لا تنضب منابع كرة القدم الإفريقية، حيث تظل بطولة كأس أمم إفريقيا استثنائية من بين جميع المسابقات القارية على مستوى العالم، لإقامتها كل عامين.وفي كل نسخة، تتألق العديد من المواهب والأسماء التي تقدّم نفسها للعالم، وتتصارع عليها الأندية الأوروبية لاحقا، والبعض منها يكمل مسيرته.تتعدد مسارات تألق هؤلاء النجوم ووصولهم إلى المسار الدولي، ولكن تظل "الموهبة النقية" هي الأكثر جذبا للمشاهد وإثارة لمتعته.تُقام كأس أمم إفريقيا 2023 في الوقت الراهن في كوت ديفوار، وقد كانت فرصة لإلقاء النظرة على تجربة النجم الفرنسي السابق، التي أثارت تغييرا في مسار العديد من المواهب اليافعة في القارة السمراء، على عدة مراحل.لماذا اللاعبين الحفاة؟يرى جان-مارك غيلو، وهو نجم فرنسي سابق، وشارك في كأس العالم 1978 إلى جوار ميشيل بلاتيني، أن عملية تعلُّم مهارات كرة القدم للأطفال وهم حُفاة هي الأكثر تأثيرا وفاعلية، والأقدر على الكشف عن المواهب.ويقول غيلو، الفائز بجائزة أفضل لاعب في الدوري الفرنسي خلال عامي 1973 و1974: "تكون الممارسة عفوية وطبيعية، حيث يتعلم الأطفال من خلال ذلك الأسلوب التحكم في الكرة بسهولة وبدون عوائق".ويتابع في تصريحاته لوكالة الأنباء الفرنسية: "هم يعتادون اللعب بأقدام حافية، فيركزون على المتعة والإثارة، وليس على مادة الحذاء. ذلك يساعدهم على اكتساب القدرات التقنية بسرعة كبيرة".تجربة مثيرةكما أشرنا، فقد كان لغيلو اسمه في فضاء كرة القدم الفرنسية، ولكن بعد الاعتزال، قرر ترك بلاده والسير وراء شغفه، فاستقر في العاصمة الإيفوارية أبيدجان، وأسس بها أول أكاديمية كرة قدم، والتي تحمل اسم "جي.إم.جي" في عام 1993.كانت هذه التجربة رائدة في ذلك الوقت، قبل انتشار فكرة الأكاديميات في قارة إفريقيا بشكل واسع خلال السنوات الأخيرة، حيث أنه إلى جوار اكتشاف مواهب كرة القدم، فإنه ساعد هؤلاء الأطفال على المواظبة على دراستهم والتميز فيها إلى جوار تلمُّس الخطوات الأولى لمواهبهم في كرة القدم.امتدت تجاربه إلى العديد من البلدان الإفريقية، فحاول أن يؤسس نهجه في مالي وغانا ومالي ومصر والمغرب، وصولا إلى فيتنام في آسيا، ولكن غالبية هذه التجارب لم تدُم رغم ظهور بعض النتائج المميزة.الثمار الأولىتُعد أبرز تجارب غيلو في إفريقيا مع أكاديمية نادي أسيك ميموزا الإيفواري، حيث طبّق نظريته في تدريبات "الحفاة"، وجنى الفريق ثمار هذه التجربة في عام 1999، حين تمكن فريق مكوّن غالبيته من لاعبين في عمر الـ17 والـ18 عاما، من الفوز ببطولة كأس السوبر الإفريقي على حساب الترجي الرياضي التونسي.لمعت عدة أسماء من هذا الجيل وتألقت وطارت إلى أوروبا، ولعل أبرزها يايا توريه، الذي تألق لاحقا بألوان مانشستر سيتي الإنجليزي وبرشلونة الإسباني، وقاد بلاده إلى التتويج بكأس أمم إفريقيا 2015.يحتفظ غيلو بأسلوب أكاديميته رغم وجود العديد من المنافسين والتقنيات خلال السنوات الأخيرة، وقد ترك المهمة إلى أحد أحفاده الذين ورثوا منه الولع بكرة القدم.يرى غيلو أن الأساليب والمناهج التي بُنيت عليها أكاديمياته، من شانها "تيسير الممارسة الرياضية وتفجير المواهب التي تقود لإحراز الألقاب"، على حد وصفه.وأوضح أدريان، حفيد غيلو: "الفنيون العاملون بالأكاديمية يختبرون مئات الأطفال في سن 12 و13 عاما، حيث يخضعون لشتى التمارين وفي النهاية لا يبقى مهم إلى قلة قليلة لإتمام التكوين"ويتابع: "من بين 300 طفل، نختار فقط 5 ونخضعهم لتدريبات مختلفة، فيخوضون مثلا مواجهات على مساحات صغيرة لنتأكد أنهم يجيدون ممارسة الكرة".ووفقا لأدريان، يتعلم الأطفال قواعد كرة القدم القائمة على اللعب الجماعي، ويدركون سريعا بأن الحارس هو أول المهاجمين وأن قلب الهجوم هو أول المدافعين.تجربة غير مكتملة في الجزائرساهم غيلو في تأسيس أكاديمية بارادو بالعاصمة الجزائرية، والتي كانت نواة لاكتشاف العديد من المواهب التي تتألق بألوان "الخضر" في الوقت الراهن.فتحت الأكاديمية أبوابها في عام 2007، ولكن انتهى المشروع في عام 2015، لخلافات إدارية، على حد وصف النجم الفرنسي الأسبق.وقال غيلو إن العلاقات بينه وبين رئيس النادي، خير الدين زطشي، لم تكن مثالية.وقال غيلو، البالغ من العمر 79 عاما، لوكالة الأنباء الفرنسية: "كان زطشي يتدخل في الأمور الإدارية والتقنية، ويسعى لفرض عدد من اللاعبين".يعود غيلو ليتحدث بشكل جيد عن تجربته الجزائرية، حيث أعرب عن استغرابه في البداية عن اعتياد الأطفال هناك على اللعب الفردي والمراوغات، وحب كرة الشارع، قبل أن تتحول مسيرتهم بالكامل.اكتشفت الأكاديمية لاعبين دوليين في الوقت الحالي، مثل رامي بن سبعيني ويوسف عطال وهشام بوداوي وآدم درقان.قدم هذا الفريق كرة قدم ممتعة نالت تشجيع محبي كرة القدم في الجزائر، ولا زال فريق بارادو ينافس في المسابقة الجزائرية حتى الآن، ولكن لم تعد تتواجد الأكاديمية التي أسسها غيلو.حاول الرجل الفرنسي تأسيس أكاديميات في المغرب ومصر أيضا، ولكن لم ينجح في فرض استقرار تجاربه، رغم وجود مخزون هائل ومتنوع من المواهب على حد تعبيره.(المشهد - وكالات)