أفرزت قرعة دور الـ16 من دوري أبطال أوروبا في كرة القدم مواجهات "نارية" وأخرى "باهتة"، إن لم نقل "غير لائقة" ببطولة هي الأهم على مستوى الأندية في العالم.4 أندية كبرى وقعت رهينةً لخارطة طريق قاسيّة فرضها الاتحاد الأوروبي للعبة (يويفا) عليها، بينما حظيت فرق من القماشة نفسها باختبارات سهلة نسبياً، في الطريق إلى استاد "أليانز أرينا" في ميونيخ (ألمانيا) حيث المشهد الختامي في 31 مايو المقبل. "ضحايا" القرعة، باريس سان جرمان الفرنسي الذي وقع في مواجهة ليفربول الإنجليزي، وريال مدريد الإسباني الذي يلتقي مواطنه أتلتيكو مدريد. في المقابل، نفدت فرق كبيرة بجلدها من أتون الخطر، مثل أرسنال اللندني، إنترميلان الإيطالي، برشلونة الإسباني، بوروسيا دورتموند الألماني، وبنسبة أقل مواطنه بايرن ميونخ. كان يرنو "يويفا" من النظام الجديد للبطولة الذي تبنّاه ابتداءً من الموسم الراهن، إلى رفع عدد المباريات في "دور المجموعات" (دور المجموعة الواحدة) بهدف زيادة المداخيل التي تستقر في جيبه وجيوب الأندية، خصوصاً أنّ ثمة بطولة أخرى "سوبر ليج" هددت دوري الأبطال في عقر داره، وكادت أن تطيح به لولا تدخل السياسيّين والجماهير في غير دولة. هذه "البطولة - المشروع" ما زالت حاضرة بملايينها، تنتظر فرصة لتستنشق أوكسيجين التنفيذ وفرض ذاتها على أندية ساعية لمزيد من الأموال. في أيّ لحظة، قد يفرضُ واقعٌ جديد ضرورة التوجه إلى "سوبر ليج"، وبالتالي يجدر بالاتحاد الأوروبي أن يكون واعياً بما فيه الكفاية لضمان استمرار الأندية في خوض غمار دوري الأبطال، من خلال حمايتها، ومنحها الفرصة للذهاب بعيداً في بطولتها الأم والحصول على مزيد من الإيرادات. فإن استغل "كبيرٌ" الظرف، حسناً فعل. وإن فشل، كان "ذنبه على جنبه".رهان دخيليدرس "يويفا" راهناً ملف إقامة عدد من مباريات دوري الأبطال خارج أوروبا بغية تسويقها وجذب مزيد من الرعاة والأموال. كان بمقدوره اختصار المسافات لتحقيق أهدافه من خلال إلغاء القرعة واعتماد معايير تبيّن حسن نيته إزاء "الكبار"، تضمن استمرارهم في البطولة لفترة أطول وجني أرباح مضاعفة، وتقي المتابع مباريات "ضعيفة" في البطولة الأقوى. نظام الـ 36 فريقاً في مجموعة واحدة ضمن الدور الأول لم يكن مقنعاً للغاية، إذ لم تحصل الأندية على فرصة مواجهة بعضها البعض ذهاباً وإياباً. كان النظام أشبه بمواجهات "مبتورة" لا تعطي صاحب الحقّ حقه. ونسأل: ما كان ذنب ريال مدريد، حامل اللقب 15 مرة آخرها في الموسم الماضي، ليلتقي مانشستر سيتي الإنجليزي في الملحق المؤهل إلى دور الـ 16 (ويتجاوزه)، ومن ثم يُدعى إلى معركة بمواجهة "أتلتيكو"؟ في المقابل، كان دورتموند، وصيف الموسم الماضي، محظوظاً للغاية، هو الذي يعاني الأمرّين في الدوري الألماني، إذ واجه سبورتينج لشبونة البرتغالي في الملحق قبل أن يجد نفسه مدعواً للقاء ليل الفرنسي في دور الـ 16. هل حظي ريال مدريد بما حظي به دورتموند؟ بالتأكيد لا. كل ذلك بسبب قرعة عشوائية "بلا رأس وبلا منطق".تصنيف الأنديةثمة تصنيف للأندية يصدر دورياً عن "يويفا" بناءً على النتائج في السنوات القليلة الماضية. الأجدى أن يقوم الاتحاد الأوروبي باعتماده مرجعاً لتحديد المباريات بدل القرعة، بحيث يلعب الأعلى تصنيفاً مع الأقل تصنيفاً، والثاني مع قبل الأخير، وهكذا دواليك، كما هو معمول في البطولات المحترفة للتنس حيث يستحيل أن يلتقي، على سبيل المثال، الإسباني رافايل نادال مع الصربي نوفاك ديوكوفيتش في الدور الأول بسبب القرعة بينما ينعم لاعبون مغمورون بترف تحقيق انتصارات عابرة على بعضهم وصولاً إلى أدوار متقدمة يسيل لها اللعاب مادياً. وإن قال قائل إن المنطق يستوجب منح الفرصة للجميع، فهذا مردود، إذ لا يُعقل أن يخرج ريال مدريد من دور مبكر، فقط لأنه واجه "أتلتيكو" بفعل قرعة، بينما يمضي نادٍ متوسط المستوى والسمعة نحو أدوار متقدمة، فقط لأنه كان محظوظاً لدى سحبها. هذا لا يعكس واقع النادي ولا يكشف موقعه المستحق كي يرى مكامن ضعفه وقوته ويعمل عليها للمستقبل. من ناحيته، يلتقي "ريال" ثاني الدوري الإسباني مع "أتلتيكو" ثالثه، بينما يتواجه في الدور نفسه كلوب بروج المغمور وثاني الدوري البلجيكي الضعيف مع أستون فيلا تاسع الدوري الإنجليزي. باريس سان جرمان متصدر الدوري الفرنسي وجد نفسه في مواجهة نارية مع ليفربول المتصدر في إنجلترا، بينما مُنحت هدايا لبرشلونة المدعو للقاء بنفيكا البرتغالي، إنترميلان للقاء فيينورد روتردام الهولندي، أرسنال لمقارعة أيندهوفن الهولندي، ودورتموند لمجابهة ليل. لا يجدر التقليل من قدْر الأندية لكن التحليل ينطلق عادةً من الورق.إيطاليا... السببلا شك في أن إيطاليا لعبت دوراً في بثّ صورة شاحبة على عدد من مباريات دور الـ 16 نتيجة الخروج المهين من الملحق لميلان، حامل اللقب 7 مرات، أمام فيينورد، ويوفنتوس أمام أيندهوفن، فيما تبدو المواجهة الألمانية - الألمانية بين بايرن ميونخ وباير ليفركوزن ملتهبة رغم الهالة التي تحيط بالأول أوروبياً، غير أن الثاني انتزع منه اللقب المحلي في الموسم الماضي، أخرجه من كأس ألمانيا في الموسم الراهن، ووقف له بالمرصاد في المواجهات المباشرة منذ وصول المدرب الإسباني تشابي ألونسو. على الورق، سيكون "ريال" في مواجهة مع أرسنال القوي في ربع النهائي الذي سيفتح ذراعيه لاحتضان برشلونة المرتاح من "الكبار" والمدعو للقاء إمّا دورتموند وإمّا ليل. الفائز من "سان جرمان - ليفربول" سيحظى براحة في ربع النهائي حيث ينتظره بروج أو أستون فيلا، بينما يترقب المتأهل من "بايرن - باير" هدية ملغومة تتمثل مبدئياً بالإنتر. يبدو المشهد في دوري الأبطال أشبه بالامتحان الذي يحظى فيه طلاب بأسئلة في المتناول بينما يحظى آخرون بأسئلة يعجز عن حلّها حتى أستاذ المادة ذاتها. وإن كانت القرعة "الرعناء" لغة دوري الأبطال، لمَ لا تُجرى مع نهاية كل دور إقصائي وصولاً إلى نصف النهائي؟.خدمة مجانيةفي الموسم قبل الماضي، قدمت القرعة خدمة للأندية الإيطالية، إذ أبعدت نابولي وإنترميلان وميلان عن "كبار القارة"، ما أدى إلى بلوغ الأخيرين دور الأربعة. يومها، اعتبر كثيرون بأن "عودة إيطاليا" حصلت بعد سنوات في الظل امتدت من 2010 تاريخ آخر تتويج لأحد أنديتها (إنتر) بلقب دوري الأبطال. التالي للأندية الإيطالية؟ غياب تام عن ربع نهائي الموسم الماضي. السبب هو القرعة التي خدعت الجميع، بمن فيهم إيطاليا. قد يعتبر البعض بأن ريال مدريد هو اللاعب الأبرز في المعمعة الأوروبية بعد وصول الفرنسي كيليان مبابي، أو ليفربول متصدر "المجموعة الموحدة"، أو برشلونة المتجدد مع المدرب الألماني هانزي فليك، أو بايرن ميونخ الساعي إلى خطب ود اللقب في النهائي المقرر على أرضه، أو أتلتيكو مدريد الطامح إلى تتويج أول متسلحاً بعقلية المدرب الأرجنتيني دييجو سيميوني، أو دورتموند الحالم بقلب الطاولة على الجميع كما فعل في الموسم المنصرم، أو إنتر ميلان المطالب بحمل الراية الإيطالية بأمانة، أو باريس سان جرمان التوّاق أبداً إلى العرش القاري، أو أرسنال العائد بقوة مع المدرب الإسباني ميكيل أرتيتا، ربما، لكن الحسابات ومصائر الطامحين تبقى رهنَ مزاج قرعة تتحدث لغة... لا يفهمها أحد.