نجح الكرواتي لوكا مودريتش والألماني توني كروس في ترك بصمة دامغة على صفحات التاريخ الحديث لنادي ريال مدريد الإسباني بعدما ساهما في قيادته إلى تحقيق الألقاب بالجملة، لا سيما لقب دوري أبطال أوروبا في كرة القدم وذلك في مناسبات عدة.مودريتش (38 عاماً) وصل إلى "سانتياجو برنابيه" في 2012 قبل أن يلحق به كروس (34) في 2014. الأول وقف على النقطة الأعلى من منصة تتويج "الأبطال" 5 مرات (2014 و2016 و2017 و2018 و2022)، مقابل 4 للثاني (2016 و2017 و2018 و2022)، وهما على أعتاب إضافة لقب قاري جديد عندما يلتقي ريال ببوروسيا دورتموند الألماني على استاد "ويمبلي" في النهائي المقرر يوم الأول من يونيو المقبل. ووفقاً لتقرير نشرته "كادينا سير"، الشبكة الإذاعية الأولى في إسبانيا من حيث الأقدمية (تأسست في 1924)، فإن مودريتش وكروس سيغادران صفوف "الملكي" في نهاية الموسم الراهن رغم مساهمتهما في تتويج النادي بلقب الدوري المحلي ووصوله إلى نهائي "تشامبيونز ليج".عنصر الخبرةتعتبر هذه الخطوة حلقة في سلسلة التغييرات التي تبنّاها رئيس النادي، فلورنتينو بيريز، لجهة التخلي عن "الحرس القديم" والتطلع إلى مستقبل واعد بالنسبة إلى ريال مدريد الذي أتقن عملية الإحلال من خلال الحصول على خدمات أبرز النجوم الصاعدين أمثال البرازيليين فينيسيوس جونيور (23 عاما)، رودريجو (23) وأندريك (17)، الإنجليزي جود بيلينجهام (20)، الفرنسيين أوريليان تشواميني (24) وإدواردو كامافينجا (21)، التركي أردا جولر (19)، والأوروجوياني فيديريكو فالفيردي (25)، يضاف إليهم الفرنسي الآخر كيليان مبابي (25) الذي يبدو في طريقه إلى "مدريد" بعد إعلانه الرحيل عن باريس سان جرمان.الجماهير تطالب تحديداً باستمرار مودريتش الذي رفض عرض المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي الانضمام إلى جهازه الفني ابتداءً من الموسم المقبل. طلبُ الجمهور مبرر لأن اللاعبين الشباب في التشكيلة سيفتقدون إلى قائد فعلي صاحب خبرة، ليس فقط في أرض الملعب بل في غرفة تبديل الملابس أيضاً. ولا شك في أن سيناريو رحيل مودريتش وكروس سيكون مثالياً في حال التتويج بلقب دوري الأبطال مطلع الشهر المقبل والمساهمة في حصد النادي لقبه الخامس عشر في المسابقة الأوروبية الأم، هو الذي يحمل الرقم القياسي فيها على هذا الصعيد (14 لقباً). اللافت أن مودريتش ما زال القلب النابض في منتخب بلاده الذي يستعد لخوض غمار "يورو 2024" بين 14 يونيو و14 يوليو المقبلين، فيما عاد كروس إلى منتخب ألمانيا المضيف بعد ثلاث سنوات من الاعتزال على المستوى الدولي. يدرك اللاعبان بأن رياح التغيير هبّت في ريال مدريد لكنهما يبدوان واثقين من قدرتهما على تمثيل النادي في الموسم المقبل على أقل تقدير.لا لـ"جلاكتيكوس"ويبدو بأن بيريز طوى نهائياً صفحة الـ "جلاكتيكوس" وهي التسمية التي أطلقت على مجموعة اللاعبين ذوي الشهرة العالمية والذين حصل الرئيس على تواقيعهم في ولايته الأولى خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما عمد إلى ضم نجم واحد من هذا الطراز في كل موسم، من أمثال البرتغالي لويس فيجو، الفرنسي زين الدين زيدان، الإنجليزي ديفيد بيكهام، البرازيلي رونالدو وغيرهم. ورغم أن النادي استمر في مطاردة أكبر النجوم أمثال البرتغالي كريستيانو رونالدو والويلزي جاريث بايل، إلا أن تلك السياسة بدأت بالتلاشي شيئاً فشيئاً. بيريز وضع حداً للمصاريف مستغلاً جاذبية ناديه لإقناع النجوم الصاعدين بالتوقيع على كشوفاته، ومستفيداً من واقع أن الطريق للفوز بـ "الكرة الذهبية" لا بد لها أن تمر من "مدريد"، من دون أن يغفل حماية نفسه دوماً من مخاطر كسر قواعد اللعب المالي النظيف عبر ترشيد النفقات، خصوصاً بعد الأموال الطائلة التي بذلت على ترميم استاد "سانتياجو برنابيه".بيريز لا يقف مكتوف اليدين اليوم، بل يسعى إلى المزيد. خير دليل على ذلك البدء منذ أشهر بعملية "مغازلة" لاعب بايرن ميونيخ الألماني، الكندي ألفونسو ديفيز (23 عاما)، بالتلازم مع محاولة ضم الفرنسي ليني يورو (18) من نادي ليل.هذا ليس كل شيء، فقد بات أي نجم صاعد مؤهلاً للانضمام إلى الفريق، وآخرهم الألماني الرائع فلوريان فيرتز (21) بعدما فرض نفسه بقوة خلال الموسم الذهبي الراهن ضمن صفوف باير ليفركوزن بطل الـ "بوندسليجا" والمدعو لخوض نهائيي كأس ألمانيا و"يوروبا ليج"، مع رقم إعجازي تمثل في خوض 50 مباراة حتى اليوم في مختلف مسابقات الموسم الحالي من دون خسارة. يبدو ريال مدريد، على هذه الجبهة، وكأنه يتريث خصوصاً أن ليفركوزن حدد سعر نجمه الدولي الذي يرتبط معه بعقد حتى 2027 بـ 150 مليون يورو، علماً بأن صحيفة "ماركا" الإسبانية كشفت أن "الملكي" يخطط للتوقيع مع اللاعب في صيف العام 2025. وقد يأتي التعاقد المحتمل مع فيرتز مع صفقة أخرى تتمثل في الأرجنتيني الرائع، لاعب ريفر بلايت، فرانكو ماستانتونو (16).مدرب قادرولإكمال المهمة بشكل مثالي، يتطلع بيريز إلى اختيار مدرب قادر على إدارة هذه التوليفة لفترة طويلة من الزمن، وثمة قناعة بأن النجم السابق للفريق، تشابي ألونسو، صاحب "معجزة ليفركوزن في الموسم الحالي"، سيكون الربّان المقبل لـ "سفينة ريال مدريد". يعيش النادي "مرحلة انتقالية" غير أنه لا يسمح لها بأن تمر مرور الكرام، فهذا ليس من شيمه. مرحلة انتقالية، نعم، لكنها حبلى بالألقاب، وهي معادلة تعجز عن تحقيقها أندية أوروبية كبرى أخرى، مثل برشلونة الإسباني على سبيل المثال لا الحصر. في ريال مدريد، تتم "عملية البناء المستمرة" في وقت متلازم مع "موسم حصاد مستمر" وفق سياسة طموحة أثبتت نجاحها. يبقى سؤال: من خطط مثل ريال مدريد ومن جهز نفسه للمستقبل كريال مدريد؟ حالياً، لا يوجد في الساحة مثيل له على الإطلاق رغم أن المنافسين كثر، تحديداً مانشستر سيتي الإنجليزي بقيادة المدرب الإسباني جوسيب جوارديولا الذي يعتمد سياسة أخرى تستند إلى دعم سخي من الملاك الإماراتيين الذين لا يتوانون عن إبرام صفقات مليونية مع كبار النجوم. يعيش ريال مدريد على أمجاد جعلت منه النادي الأكبر والأكثر نجاحاً في العالم، غير أنه أثبت، خلال السنوات الأخيرة من الولاية الثانية لبيريز، بأنه النادي الذي يُعدّ أمجاداً.. للمستقبل أيضاً.