كرة القدم تتحدث بلغة المال. حقيقة ليست بجديدة، غير أنّ الأرقام آخذة بالارتفاع بشكل مطّرد لا يُصدّق، خصوصًا مع فتح الباب أمام كبار المستثمرين لضخّ الملايين، لا بل المليارات في الأندية.يجري الحديث كثيرًا عن عائدات البثّ التلفزيونيّ في الدوري الإنكليزيّ الممتاز مثلًا. في الموسم الماضي، تصدر مانشستر سيتي اللائحة في إنجلترا بـ206 ملايين يورو من عائدات البث، فيما حلّ ساوثمبتون في المركز الأخير مع 121 مليونًا. اللافت أنّ برشلونة الذي احتل المركز الأول على صعيد عائدات البثّ في الدوري الإسبانيّ خلال الموسم الماضي، حصل على 96 مليون يورو، متقدّمًا على ريال مدريد بـ 89 مليونًا. وهذا يعني بأنّ آخر نادٍ في إنكلترا على مستوى عائدات البث، يتفوّق على أفضل نادٍ على هذا الصعيد في إسبانيا. وبغضّ النظر عن هذه الفوارق، فإنّ هذه الملايين تشير بوضوح ومن دون لبس إلى ما تحصل عليه الأندية من البثّ فقط. غير أنّ هذا ليس بكل شيء، فقد أشار تقرير إلى أنّ أكثر أندية "القارة العجوز" حصولًا على عائدات من المصادر المختلفة (البثّ التلفزيوني وجوائز البطولات وغيره)، في الموسم الماضي، لم يكن سوى ريال مدريد مع 831.4 مليون يورو، متقدمًا على مانشستر سيتي (825.9)، باريس سان جرمان الفرنسي (801.8)، فيما حلّ برشلونة رابعًا مع 801.1 مليون أمام مانشستر يونايتد الإنكليزي (745.8)، وبايرن ميونيخ الألمانيّ (744). وجاء ليفربول الإنكليزي سابعًا بـ682.9 مليون من العائدات، متفوّقًا على مواطنيه توتنهام (631.5)، تشلسي (589.4)، وأرسنال العاشر (532.6). ويلاحظ أنّ بين العشرة الأوائل، ثمة 6 أندية إنجليزية، اثنان من إسبانيا، واحد من كل من فرنسا وألمانيا، مع غياب تام لإيطاليا.حصة الوكلاءيجري التركيز، خلال إبرام الصفقات بين هذا النادي وذاك، على قيمة الانتقال ومدى استحقاق اللاعب لهذا المبلغ من عدمه، لكن ما خفي كان أعظم. فقد حصل وكلاء أعمال اللاعبين على نحو 888 مليون دولار كعمولة انتقال موكليهم اللاعبين في 2023، وفق الاتحاد الدوليّ للعبة (فيفا). في 2022، وصل المبلغ إلى نحو 265 مليونًا فقط بسبب آثار جائحة "كورونا". 72.8% من الـ888 مليونًا جرى سدادها من الأندية الشارية للاعبين، أي نحو 646.5 مليونًا. أما الأندية البائعة للاعبين فقد دفعت 241.5 مليونًا للوكلاء في 2023 أي 27.2% من الـ888 مليونًا. معلوم أنّ "فيفا" سعى وما زال يسعى إلى الحدّ من مطامع الوكلاء، لكن يبدو بأنّ محاولاته في هذه الاتجاه باءت بالفشل حتى الساعة. وطالما أننا نتحدث عن الانتقالات، فالجدير بنا الإشارة إلى أنّ الإسباني جوسيب غوارديولا يُعتبر الأكثر صرفًا للأموال على ضم اللاعبين في التاريخ، منذ انطلاق مسيرته التدريبية في برشلونة، مرورًا ببايرن ميونيخ، ووصولًا إلى مانشستر سيتي. "بيب" صرف حتى الساعة 2.04 مليار يورو، متقدمًا على البرتغاليّ جوزيه مورينيو (1.86 مليار)، الإيطاليّ كارلو أنشيلوتي (1.69) ومواطنه ماسيميليانو أليغري (1.4)، والأرجنتينيّ دييغو سيميوني (1.21). ويأتي في المركز السادس التشيليانيّ مانويل بيليغريني بـ 1.2 مليار يورو، أمام الألمانيّ توماس توخيل (1.19)، الإيطاليّ أنتونيو كونتي (1.17)، الأرجنتينيّ ماوريتسيو بوكيتينو (1.15)، فيما جاء الألمانيّ الآخر يورغن كلوب عاشرًا مع 1.13 مليار.فرنسا في القمةويبدو، في مكان آخر، أنّ اللاعبين الفرنسيّين سحبوا البساط من تحت أقدام نظرائهم البرازيليّين والأرجنتينيّين. ففي العام 2023 وحده، صرفت الأندية المختلفة 1.3 مليار دولار على ضم لاعبين فرنسيّين، أغلاهم راندال كولو مواني المنتقل من أينتراخت فرانكفورت الألمانيّ إلى باريس سان جيرمان. البرازيل تقف في المركز الثاني على هذا الصعيد مع 935 مليونًا صرفتها الأندية على ضم لاعبين يحملون جنسية بلاد السامبا، أغلاهم نيمار الذي ترك سان جيرمان ليدافع عن ألوان الهلال السعودي. المركز 3 ذهب إلى هولندا مع 526.7 مليونًا، وكان أبرز اللاعبين المنتقلين كودي غاكبو إلى ليفربول. بريطانيا تأتي رابعة مع 517.4 مليونًا مع الأغلى، جود بيلينغهام المتحوّل إلى ريال مدريد من بوروسيا دورتموند الألماني. الأرجنتين بطلة العالم احتلت المركز الخامس مع 509.7 ملايين، وتقدم لائحتها إينزو فرنانديز الذي ارتدى زيّ تشلسي الإنكليزي. هذا غيض من فيض.. بيد أنّ ما ذُكر يؤشر بوضوح إلى تحول كرة القدم إلى صناعة، وهذا معلوم، لكنّ الواقع قد يتجاوز يومًا ما إطار الرياضة التنافسية، ربما تجاوزه، لا بل تجاوزه حقًا.