يبدو أن الاتحاد العراقي لكرة القدم قد استقرّ على إقالة المدير الفني الإسباني خيسوس كاساس، وهو القرار المُرتقب بشكل رسمي خلال الساعات المُقبلة، بعدما هزيمة صادمة أمام المنتخب الفلسطيني في الجولة الثامنة من التصفيات الآسيوية المؤهلة إلى كأس العالم 2026، والتي عطّلت مسيرة تقدم "أسود الرافدين" نحو التأهل الثاني في تاريخهم إلى المونديال. انتهت تجربة المدرب الإسباني مع العراق، ولكن فترة تزيد عن العامين بقليل كانت مليئة ببعض الإنجازات ولحظات السعادة التي قدمها كاساس لجماهير كرة القدم العراقية. عودة إلى منصة التتويج في 5 نوفمبر 2022، أعلن الاتحاد العراقي لكرة القدم رسميًا تعاقده مع المدرب الإسباني خيسوس كاساس لقيادة المنتخب الوطني بعقد يمتد لـ4 سنوات، مقابل مليون دولار سنويًا.توقعات كبيرة صاحبتها تجربة كاساس، الذي عمل مساعدًا لمواطنه خافي غارسيا مع واتفورد في الدوري الإنجليزي الممتاز، قبل أن ينضم إلى الجهاز الفني للويس إنريكي مع منتخب إسبانيا بين عامي 2018 و2022.وبدأ كاساس فعليًا مهامه الرسمية يوم 30 ديسمبر 2022 بقيادة المنتخب في مباراة ودية أمام الكويت ضمن استعدادات "أسود الرافدين" للمشاركة في بطولة كأس الخليج العربي الخامسة والعشرين التي احتضنتها مدينة البصرة.وقد خطف المنتخب العراقي حينها الأنظار بتحقيقه اللقب عقب فوزه المثير على منتخب عمان بنتيجة 3-2 في نهائي البطولة، ليُتوَّج العراق بكأس الخليج لأول مرة منذ عام 1988.كما كان أول تتويج لـ"أسود الرافدين" بشكل عام منذ حصد لقب كأس آسيا التاريخي في عام 2007.دخل العراق نسخة عام 2025 في الكويت بهدف الحفاظ على اللقب، ولكن ودّع "أسود الرافدين" مبكرًا من مرحلة المجموعات، في لحظة مثّلت مسمارًا قوية هز استقرار المدرب الإسباني ومسيرته مع الفريق.آمال عريضة.. وأزمات مع الإعلامفي 19 يناير 2024، كتب المنتخب العراقي بقيادة كاساس فصلًا تاريخيًا جديدًا خلال مشاركته في كأس آسيا 2023 المقامة في قطر، بعد فوزه المفاجئ على اليابان 2-1 في دور المجموعات. وكانت هذه أول خسارة لليابان في دور المجموعات للبطولة منذ عام 1988، كما أنها أنهت سلسلة من 10 انتصارات متتالية للمنتخب الياباني. بهذا الانتصار، تصدّر العراق مجموعته للمرة الأولى منذ نسخة 2007، التي توّج فيها باللقب القاري. لكن حلم التأهل إلى الأدوار المتقدمة اصطدم بحاجز المنتخب الأردني في دور الـ16، حيث خسر العراق بنتيجة 3-2 في مباراة مثيرة شهدت طرد المهاجم أيمن حسين بسبب احتفاله المفرط بالهدف، والذي عُرف إعلاميًا بـ"احتفال المنسف".عقب المباراة، انفجر المؤتمر الصحفي بحالة من الفوضى بعد أن قام عدد من الصحفيين العراقيين بالصراخ في وجه كاساس وملاحقته داخل القاعة بشكل تهديدي، ما استدعى تدخل الأمن لطردهم. على إثر ذلك، أصدرت الاتحاد الآسيوي لكرة القدم قرارًا بحظر أولئك الصحفيين من تغطية أي بطولات مستقبلية تابعة له. رغم الضغوط، حظي كاساس بدعم كامل من الاتحاد العراقي لكرة القدم وغالبية جماهير المنتخب. وفي الأول من فبراير 2024، التقى كاساس رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ورئيس الاتحاد عدنان درجال، حيث جرى التأكيد على محاسبة المتورطين في الاعتداء المعنوي عليه، مع وعود بالتحقيق في الواقعة وتوفير بيئة عمل صحية للمدرب. النهاية الحزينة بعد آمال كبيرة ورغم الدعم السياسي والرياضي، لم تدم رحلة كاساس طويلًا، إذ جاءت الخسارة أمام منتخب فلسطين يوم 25 مارس 2025 في الجولة الثامنة من التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم 2026 بمثابة القشة التي قصمت ظهر العلاقة بينه وبين الاتحاد. فقد خسر العراق بنتيجة 2-1، ما دفع الاتحاد العراقي لإعلان إقالة المدرب الإسباني رسميًا، بعد أن تبخرت آمال الجماهير في التأهل للمونديال المنتظر في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. وكان من المقرر أن يستمر عقد كاساس حتى نوفمبر 2026، لكنه انتهى قبل أوانه بعد "خيبة أمل كبرى"، حسب ما وصفته تقارير محلية أشارت إلى أن قرار الإقالة تم اتخاذه بالإجماع خلال اجتماع طارئ عقده الاتحاد عقب عودة البعثة من العاصمة الأردنية عمّان، حيث أُقيمت المباراة، إلى بغداد.وبحسب ما أفادت به المصادر، فقد سبق للاتحاد أن ناقش فكرة الإقالة مرارًا في ظل ما وصف بـ"تراجع الأداء وضياع الهيبة الفنية التي كان يتمتع بها المدرب". وصرّح مصدر مقرّب من الاتحاد أن "القرار كان لا بد منه لرسم طريق جديد في التصفيات"، مشيرًا إلى أن "الحصانة التي تمتع بها كاساس في بداية عهده تآكلت بفعل النتائج". ووجهت اللجنة الفنية التابعة للاتحاد، التي يرأسها عدنان درجال، انتقادات حادة لخيارات كاساس التكتيكية، معتبرة أن "العبث الفني والتبديلات غير المنطقية" في مباراة فلسطين هي ما تسبب في الهزيمة. وأكدت اللجنة أن قرارات كاساس الفنية "قتلت المنتخب ومنعته من العودة في المباراة"، ما زاد من قناعة الاتحاد بضرورة إقالته. مسيرة كاساس في أرقامقاد خيسوس كاساس منتخب العراق في 30 مباراة، حقق خلالها 19 فوزًا، مقابل 4 تعادلات و7 هزائم. وكان أبرز إنجاز له هو التتويج بكأس الخليج العربي 2023 في البصرة، إلى جانب الانتصار التاريخي على اليابان في كأس آسيا. لكن سلسلة من النتائج السلبية، أبرزها التعادل مع الكويت 2-2 على أرض العراق، ثم الخسارة المفاجئة أمام فلسطين خلال الشهر الجاري، وضعت شكوكًا حول حلم التأهل المباشر وجعلت استمراره على رأس الجهاز الفني أمرًا مستبعدًا. وبتلك الهزيمة، تجمد رصيد العراق عند 12 نقطة في المركز الثالث خلف الأردن صاحب 13 نقطة، وكوريا الجنوبية المتصدرة بـ16 نقطة، بينما صعدت فلسطين إلى المركز الخامس بـ6 نقاط، لتعود إلى دائرة المنافسة، خلف الكويت السادسة بـ5 نقاط، وقبل منتخب عمان الذي يحتل المركز الرابع بـ10 نقاط. هكذا، طوى الاتحاد العراقي صفحة المدرب الإسباني خيسوس كاساس، الذي عاش لحظات لا تُنسى مع "أسود الرافدين"، بين التتويج والانكسار، بين الإشادة والغضب، تاركًا خلفه سجلًا سيظل حاضرًا في ذاكرة الكرة العراقية.(المشهد)