منذ سنوات طويلة أدرك القائمون على النشاط الرياضي في العالم وبالأخصّ كرة القدم – اللعبة الشعبيّة الأولى- أنّها لم تعد مجرّد لعبة للتسلية فقط، ولكنّها صناعة تُدِرّ مليارات الدولارات، وتساهم في رفع اقتصادات تلك الدول.إقليميا وبالتحديد في مصر، اندلع خلال الأيّام الماضية جدلٌ حول فكرة طرح الأندية ذات الظهير الشعبي، إلى الاستثمار ونقل ملكيّتها إلى مستثمرين يقومون بإحداث نقلة في مستوى هذه الأندية والتي ستنعكس أيضًا على مستوى اللّعبة الأشهر.وتمتلك مصر أكثر من 1010 نادٍ رياضي، يبلغ عدد الأندية الخاصّة منها نسبة ضئيلة للغاية، مقارنة بالأندية العامة المملوكة للدولة التي تتخطّى أكثر من 80% يتمّ دعمها بأكثرَ من 800 مليون جنيه سنويًّا، بحسب النائبة في البرلمان المصري، آمال عبد الحميد.تحرّك برلماني وما بين قبول وترحيب بالفكرة ورفض من بعض مشجّعي تلك الأندية على مواقع التواصل الاجتماعي، تقدّمت النائبة في البرلمان المصري آمال عبد الحميد بطلب اقتراح برغبة إلى المستشار الدكتور حنفي جبالي رئيس المجلس، موجّه إلى الدكتور أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة، يدعو إلى خصخصة الأندية الرياضية في مصر لزيادة مساهمتها في الاقتصاد القومي. وقالت النائبة في بيان صحفيّ لها، إنّ صناعة الرياضة حول العالم وصلت لـ 840 مليار دولار سنويا، ومع حساب بعض الأنشطة الملحقة بها مثل التغذية والنقل والبثّ وغيرها يصل إلى تريليون و800 مليون دولار سنويًّا وعلى الرّغم من كلّ تلك المكاسب العالميّة، إلا أنّ الأمر في مصر مختلف تماما، حيث ما زالت الأندية والرياضة تمثّل عبئًا كبيرًا على ميزانيّة الدولة، حيث يحصلون على رقم كبير من موازنة الشباب والرياضة سنويًّا، لدعم الإنشاءات ودعم النشاط الرياضي، يصل إلى 800 مليون جنيه (حوالى 26 مليون دولار)". وأشارت النائبة إلى أنّ مساهمة الأندية في بناء الاقتصاد الوطني ضرورةٌ ملحّة، باعتبار الرياضة إحدى ركائز تنويع الاقتصاد، لافتةً إلى أنّ خصخصة الأندية الرياضية، أي خروجها من تحت عباءة المؤسسات العامة، إلى مظلّة المؤسسات الخاصة، مشروع يسهم بشكل فعّال في جذب مستثمرين جدد، ويخفّف العبء على خزينة الدولة". وأوضحت عضو لجنة الخطة والموازنة، أنّ الرياضة في أغلب دول العالم المتقدّم أصبحت سببًا رئيسيًّا لإنعاش الاقتصاد، فمثلًا نجد أنّ عائد الرياضة في أميركا يساوي ٧ أضعاف دخل السينما، كما تمثّل كرة القدم في البرازيل إحدى أبرز موارد دخل الدولة، نتيجة الاعتناء باللاعبين الصّغار وتسويقهم إلى الأندية الأوروبيّة بملايين الدولارات، وهو ما يجعل كرة القدم سلعة قوميّة في البرازيل، تساهم بما يقرب من 10% من الدخل القومي. وأشارت إلى أنّ الرياضة المصريّة تحتاج إلى اعتماد آليّة خصخصة الأندية من أجل مضاعفة الموارد المالية وضخّ رؤوس أموال جديدة بالتعاون مع القطاع الخاص، وتوفير أموال ضخمة تنفقها الحكومة ممثّلة في وزارة الشباب والرياضة، لدعم الأندية ومنشآتها وتوفير تلك الأموال لإنفاقها على توسيع قاعدة الممارسة الرياضية واكتشاف المواهب ودعم مراكز الشباب.تنويع مصادر الدخل وقالت الخبيرة الاقتصادية المصرية، الدكتورة رانيا يعقوب، إنّ مقترح طرح الأندية الرياضية للاستثمار في البورصة في حالة تنفيذه سيكون قرارًا إيجابيًّا للغاية، مشيرةً إلى أنّ ذلك سينعكس بالطبع على دخل هذه الأندية لأنّه سيساهم في تنوع مصادر الدخل لتلك الأندية. وأوضحت في تصريح لمنصّة " المشهد" أنّ الأسواق المنافسة لمصر في هذا المجال قامت بالفعل بهذه الخطوة وحقّقت نجاحاتٍ ملموسة، لافتةً إلى أنّ هذا المقترح سوف يجذب مستثمرين جدد غير متواجدين في السوق المصري وفي حالة إقرار المقترح بالتأكيد سيؤدي ذلك إلى رفع القيمة السوقيّة لهذه الأندية. وأشارت الخبيرة الاقتصادية المصرية، إلى أنّ البورصة المصرية لا يوجد بها طروحات خاصّة بالأندية الرياضية. وأضافت:" لا أظنّ أنّه سيكون هناك رفض جماهيري في الأندية ذات الجماهيرية الكبيرة، لأن الأمر لا يتعلّق بهم ولن يؤثر على أنديتهم في شيء ولكنّ الأمر يتعلّق بموافقة الجمعية العمومية لكل نادٍ وفي النهاية لو اتجهت الأندية المصرية هذا الاتجاه بالتأكيد سيكون مردوده إيجابي للغاية ".رفض جماهيري؟ وفيما يتعلّق بالقبول الجماهيري لفكرة طرح النشاط الرياضي للاستثمار، قال الناقد الرياضي المصري، محمد يحيى يوسف، إنّ الشعبيّة الأكبر لأيّ مجلس إدارة نادي رياضي في مصر يكتسبها من خلال فريق الكرة الخاص بالنادي، مشيرا إلى أنّ مجالس إدارات الأندية أنفسهم لن يكونوا مرحّبين بهذه الفكرة لأنّها ستؤثّر على نفوذهم وجماهيريتهم داخل تلك الأندية. وأوضح في تصريح لـ " المشهد" أنّ مجالس الإدارات تفضّل أن تكون هناك عقود رعاية للنشاط الرياضي في أنديتهم وليس نقل ملكية لأنّ نقل الملكية سيؤدي إلى تراجع شعبيتهم وبالتالي القيمة المعنويّة لهذه المجالس ستنتهي. وتوقّع الناقد الرياضي المصري، أن يحدث رفض جماهيري خاصة الأندية ذات الشعبية الكبيرة في الدوري المصري، لافتًا إلى ضرورة تغيير الفكر الاستثماري لهذه الأندية لكي تتمكّن من المنافسة والاحتراف بشكل حقيقي.تغيير القانون بدوره، قال خبير التسويق الرياضي المصري، عمرو وهبة، إنّ مصر لديها كلّ العناصر اللازمة لتحويل صناعة الرياضة إلى مصدر يُدرّ دخلًا كبيرًا للاقتصاد المصري، ونقلها إلى مستوى احترافيّ حقيقي. وأضاف في تصريح لمنصة " المشهد" إنّ الأمر يتطلّب فصل النشاط الرياضي للأندية في مصر عن النشاط الاجتماعي، حتى تتمكّن تلك الأندية من تحقيق عوائد حقيقية من الاستثمار في النشاط الرياضي. وتابع وهبة:" نحن في مصر نعمل بالقانون 75 لسنة 1977 ثم تعديلاته سنة 1979 إلى أن تمّ تحديث القانون في العام 2017 وهذا القانون فلسفته الأساسية هي تنظيم عمل مجالس إدارة الجمعيات العمومية للأندية في مصر". وأوضح أنّ صناعة كرة القدم على سبيل المثال تطوّرت خلال الـ 30 عامًا الأخيرة تطورًا مهولًا وتحوّلت إلى صناعة كبيرة في الكثير من الدول، لافتًا إلى أنّ التجربة الأبرز في هذه الصناعة هي الدوري الإنجليزي، والذي سعى منذ عام 1991 إلى تغيير طريقة إدارة هذه الصناعة وبالفعل نجح إلى أن يكون الدوري الأقوى في العالم بحلول عام 2000 سواء في المنافسة أو في العوائد المادية التي تعود على الأندية من تلك المنافسة. وأشار وهبة إلى أنّ المنظومة الرياضية تتكون من 13 عنصرًا ونحن في مصر لم نغير في هذه العناصر سوى عنصرين فقط وهما الإعلام واللاعبين. وقال إنّ القائمين على إدارة الأندية والاتحادات الرياضية مجالس إدارة متطوّعة يتمّ محاسبتها ماليًا في حالة وجود مخالفات مالية، ولكن لا يتمّ محاسبتها في حالة فشلها فنيًّا في تحقيق تقدّم بفرقها المشاركة في اللعبة على سبيل المثال. وأوضح أنّ ملكيّة الأندية في مصر تؤول إلى الجمعية العمومية الخاصة بكلّ نادٍ في حين تُؤول المنشآت للدولة، وهو ما يجعل المراجعة والمحاسبة قائمة على فكرة المخالفات للوائح والشقّ المالي وليس الشقّ الفني.فصل النشاط الرياضي عن الاجتماعي وتابع خبير التسويق الرياضي المصري: "لو أردنا أن نرى تقدمًا حقيقيًّا في منظومة الرياضة في مصر فيجب أن نقوم بفصل النشاط الرياضي عن النشاط الاجتماعي، ثم نقوم بطرح النشاط الرياضي من خلال شركات متخصّصة للاستثمار وتقوم الدولة بمنح امتيازات للمستثمرين لإقامة منشآت رياضيّة وبالتالي تتحقّق الطفرة في الرياضة". وأكّد أهمية تغيير التشريعات المنظّمة للرياضة في مصر والأهمّ هو تغيير فلسفة تلك التشريعات للتناسب مع كونها مؤسسات لديها كافة الإمكانيّات التي تؤهّلها لكي تكون مصدرًا مهمًّا للدخل في مصر.تجارب ناجحة وتحدّث خبير التسويق الرياضي، عن تجارب الدول المجاورة مثل تجربة المغرب التي شجّعت الأندية على تسهيل احتراف لاعبيها في الدوريات الأوروبية وهو ما انعكس بشكل كبير للغاية على الصناعة في المغرب كما انعكس أيضًا على مستوى اللعبة هناك. كما تطرّق " وهبة" إلى التجربة في الدوري الإنجليزي والخطوات التي اتخذتها الأندية هناك لتعظيم الاستفادة من صناعة كرة القدم على سبيل المثال، مؤكدًّا أنّ مصر تمتلك من العقول الشابة التي تستطيع أن تدير المنظومة بشكل احترافي، ولكن هذا يجب أن يراعي منظومة القيم والعادات التي تختلف من مجتمع لآخر. وقال إنّ فصل النشاط الرياضي عن النشاط الاجتماعي مع إنشاء شركات خاصة بالنشاط الرياضي سيصبّ بشكل كبير في صالح الأندية ذات الجماهيرية الكبيرة المتعثّرة في الدوري المصري، لأنّ هذه الأندية لديها قاعدة جماهيرية قادرة على إنجاح هذه التجربة. وأوضح أنّ تطبيق الأسلوب الاحترافي في المنظومة الرياضية في مصر، لن يحقّق عوائد مالية فقط، ولكنّ العنصر البشري أيضًا سيتطوّر بشكل كبير لأنّ المناخ وقتها سيهتمّ بهذا العنصر باعتباره رأس مال المنظومة. (المشهد)