ودّع المنتخب الألماني المضيف بطولة "أمم أوروبا 2024" لكرة القدم من بوابة ربع النهائي بعد الخسارة الدراماتيكية أمام إسبانيا 2-1 في مباراة اعتبرت الأقوى في "العرس القاريّ" بين فريقين كانا يستحقان أن يتواجها في النهائي الذي تستضيفه العاصمة برلين في 14 يوليو الجاري.صحيح أن الـ "ناسيونال مانشافت" حسّن صورته السيئة التي ظهر عليها في 2018 و2022 عندما خرج من نسختين لكأس العالم من دور المجموعات، وفي "يورو 2020" عندما ودّع المنافسات من ثمن النهائي، غير أن المستقبل يبدو مبهماً بعض الشيء. في "يورو 2024"، عاش "المنتخب الأبيض" أياماً جميلة، مُقدّماً أداءً طال انتظاره بقيادة المدرب الشاب يوليان ناجلسمان. انتصارُ افتتاح على اسكتلندا، تبعه فوز على المجر فتعادلٌ مع سويسرا في اللحظات الأخيرة، ومرور من عقبة الدنمارك في ثمن النهائي. ثم جاء السقوط المرّ أمام إسبانيا التي تحولت إلى عقدة حقيقيّة للألمان في السنوات الأخيرة. "لا فوريا روخا" تفوقت على "الماكينات" في نهائي "يورو 2008" بهدف، وفي نصف نهائي كأس العالم 2010 بالنتيجة ذاتها، ثم بنصف "درزن" من الأهداف في دوري الأمم الأوروبية 2020.غياب المواهبربما كان على ألمانيا أن تتعلم الدروس لكنها لم تفعل، ليس لأنها لا ترغب في ذلك، بل لأنها عانت من شحّ رهيب على مستوى المواهب، وهو ما كشف عنه رئيس أكاديمية الاتحاد المحلي للعبة عندما أقرّ في سبتمبر 2023 بأن بلاده باتت متأخرة جداً إذا ما قورنت بالدول المتقدمة الأخرى كروياً. كلام مردود عليه لأن المنتخب يضم موهبتين تعتبران بين الأبرز في العالم حالياً وتتمثلان في جمال موسيالا وفلوريان فيرتز، يضاف إليهما عدد كبير من اللاعبين الذين ينشطون في أكبر الأندية من أمثال الحارس مانويل نوير وجوشوا كيميتش وأنتونيو روديجر وإيلكاي جاندوجان وكاي هافيرتز وليروي ساني وغيرهم. كان ينقص الفريق شيء ما؛ ضابط إيقاع. مايسترو قائد فعلي على أرض الملعب. أدرك ناجلسمان هذا الواقع، فتواصل مع توني كروس المتألق مع ريال مدريد الإسباني، وطلب منه العودة إلى المنتخب بعد ثلاث سنوات من الغياب. لبّى كروس نداء الوطن في عمر الـ 34 مع رغبة جامحة في إنهاء مسيرته متوّجاً بكأس أوروبا بعدما سبق له المساهمة في تتويج ألمانيا بكأس العالم 2014 في البرازيل. منذ عودته، تغيّر حال منتخب ألمانيا بشكل جذريّ، بات أكثر حيوية وتوازناً، أدى حضوره إلى بروز لاعبين آخرين من حوله، وأثبتت المباريات الودية بأنّ منتخب ألمانيا عاد قوياً وأنّ ما كان ينقصه لم يكن سوى كروس. كل كرة يتوجب أن تمر به؛ مثالية في الاستلام والتمرير، ودقة في إيصال الكرة إلى حيث يريد؛ أمور فرضت نفسها بقوة في المباريات الودية وفي "يورو 2024". رئة المنتخبأكد "توني" بأنه رئة المنتخب الألماني؛ حضوره جعل الفريق عبارة عن حلقات مترابطة في سلسلة مُحكمة. منح المدافعين راحة نفسية بتواجده بينهم وأمامهم، وأعطى الفرصة لزميليه في "الارتكاز" للتحرر من قيود المركز، وساهم في فتح الملعب بتمريراته الطويلة إلى جانبَي الملعب. الإعلام الألماني أشاد بـ "الابن البار" واعتبره ممراً لولوج النقطة الأعلى من منصة التتويج لـ "يورو 2024" بعد ابتعاد عنها امتدّ 28 عامًا منذ التتويج الأخير في إنجلترا عام 1996. لا شك في أنّ الخروج الأخير أمام إسبانيا جاء محبطاً لألمانيا وكروس الذي كان يخوض مباراته الأخيرة في حياته بعدما سبق له الإعلان عن اعتزاله اللعبة نهائياً بعد "العرس القاريّ". كان يرغب في استكمال المشوار في البطولة الأوروبية خصوصاً أنه بدا بحيويّة مفرطة وقدرة على العطاء لسنوات، كان يحلم بتتويج أخير مع منتخب بلاده بعدما نجح قبل أسابيع في انتزاع لقب دوريّ أبطال أوروبا مع ريال مدريد.المستقبل القريب واليوم تقف ألمانيا، بعد الخيبة الأوروبية، وهي تتطلع إلى المستقبل القريب المتمثل في تصفيات كأس العالم 2026 المقررة نهائياتها في الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمكسيك، وتتساءل عمّا إذا كانت قادرة على المنافسة الجدية على اللقب الأسمى بعد سنتين من اليوم. عدد من اللاعبين الحاليين قد لا يكملون المسار حتى المونديال المقبل بعدما أعلنوا صراحةً بأنّ الأسابيع القليلة المقبلة ستشهد اتخاذ القرار بالاستمرار مع المنتخب من عدمه، لكن معظم هؤلاء يمكن تعويضهم في المدى المنظور بعناصر أخرى شابة ظهر بعضها في الـ "يورو" الحالي، لكن المشكلة المركزية تتمثل في عدم وجود بديل لكروس، وبالتالي ثمّة شعور بأنّ المنتخب فقد قلبه. ثمّة أكثر من لاعب لكل مركز في المنتخب، حراسةً ودفاعاً ووسطاً وهجوماً، لكن ألمانيا لا تمتلك لاعباً بمميزات كروس قادراً على ضمان التوازن في الفريق ومنح الأمان الذي وفّره منذ العودة. برحيل كروس، تطوي "الماكينات" صفحة بارزة في كتاب عودتها للعب الأدوار الأولى؛ وقد يضطر ناجلسمان حتى إلى تغيير أسلوب المنظومة بالكامل بسبب افتقاده لـ "توني" أو لأيّ لاعب قادر على تعويضه. صحيح أن منتخب ألمانيا خسر أمام إسبانيا وأُقصِيّ من "يورو 2024"، لكنه باعتزال كروس، يكون قد خسر مرتين.(المشهد)