تبقى مسألة إصابات الملاعب شأن قدري، ولكنه في النهاية مُحدد بعوامل قد تعزز من فرص حدوثها مع الأسف، ويبدو أن نبوءة نجم كرة القدم الإسباني رودري، لاعب وسط نادي مانشستر سيتي الإنجليزي ومنتخب "لا روخا" قد تحققت بعد أيام قليلة من تصريحاته التي أثارت الجدل بقوة في أوساط جماهير "الساحرة المستديرة". غادر رودري ملعب "الاتحاد" خلال مباراة فريقه ضد أرسنال في قمة مباريات الجولة الخامسة من البريمرليغ، وبحسب التقارير التي نشرتها صحيفة "ماركا" فإن اللاعب الإسباني سيغيب لمدة طويلة بسبب قطع في الرباط الصليبي، وقد تصل المدة من 6 إلى 8 أشهر، أي أن موسمه انتهى مع الفريق.جاء ذلك النبأ الصادم بعد أيام قليلة من تصريحاته التي تحدث فيها عن احتمالية توجه اللاعبين إلى عمل إضراب عن ممارسة مباريات كرة القدم الاحترافية، لأسباب وجيهة للغاية. تهديد بالإضراب ويعتقد رودري أن لاعبي كرة القدم قد يلجأون إلى الإضراب عن المباريات، إذا استمرت الأندية في مواجهة أجندة مباريات مزدحمة للغاية. كان ذلك على هامش المؤتمر الصحفي قبل مباراة مانشستر سيتي ضد إنتر ميلان الإيطالي في الجولة الأولى من دوري أبطال أوروبا، والتي انتهت لاحقًا بالتعادل السلبي. وبسؤاله عن احتمالية حدوث إضراب من اللاعبين، قال اللاعب المُتوج بلقب "يورو 2024" بعد تألق كبير مع منتخب بلاده في الصيف الأخير: أعتقد أننا اقتربنا من ذلك. أعتقد أنه إذا سألت أي لاعب سيتحدث عن الأمر ذاته. هذا ليس رأي رودري فقط أو أي شيء آخر. أعتقد أنه الرأي العام للاعبين. إذا استمر الأمر على هذا النحو، فستكون هناك لحظة حيث لا يكون لدينا خيار آخر، أعتقد ذلك، لكن دعونا نرى. لا أعرف ماذا سيحدث، لكنه أمر يقلقنا لأننا نحن من يعاني. من تجربتي، بين 40 و50 مباراة هو عدد المباريات التي يمكن للاعب أن يؤدي فيها على أعلى مستوى. بعد ذلك يتراجع مستواه لأنه من المستحيل الحفاظ على المستوى البدني. يجب على شخص ما أن يعتني بنا لأننا الشخصيات الرئيسة في هذه الرياضة. الضغط يولّد الانفجار تحدث إصابات الرباط الصليبي في الركبة لأسباب عديدة، وأحدها هو الضغط الكبير في الممارسات الرياضية دون فترات كافية للتعادل. تحاول الأندية قدر الإمكان وضع برامج بدنية ملائمة لمساعدة لاعبيها، ولكن مقدار المباريات يزداد موسمًا بعد الآخر. من المتوقع أن يخوض السيتي قرابة 75 مباراة هذا الموسم في حال الوصول إلى كل مباراة نهائية ممكن في مختلف المنافسات، مع وجود عبء أكبر على اللاعبين الدوليين بسبب ارتباطهم بمنتخبات بلادهم.السيتي لن يكون الفريق الوحيد على مستوى أوروبا، وربما العالم، مع استمرار المباريات الدولية خلال أجندة الـ"فيفا"، وزيادة عدد مباريات كل فريق في دوري الأبطال، إلى جانب إقامة بطولة كأس العالم للأندية في صيف العام المقبل بأميركا مع زيادة عدد الأندية إلى 32 فريقًا، في فترة من المفترض أن تكون لنقاهة اللاعبين من ضغوط موسم انتهى للتو. وقالت الرابطة العالمية للاعبي كرة القدم المحترفين "فيفبرو" إن الحد الأقصى من المباريات خلال الموسم بالنسبة لأيّ لاعب يجب أن يكون بين 50 و60 مباراة، استنادا إلى أعمارهم. الضغط المستمر، دون فترات كافية للتعافي، يجعل الإصابات مثل إصابات الرباط الصليبي أكثر شيوعًا، وهو ما يُرجّح فكرة أن اللاعبين قد يدفعون أثمان نجاحهم واستمرارهم في البطولات مقابل إصابات خطيرة طويلة المدى، وإجهاد لا يسهل التعافي منه. هل تحدث إصابات الرباط الصليبي بسبب الإجهاد؟ وفقًا لتقرير سابق لشبكة "LER Magazine"، فإن إصابات الرباط الصليبي الأمامي من أكثر الإصابات شيوعًا بين الرياضيين، ويُعد الإجهاد الناتج عن كثرة المباريات سببًا محتملًا لزيادة خطر هذه الإصابة. وتُرجح الدراسات في مجال الطب الرياضة أن عدد المباريات المرتفع قد يؤدي إلى الإجهاد العضلي والميكانيكي، والذي قد ينتج عنه تغيرات في حركة اللاعبين، وهو ما يزيد من احتمالية تعرضهم لإصابات خطيرة، مثل تمزق الرباط الصليبي.الدراسات تشير إلى أن الإرهاق العضلي يؤدي إلى اختلال في التوازن العصبي العضلي، وهو ما يزيد من فرص حدوث إصابات الركبة، خصوصا في الحركات المفاجئة مثل القفز أو تغيير الاتجاهات بشكل غير متوقع، وهو أمر شائع في كرة القدم. كان رودري من أكثر اللاعبين الذي يفهمون كيف يشكو جسده، وقد طلب من مديره الفني بيب غوارديولا في الموسم الماضي إراحته من بعض المباريات بسبب الإرهاق الشديد، وربما كان يُدرك أن هذه اللحظة المؤسفة قد تباغته. ثورة ضد كرة القدم الحديثة تعليقات رودري في الأسبوع الماضي هو أكثر ما حدث ضجة، لأنه تحدّث عن فكرة الإضراب بشكل مباشر، لكن أليسون حارس مرمى ليفربول الإنجليزي هو أول من أطلق الشرارة إعلاميًا على الأقل، فكانت تعليقات نجم السيتي صدى لما صرّح به الحارس البرازيلي الذي اعتبر أن رؤساء كرة القدم يتجاهلون اللاعبين عندما يتعلق الأمر بقضية ازدحام المباريات. وقال أليسون في وقت سابق: "أحيانًا لا يسأل أحد اللاعبين عما يفكرون فيه بشأن إضافة المزيد من المباريات. ربما لا يهم رأينا، لكن الجميع يعرف ما نفكر فيه بشأن زيادة المباريات. الجميع سئم من ذلك". التصريحات الأخيرة لم تكن أول ما هاجم به رودري مسؤولي كرة القدم، حيث انتقد في السابق الدوريات الأوروبية بسبب "نفاقها التجاري"، وقال في يوليو: "يبدو أن هذه الدوريات تفضل روزنامة مليئة بالمباريات الودية والجولات الصيفية، والتي غالبا ما تنطوي على السفر". تصريحات اللاعب الإسباني لاقت قبولًا ودعمًا من جانب عدد كبير من المدربين في عالم كرة القدم، وفي مقدمتهم مدربه في السيتي ومواطنه بيب غوارديولا.ويعتقد غوارديولا أن اللاعبين يملكون القدرة على إحداث التغيير لأن الرياضة لا يمكن أن تستمر من دونهم، مضيفا "أنا متأكد من أنه إذا كان هناك شيء سيتغير، فيجب أن يأتي من اللاعبين. إنهم الوحيدون الذين بإمكانهم تغيير شيء ما... أن يكون لهم صوت". كما تواجد الدعم من البلجيكي فينسنت كومباني، المدير الفني لبايرن ميونخ، الذي دعا إلى وضع حد أقصى لعدد المباريات التي يُسمح للاعب بالمشاركة فيها كل عام. من جانبه حرص كارلو أنشيلوتي المدير الفني لفريق ريال مدريد الإسباني لكرة القدم على دعم جهود اللاعبين لتغيير "مستقبل كرة القدم". وقال الإيطالي في مؤتمر صحفي خلال نهاية الأسبوع الماضي: "كرة القدم تحتاج إلى التأمل لأن الهدف هو لعب عدد أقل من المباريات لتجنب الإصابات. اللاعبون ليس لديهم مشكلة في خفض رواتبهم إذا لعبوا أقل".وأضاف: "لن تتسبب الشكاوى التي تقدم بها المدربون واللاعبون في تغيير أي شيء في أجندة الموسم الحالي. ولكن من المهم للهيئات مثل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم 'يويفا' ورابطة الدوري الإسباني والاتحاد الدولي للعبة التفكير في هذا الأمر. يجب أن يدركوا أن اللاعبين يشعرون بالتعب". وأردف: "لسوء الحظ، أجندة هذا الموسم لن تتغير. اللاعبون يفكرون بشأن تغيير مستقبل كرة القدم، وأعتقد أن هذا صائب". في ضوء تلك الثورة الواضحة، قال الرئيس التنفيذي لرابطة اللاعبين المحترفين ماهيتا مولانغو: "هذا هو العام الذي يمكننا فيه النظر إلى الأجندة، والقول بوضوح أن هذا لا يفيد". وتابع: "اللاعبون يرون ذلك ويختبرونه الآن. يتعيّن على أولئك الذين يديرون اللعبة أن ينتبهوا ويلاحظوا". فهل يستمع المسؤولون إلى صوت رودري وزملائه قبل فوات الأوان والمزيد من الخسائر الصحية للاعبين؟(المشهد)