سيتعانقان بحرارة على منصة التتويج في 10 يونيو المقبل، في حال تُوّج ناديهما بلقب دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، ولا شك في أنهما سيواسيان بعضهما البعض في حال الخسارة.الأرميني هنريك مختاريان والتركي هاكان تشالهانوغلو يتعايشان بشكل سلس واحترافي ضمن صفوف فريق إنتر ميلان الإيطالي، رغم الماضي الأليم والحاضر المتوتر بين بلديهما. بعد تنقّله في صفوف ثلاثة أندية في ألمانيا حيث أبصر النور، وصل تشالهانوغلو إلى إيطاليا، وتحديدا إلى نادي ميلان عام 2017، حيث طاب له المقام حتى 2021، عندما قرر الانتقال إلى الفريق الآخر في المدينة ذاتها، إنتر ميلان. أرمينيا وأذربيجانحصل اللقاء "صدفةً" عام 2022، عندما تحوّل مختاريان إلى إنتر أيضا بعد رحلة شهدت توقفه عند محطات عدة، أبرزها بوروسيا دورتموند الألماني، ومانشستر يونايتد الإنجليزي، ثم مواطنه أرسنال وصولًا إلى روما الإيطالي وانتهاءً بالـ "نيراتزوري". خطوتان جاءتا بُعَيد الأزمة العسكرية بين أرمينيا وأذربيجان التي تدعمها تركيا بقوة، حول ناغورنو كاراباخ، وهو إقليم ذو غالبية أرمنية في أذربيجان. كان النزاع قائماً منذ فترة طويلة، لكن عام 2020 شهد تصاعد التوتر، فاندلعت مواجهات عسكرية بين البلدين، وسُجلت انتهاكات لوقف إطلاق النار الموقّع في 1994. كانت أرمينيا تعتبر نفسها داعمةً للأرمن المقيمين في ناغورنو كاراباخ، ولم تبخل في تقديم دعم سياسي وعسكري للإقليم. من جانبها، تسلحت أذربيجان بدعوة للحفاظ على سلامة ووحدة أراضيها، ولطالما وصفت الأرمن في الإقليم بأنهم محتلون. لا مكان لهذا الصراع في نادي إنتر بالتأكيد، ولم يُظهر أيّ من اللاعبَيْن عدائية الواحد تجاه الآخر. من يبحث عن مشكلة وقعت بينهما منذ "اللقاء الأول" سيعود خائبا. يشغل النجمان الموهوبان مركزين في خط الوسط ويكمّلان بعضهما، ويتعاونان بأسلوب سلس لا يشبه بشيء العلاقة بين أرمينيا وتركيا، والتي اعتادت على التوتر نتيجة أحداث تاريخية وسياسية معقدة، تشمل ما يسمّى بـ"إبادة جماعية للأرمن" في 1915، تقدّر الأرقام التي يتم تداولها لعدد الضحايا بالملايين. تركيا تنفي دائما تورطها وتعتبر الموتى ضحايا ظروف حربية وصراعات داخلية، وترفض استخدام مصطلح "إبادة جماعية". ورغم مرور عقود، فإنّ الأزمة لا تزال قائمة وتشهد توترا سياسيا ودبلوماسيا مستمرا، وتعكس توترات تاريخية وثقافية عميقة بين الشعبين، وتستمر في إثراء النقاشات السياسية العنيفة أحيانا. ولا يغفل هنا تأثير دور وسائل الإعلام من الجانبين في تأجيج التوترات الماضية بين البلدين، وتزيد من حدة المشاكل في المواجهات الرياضية والاحتقان بين الجماهير واللاعبين. وعلى عكس ذلك، يُعتبر التعاون الرياضي بين مختاريان (34 عاما) وتشالهانوغلو (29 عاما) في إنتر، مثاليًا ورمزا للتسامح والتعايش السلمي بين الثقافات المختلفة. ثمة نقاط مشتركة أكثر من الاختلافات بينهما، فكلاهما قادر على القيام بكل شيء في أرض الملعب. كل شيء بصورة مثالية. يتمتعان بصفات فريدة يضعانها في خدمة الفريق، مع رغبة جامحة للتضحية في سبيل المجموعة. تشالهانوغلو برع في أداء دور الغائب للإصابة، الكرواتي مارسيلو بروزوفيتش، مدعوما بتعاون منقطع النظير في الوسط من مختاريان. "جنرالَا حرب"اللاعبان متشابهان، إلى حدّ ما، في أرض الملعب، ويُعتبر نيكولو باريلا مكمّلًا لهما بالنظر إلى اختلافه فنيا، ويبدع هاكان وهنريك في عملية تبادل الأدوار، ويقدمان الإضافة للمدرب سيموني إينزاغي، سعيد الحظ بوجودهما لملء فراغٍ خلّفه بروزوفيتش، الذي كان يرتدي ثوب لاعب لا يمكن الاستغناء عنه، منذ منتصف سبتمبر الماضي، تاريخ تعرّضه للإصابة. وجد إينزاغي الدواء الشافي لغياب الكرواتي، فوضع تشالهانوغلو في مركز الأخير، وثبّت مختاريان، الذي يجيد ثماني لغات، إلى جانبه، حتى بدا وكأنّ الفريق يسير بقيادة "جنرالَي حرب". وأثمرت هذه التوليفة تأهلا إلى دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا، عبر "مجموعة الموت" التي ضمت بايرن ميونيخ الألماني وبرشلونة الإسباني، وسبعة انتصارات في الدوري المحلي. ومع عودة بروزوفتيش في الردهات الأخيرة من الموسم، استمتع إينزاغي بتوافر حلول إضافية انعكست تتويجا بكأس إيطاليا على حساب فيورنتينا الأربعاء، في مباراة شهدت حضور الكرواتي وتشالهانوغلو، وغياب مختاريان الذي كان أساسيا في مباراة العودة أمام ميلان، ضمن الدور نصف النهائي من "تشامبيونز ليغ". وعلى العكس من ذلك، عاش اللاعب الدولي الأرجنتيني السابق أوزفالدو أرديليس، في سبعينيات القرن العشرين، فترة عصيبة. قبل كأس العالم 1982 في إسبانيا، اندلعت حرب فوكلاند بين الأرجنتين والمملكة المتحدة، على إقليمين واقعين في جنوب المحيط الأطلسي وتابعين لبريطانيا. كان أرديليس في حينها من أبرز نجوم نادي توتنهام هوتسبير الإنكليزي، لكنّ الحرب تسبّبت في رحيله إلى باريس سان جرمان الفرنسي بنظام الإعارة، وذلك بطلب من جهات عليا في بلاده. صحيح أنّ هاكان وهنريك ينشطان في دوري بعيد عن وطن كل منهما، على عكس أرديليس الذي "كان يلعب على أرض الخصوم"، إلا أنّ تشالهانوغلو لن يتردد، مع الجماهير التركية، عن الاحتفال بمختاريان في قلب إستاد أتاتورك الأولمبي في إسطنبول، التي تحتضن نهائي دوري الأبطال بين إنتر ومانشستر سيتي الإنجليزي، في حال قُرعت أجراس التتويج للفريق الإيطالي.