قلق كبير يساور الجميع في مصر ولا سيما عشاق كرة القدم، وذلك في ظل تكرار الموت المفاجئ الذي بات يمثل اللحن الحزين لجماهير المستطيل الأخضر، حيث فقدت الملاعب المصرية خلال الأعوام القليلة الماضية أكثر من نجم كروي في سن صغيرة، ومنهم من كان لا يزال يعيش أزهى فتراته الكروية في تلك الملاعب.آخر ضحايا أسرة كرة القدم المصرية كان اللاعب عمرو رضا رجب، البالغ من العمر 20 عامًا والشهير بـ"عمرو كالوشا"، الذي يلعب بأحد أندية الدرجة الرابعة بمحافظة الشرقية، حيث سقط مغشيًا عليه أثناء مشاركته في لقاء كرة قدم خماسية بسبب بلع لسانه في الملعب، ونُقل إلى أقرب مستشفى لتقديم الدعم الطبي له، إلا أنه فارق الحياة.واقعة عمرو كالوشا ليست الأولى، إذ سبقتها العديد من الحالات التي ضربت بقوة الملاعب المصرية، والتي تنوعت ما بين سكتات قلبية مفاجئة، وهبوط حاد في الدورة الدموية وبين بلع اللسان. ويعد كالوشا ثالث ضحية للموت المفاجئ الذي يتعرّض له لاعب كرة مصري خلال العام الجاري، وهو الأمر الذي أثار العديد ممن التساؤلات على ألسنة الكثيرين داخل البلاد، حول أسباب تكرار ظاهرة الموت المفاجئ للرياضيين المصريين.نقص الفحوصات اللازمةوقال طبيب المنتخب المصري لكرة القدم الدكتور محمد أبو العلا، إن عدم التزام بعض الأندية، سواء التي تشارك في الدوري الممتاز أو تلك المشاركة في الدرجات المختلفة الأخرى، بعمل الفحوصات المطلوبة للاعبين، يعدّ من أهم المشكلات التي تؤدي إلى تكرار ظاهرة الموت المفاجئ للاعبين داخل المستطيل الأخضر. وطالب أبو العلا في تصريحات لمنصة "المشهد" أن تتم هذه الفحوصات بشكل دوري ومنتظم، ولا سيما قبل المباريات و البطولات والتجمعات الكبرى للأندية، وذلك من أجل التأكد من جاهزية لاعبي الفريق بشكل كامل، سواء من الناحية البدنية أو الصحية. وذكر أن من أبرز هذه الفحوصات هو "اجراء فحص كامل للقلب، يشمل رسمًا على القلب وموجات صوتية وتحاليلا معينة"، إضافة إلى "الكشف عن الأمراض الباطنية وتقييم العظام والعضلات، إلى جانب تحاليل الدم اللازمة".ويؤكد أبو العلا على وجود العديد من التوصيات واللوائح القانونية من أجل الحفاظ على أمن وسلامة الرياضيين، من قِبل عدد من الهيئات الدولية التي وضعت معايير محددة، تمنع مشاركة أي لاعب في حال معاناته من أمراض أو حالات صحية معينة تستدعى الحذر.وأوضح أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال مثلًا، السماح لأي لاعب يعاني من إصابة أو مرض فيروسي باللعب، إلا بعد فترة علاجية مناسبة، لأن الإجهاد في هذه الأحوال يعرض اللاعب للخطر الشديد.وكان لاعب المنتخب المصري ونادي مودرن سبورت أحمد رفعت، قد تعرض لسكتة قلبية في أرضية الملعب أثناء مباراة رسمية لفريقه في يوليو الماضي، وبعد حصوله على الرعاية الطبية اللازمة عاد للحياة، لكن قلبه توقف مرّة أخرى وفارق الحياة بسبب "ضغوط نفسية"، كان قد تحدث عنها قبل وفاته أثناء لقاء متلفز له. لذا يري أبو العلا أن الحالة النفسية تؤثر بشكل كبير على صحة اللاعبين، مما قد يؤدي في بعض الأحيان إلى الوفاة، مؤكداً أن المستويات المرتفعة من التوتر والقلق، يمكن أن تزيد من مخاطر الاصابة بأزمات قلبية قاتلة أو السكتة الدماغية التي تؤدي بطبيعة الحال إلى الوفاة.اشتراطات ولوائحالمتحدث الرسمي باسم وزارة الشباب والرياضة الدكتور محمد الشاذلي، أوضح أن هناك اشتراطات ولوائح وضعتها الوزارة على الاتحادات الرياضية والأندية والهيئات الرياضية، من أجل إقامة أي مسابقات رياضية، والتي ما إن توفرت يتم إقامة المسابقة، أما إذا لم تتوافر فينبغي إلغاؤها على الفور.وأكد الشاذلي في حديثه مع منصة "المشهد" أن الجهة المنظمة لتلك المسابقات سواء كانت مباريات كرة قدم، أو أي مسابقات رياضية أخرى، هي المسؤولة بشكل كامل عن تطبيق الاجراءات والأكواد الطبية التي وضعتها الوزارة لحماية كافة أفراد المنظومة الرياضية، وبالتالي فإن مسؤولية تقديم الرعاية الطبية المطلوبة للاعبين وتوقيع الكشف الطبي عليهم بصفة دورية، تقع على الجهة المالكة لهؤلاء اللاعبين والمتمثلة في "النادي".ومن جهته، يرى رئيس اللجنة العليا للرعاية الطبية للرياضيين الدكتور حازم خميس، أن النسبة العالمية لحدوث الموت المفاجئ في الملاعب هي نسب قليلة وليست كبيرة، حيث تمثل من 1 إلى 80 ألف، أو من 1 إلى 100 ألف، فوفقًا لإحصائية صادرة من "الفيفا"، فإن عدد اللاعبين الذين فقدوا حياتهم داخل الملاعب من عام 1970 حتى عام 2022، بلغ نحو 238 رياضيًا.وكشف خميس في حديثه مع منصة "المشهد" أن هناك مفهوم يطلق عليه القلب الرياضي، ومفاده أن قلب الرياضيين يختلف بشكل كلي عن قلب الأشخاص العاديين الذين لا يمارسون الرياضة، مشيرًا إلى أن هذا النوع من القلب تحدث فيه تغييرات كهربائية وميكانيكية وصمامية في الشرايين التاجية لا تحدث للشخص العادي، مبينًا أن الأبحاث التي يتم إجراؤها على قلب الرياضيين تستطيع تشخيص 85% فقط من عيوب القلب التي قد تؤدي إلى الوفاة.مفاجأة من العيار الثقيل فجرها رئيس اللجنة العليا للرعاية الطبية للرياضيين حول ظاهرة تعرض الرياضيين للموت المفاجئ، حيث أكد أن فرص موت الرياضي المحترف تمثل 3 أضعاف الشخص العادي غير الممارس للرياضة، موضحًا أن الرياضة لها العديد من الفوائد بكل تأكيد، فهي تعمل على تحسين الكفاءة البدنية، وتحسن من كفاءة ضغط سكر العضلات، لكن التغيرات الفسيولوجية التي تحدث للرياضيين تجعلهم أكثر عرضة للعديد من المخاطر. إجراءات لابد من توافرهاوقدم خميس العديد من النصائح التي ينبغي اتباعها من قبل الرياضيين، تجنبًا لوقوع مثل هذه الحوادث الأليمة، حيث كان في مقدمتها ضرورة أن يكون هناك بحث للقلب الرياضيّ، بمعنى أن أيّ شخص يقدم على ممارسة أيّ رياضة تنافسية من صغره حتى مرحلة الاحتراف، لا بدّ وأن يجرى له بحث قلب رياضي، إضافة إلى وجود وعيّ لدي الرياضيّ حول الحفاظ على صحته. كما طالب خميس بحتمية تطبيق الإجراءات الموضوعة من قبل اللجان الطبية بوزارة الشباب والرياضة، والتي ولا بدّ من توافرها قبل لعب أيّ مباراة على أرضية الملعب، ولعل من أهمها الآتي:التأمين الطبي الكامل للمباراة، وذلك من خلال وجود سيارة إسعاف مجهزة بشكل كامل ومستعدة لأيّ حدث طارئ في المباراة.ينبغي على حكم المباراة والمراقب التأكد من وجود عناصر طبية مجهزة، تملك دورات تدريب وخبرات لعملية الإنعاش القلب الرئوي.وفيما يخص عدم قدرة الكثير من الأندية التي تشارك في درجات مختلفة من دوريات كرة القدم المصرية على توفير سيارة إسعاف مجهزة أثناء المباريات، طالب خميس بضرورة أنّ يتوافر لدى كل نادٍ عنصرين على الأقل لديهم خبرات في عملية قواعد الإنعاش القلبيّ الرئوي وعمل دورات تدريبية حول هذا الأمر، بالإضافة إلى وجود جهاز الصدمات الكهربائية الذي يمنح المسعفين القدرة على التعامل مع الأزمات القلبية، ويرفع وجوده من فرص اللاعب بالحياة.وتجدر الإشارة إلى أن 3 لاعبين مصريين فقدوا حياتهم خلال هذا العام داخل الملاعب، وهم أحمد رفعت لاعب "مودرن سبورت"، الذي تعرّض للسكتة القلبية في مباراة فريقه أمام الاتحاد السكندري، ومحمد شوقي لاعب نادي "كفر الشيخ"، الذي تعرض لسكتة قلبية في مباراة جرت في دوري الدرجة الثانية، وأخيراً عمرو كالوشا الذي وافته المنية داخل المستشفى عقب تعرّضه لأزمة قلبية أثناء ممارسته كرة القدم الخماسية. (المشهد)