال بعد الأولى في "إيطاليا 1990". ولا ننسى هنا بأن ثمة 3 مجموعات في التصفيات يتأهل منها صاحبا المركزين الأول والثاني في كل مجموعة إلى المونديال مباشرة. ويضمن أصحاب المركزين الثالث والرابع فيها خوض الدور الرابع حيث يتم توزيعهم على مجموعتين تضم كل منهما 3 منتخبات تتنافس بنظام الدوري من مرحلة واحدة. هنا يتأهل المنتخبان الحاصلان على المركز الأول في كل مجموعة إلى كأس العالم، في حين يخوض الوصيفان مباراة ملحق لتحديد الفريق الذي يمثل آسيا في الملحق القاري.معلوم أن آسيا حصلت على 8 مقاعد مؤهلة مباشرة إلى المونديال مع إمكانية الحصول على مقعد إضافي من خلال ملحق تشارك فيه منتخبات من مختلف القارات."الفدائي" حاضرالمجموعة الثانية شهدت أكبر المفاجآت وتمثلت بوقوف المنتخب الفلسطيني نداً لكوريا الجنوبية التي خاضت غمار مونديال 2022 وتعتبر من "كبار القوم"، وعودته من "ملعب كأس العالم" في سيول بنقطة ثمينة من تعادل سلبي أمام خصم يضم في صفوفه نجوماً من الصف الأول أمثال سون هيونغ-مين (توتنهام الإنجليزي)، لي كانغ-إن (باريس سان جرمان الفرنسي)، وكيم مين-جاي (بايرن ميونيخ الألماني). وفي ظل الظروف السيئة في فلسطين، نجح "الفدائي" في تحقيق إنجاز يضاف إلى مسيرته المشجعة في السنوات الماضية، بينها المشاركة في كأس آسيا في قطر، بقيادة المدرب التونسي مكرم دبوب، مستفيداً من مواهب محلية وعدد من لاعبي دول الانتشار. نتيجة أفرحت العرب من المحيط إلى الخليج لكنها فرضت مباريات مقبلة ساخنة كون الكوريين سيسعون إلى التعويض، وعلى حساب من؟ العراق وعُمان والأردن والكويت. العراق بدأ الحملة بفوز عزيز وإن بهدف على عُمان في ملعب البصرة الدولي أمام أكثر من 60 ألف متفرج. "أسود الرافدين" الذين ودعوا كأس آسيا من الدور الثاني إثر خسارة دراماتيكية أمام الأردن، استفادوا في الأعوام الأخيرة من ثقة اكتسبوها من تتويجهم بكأس الخليج 25 على أرضهم في يناير 2023، ومن عودة المباريات الدولية إلى بلادهم على نحو ما صرح المدرب الإسباني خيسوس كاساس: "دائماً ما أشعر بالفخر عندما نلعب في البصرة حيث تؤمّن الجماهير الدعم والإسناد". ما يقلق كاساس نوعاً ما هو إصابة صاحب الهدف أيمن حسين، على أعتاب مواجهة الكويت على أرضها بعد أيام لأنه يعي بأن من شأن الفوز في مباراة ثانية توالياً أن تضع العراق في أفق المشاركة الثانية في كأس العالم بعد الأولى في "المكسيك 86". في المقابل، لم تمر الخسارة العمانية مرور الكرام، فقد شُنت حملة واسعة على المدرب التشيكي ياروسلاف شيلهافي الذي جرى تحميله النصيب الأكبر من المسؤولية في ظل عدم تفوق عراقي فني واضح. الكويت، العائدة إلى ساحة المنافسة بعد سنوات الظل، حققت مفاجأة بعودتها من الأردن بنقطة ثمينة انتزعتها من ركلة جزاء في الأنفاس الأخيرة من لقاء صاخب في عمّان. لماذا مفاجأة؟ لأن "النشامى" أبدعوا في كأس آسيا الأخيرة ولم ينحنوا سوى للقطريين في النهائي بعد أداء ملحمي طوال عمر البطولة. قد يكون حلول مدرب جديد مكان المغربي الحسن عموتة، صاحب الإنجاز في كأس آسيا، سبباً في هذه البداية رغم جهود خلفه مواطنه جمال السلامي. مهما يكن من أمر، فإن من حق الكويت العودة من الموقعة بإيجابية لأسباب عدة: منتخب الأردن يلعب على أرضه، يضم في صفوفه لاعبين محترفين أكفاء كموسى التعمري (مونبلييه الفرنسي) صاحب هدف التقدم قبل تعرضه لإصابة واستبداله، كما أن "الأزرق" يعتمد مدرباً جديداً هو الأرجنتيني خوان بيتزي الذي جرى التعاقد معه في منتصف يوليو الماضي لمدة عام واحد. فرض بيتزي حنكته، هو من سبق له قيادة السعودية في مونديال 2018 والبحرين، بالإضافة إلى إحرازه لقب كوبا أميركا 2016 مع تشيلي. لعب متحفظاً. ورغم تأخر فريقه بهدف، لم يُستدرج للتقدم دون حساب العواقب، بل انتظر أنصاف الفرص قبل انتزاع التعادل الرابح. الكويت سبق لها خوض كأس العالم مرة (إسبانيا 1982). كانت أول دولة خليجية تظهر في المونديال، وهي تستعد حالياً لاستضافة "خليجي 26" في ديسمبر ويناير المقبلين. قبل ذلك، ستكون على موعد مع مباراة ثانية في التصفيات أمام ضيفها العراق في "كلاسيكو" يحمل كثيراً من عبق الماضي. نيران صديقةوكان منتخب البحرين صاحب المفاجأة السعيدة بعودته بانتصار نادر وبهدف من نيران صديقة من أستراليا التي وضعت نفسها في موقف حرج في مجموعة ثالثة تضم أيضاً اليابان الفائزة على الصين بسباعية والسعودية. مفاجأة لأن مستوى البحرين شهد تراجعاً كبيراً في السنوات الأخيرة بعد التتويج بكأس الخليج للمرة الأولى في 2019 ولأن المدرب الكرواتي دراجان تالاييتش عبّر عن ذلك بالقول: "أبهرني اللاعبون بأدائهم المميز". يبدو الفوز على "سوكيروز" في عقر دارهم وكأنه "نصف الطريق" إلى المونديال الذي لم تعرفه البحرين يوماً غير أن الطريق ما زال طويلاً، ويجدر بعبدالله الخلاصي الذي سدد الكرة التي منها جاء الهدف وزملائه أن يعوا بأن القادم أصعب. ويبقى تعادل المنتخب السعودي مع ضيفه الإندونيسي 1-1 الأكثر إيلاماً على المستوى العربي. كان بالإمكان الخروج بفوز لولا ركلة الجزاء المهدرة من سالم الدوسري عندما كانت النتيجة تشير إلى التعادل. الركلة المهدرة حملت الرقم 37 من أصل 137 في تاريخ المنتخب، فيما أضاع الدوسري رابع ركلة جزاء له مع "الأخضر"، بينها واحدة أمام بولندا في كأس العالم الأخيرة، من أصل ثماني سددها. وُجهت أصابع الاتهام إلى الإيطالي روبرتو مانشيني الذي يحصل على الراتب الأعلى في العالم كمدرب. وصل إلى السعودية في أغسطس 2023 وخاض مع الفريق غمار كأس آسيا، وكان لزاماً عليه الفوز بالمباراة الأولى على خصم لا بصمة له في "القارة الصفراء". يتأكد يوماً بعد يوم بأن "الأخضر" غير قادر على استيعاب الفكر والتكتيك الإيطاليين. وعلى الرغم من قوة الدوري السعودي بعد فتح الأبواب أمام الأندية لضم نجوم الصف الأول حول العالم، فإن المنتخب فشل في ترك بصمة مع مانشيني الذي وجد تبريراً بقوله: "نواجه مشكلة كبيرة متمثلة في عدم مشاركة اللاعبين بصورة مستمرة مع الأندية. مصعب الجوير أفضل لاعب في المنتخب خلال المباراة، لكنه لا يلعب بشكل أساسي، وذلك على عكس إندونيسيا التي تمتلك العديد من المحترفين في أوروبا". يبقى سؤال: إذا كانت أندونيسيا تشكل عقبة أمام منتخب عريق اعتاد المشاركة في كأس العالم كالسعودية، فماذا ترك مانشيني لخصومه الآخرين في المجموعة كأستراليا واليابان؟